العراق: المأزق والمخرج

د. ضرغام الدباغ

[email protected]

تسلمت رسائل عديدة من أصدقاء وأخوة عراقيين، في مجملها، تكشف عن حرص العراقيين على الوطن، وعن متابعتهم للأحداث السياسية، ومن تلك تأسيس المجلس السياسي العام . وسأجيب على تلك التساؤلات بصورة إجمالية نرجو أن يستوفي بها الموضوع حقه.

1. لم يستغرق الكثير من الوقت بعد الاحتلال حتى يكتشف (مبكراً أو لاحقاً) أو يعترف (مضطراً، أو متأخراً) الجميع، أن الاحتلال ونتائجه على شتى الاصعدة إنما هي متناقضة بصورة تامة مع مصالح الشعب العراقي الاساسية والثابتة، وليتصاعد التناقض حتى يبلغ مرحلته التناحرية بين قوى الاحتلال من جهة، وقوى الشعب العراقية الوطنية والقومية والتقدمية والدينية، ومضى متصاعداً ليشمل أصعدة هي اليوم بأعلى مستوياتها .

2. وفيما استغرقت عملية وعي للجماهير الشعب العريضة وقتاً، مع اعتبار للظروف الذاتية والموضوعية التي تكتنف العملية، (وأحسب أنها ستتواصل لفترة أخرى أقدر أنها سوف لن تطول)، يتواصل معسكر الشعب بالتوسع، فيما يتقلص معسكر نظام الاحتلال. فنظام الاحتلال لم يعد بإمكانه أن يتفاهم ويتواصل مع حلفاءه الأقربين والأبعدين فكيف بمعارضيه، والأهم أنه فشل في  صياغة برامج يتفق عليها حتى مع الفرقاء الذين أبتدأ معهم. وفي ذلك يتخذ الأمر درجاته المتفاوتة بين الطرف السياسي الذي يمثله الدكتور أياد علاوي، وكتلة التيار الصدري، وكتلة الدكتور أحمد الجلبي، وكتلة المجلس الاسلامي (الحكيم)، والكرد، وربما أطراف أخرى.

3. ومع أن كل اهتزاز وتداع في معسكر الاحتلال يقوي معسكر الشعب بالمقابل، وأطراف وطنية عراقية عديدة تدرك بصفة متزايدة أبعاد الاحتلال، ويزداد موقفها قوة وصلابة بعد إدراكها عبثية العملية السياسية، وتلك أيضاً بدرجات متفاوتة من العزم والحسم، إلا أن الطابع العام، هو تواصل أتساع معسكر الشعب وتقلص معسكر نظام الاحتلال، حتى بلغ مستوى التدهور درجة غير مقبولة من انهيار الدولة وعجزها.

4. الأسباب الأساسية في تراجع وفشل النظام السياسي الذي أنتجه الاحتلال عديدة، ليكون أداته في تفكيك العراق دولة، واقتصاد، وثقافة وأواصر هي ذاتية وموضوعية. فالنظام أوغل في الفساد المخطط له حتى خرج عن السيطرة، ولم تعد القوى الراعية للاحتلال قادرة في السيطرة عليه لأنه يناقض الاحتلال ذاته، وهكذا يتواصل الفساد يتعمق في نظام الدولة لدرجات غير مسبوقة لا في العراق ولا في أي دولة في العالم، وليس صدفة أن يحتل العراق المرتبة الأولى في الفساد عالمياً. وعدا عن الفساد : شيوع العلاقات اللاوطنية والتعامل مع القوى الأجنبية الأمر الذي قاد إلى أن تبهت ألوان الوطنية وسماتها.  وبالغ في فتح الأبواب على مصراعيها بل والنوافذ أيضاً، ليرزح الوطن تحت هيمنة أجنبية، وتجاهل بشكل خطير المصالح والثوابت العراقية بدرجة لابد من التصدي لهذا النهج، وأسراف في القتل والتصفيات الطائفية والاثنية، هذا عدا عن تدمير متواصل للبنى التحية حيث يفتقر العراق إلى أبسط الخدمات. فليست هناك دولة في العالم عدا العراق لا تتمتع بخدمات الماء والكهرباء والهاتف، ناهيك عن خدمات صحية لائقة، وتصفية منتظمة للصناعة والزراعة في العراق، وللنظام التعليمي والصحي. فالأمر يشير في نهاية المطاف إلى تصفية كيان دولة ووطن بكل معنى الكلمة.

5. بيد أن التناقض له وجوه وأبعاد أخرى، فالأطراف التي تحالفت وغزت العراق، لم يعد تحالفها اليوم بذات المستوى من التفاهم والقوة، إذ دبت الريبة والشكوك فيما بينها، وتقاطعت مصالحها، وشرعت في تفاصيل التوازنات الاقليمية والدولية. فوجود أكثر من نقطة استقطاب في المنطقة، ومطامح قوى أخرى تريد أن ترسخ أقدامها، قاد إلى تباين، ثم تطور إلى تناقض وتنافس وربما في مرحلة لاحقة إلى صراع مسلح تتهيأ له كافة القوى، وهو ما وضع الوطن في مهب التحالفات والتوازنات الدولية، وفي مهب هذه الخلافات والتناقضات والصراعات، بات نظام الاحتلال الحلقة الأضعف، ومجرد هدف في خارطة الأهداف، وإذا كان يمثل اليوم هدفاً استراتيجياً ثميناً لإيران، فالأمر ربما لن يكون كذلك في مرحلة لاحقة.

6. بهذا الإيجاز الشديد نصل إلى حقائق، هي أن النظام الذي قام بعد الاحتلال كان نتيجة تفاهم ربما لم يعد، أو لم يعد بذاك المستوى الذي كان عليه. وتلوح في الساحة تحالفات جديدة روسيا تمثل أحد أطرافها، في وقت يتدهور النظام الدولي  الذي قام في أعقاب الحرب الباردة، ولهذا التدهور ما يجسده في مناطق بؤر عديدة في العالم : كوريا، الجزر اليابانية المتنازع عليها، أوكرانيا، سوريا، وهي تداعيات تترافق مع رفض متزايد لمشروع الثورة الإيرانية في المنطقة، هذا المشروع الذي يخوض صراعات مسلحة في العراق، وسوريا، لبنان، اليمن، البحرين، ويشيع التوتر في مناطق أخرى، أصبح مشروعاً يرهق كاهل المنطقة ويثير الصراعات السياسية ويعرض أمن منطقة مهمة للعالم يأسره سياسياً واقتصادياً  للخطر.

7. أنعقد المجلس السياسي العام في ظل استيعاب دقيق للظروف الخارجية والداخلية، فنحن نعيش في العراق اليوم ظروف ومؤشرات مرحلة لا تشبه أي من تلك التي مر بها الوطن بعد الاستقلال الأول عام 1921، ونستطيع أن نتبين أن المرحلة اللاحقة المهمات المقبلة لها سماتها وخصائصها أيضاً.

8. في السياسة لا توجد كراهية أو محبة، السياسة هي تحليل مادي ملموس لواقع مادي ملموس، وسوى ذلك يدخل ربما في نطاق العلاقات الخاصة، أو الموضوعات ذات الطابع الأدبي. فنحن مولوجون بمعالجة ما هو مطروح على طاولة البحث والفحص والعلاج  بدرجة رئيسية، وإن شئنا أن نتحدث عن الأخطاء، فسيطول الحديث بما لا يفيد العمل المشترك وإنقاذ العراق، فالكل لديه ذكرياته المرة.

9. وهنا نود أن نوضح أن أعضاء المؤتمر ينتمون إلى اتجاهات سياسية وفكرية، وقومية ودينية وطائفية متعددة، ومن أطرف لم تلتق في السابق وأخرى تأسست بعد الاحتلال، وليس من رباط بينها سوى الولاء للعراق، وضرورة العمل على إنهاء الاحتلال وتوابعه وإنجاز الاستقلال الثاني. وجدير بالذكر أيضاً أن المجلس أكد أن أبوابه مشرعة لمن يريد الالتحاق بمعسكر الشعب من القوى والحركات الوطنية، بل ولتلك التي تريد أن تهجر معسكر الاحتلال، بعد تيقنها من خطأ الاستمرار والتواصل في العملية السياسية. وجدير بالذكر أيضاً أن الكثير من الخبراء العراقيين في شتى التخصصات شاركوا في المناقشات داخل المؤتمر وخارجه، ودرست دراسة وافية حتى تلك الفقرات ذات الثانوية الاهمية.

10. ولمن من يعتقد أن بالإمكان انتزاع استقلال العراق وهيمنة القوى الأجنبية عليه بوصفة سياسية / سحرية، نتساءل لماذا لا يفعل ذلك ويجنب الشعب عذاب ومشاق النضال الدامي ؟ وهنا لابد أن نشير أن المجلس في قراراته أكد الاتصال بكافة القوى العراقية والعربية والدولية من أجل بلوغ هدفنا. أين هي تلك المحاولات الجادة لإعادة اللحمة للشعب بل الوطن، وماذا تنتظر لتكشف عن برامجها وجهودها ومنجزاتها ؟

11. الفيدرالية والأقاليم طبخة فاسدة يراد بها أن يكون العراق ضعيفاً وهي وصفة جاء بها الاحتلال. أما الوضع في كردستان العراق فله خواصه المميزة لا تنسحب على سائر أرجاء العراق، وسوف يعالج بالثقة المتبادلة، وأرساء أسس تعامل جديدة.

12. البرنامج الذي يطرحه المجلس قائم على تأسيس عراق جديد بعد مرحلة الاستقلال الثاني، عراق يأخذ بكافة التجارب التي مر بها الوطن بإيجابياته وسلبياته، وليس هناك سوى العراق، له كل الولاء، وله ومن أجله يدور عملنا ونضالنا، الآن وفي المستقبل.