كيف ستتعامل تركيا مع التناقضات الأميركية في سوريا؟
في موقف متضارب مع ما سبق للإدارة الأميركية أعلنت عنه، قال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتن خلال زيارته لإسرائيل يوم الأحد الماضي إنّ الولايات المتّحدة لن تنسحب من سوريا إلا عند تحقيق هدفين رئيسيّين أوّلهما القضاء على تنظيم "داعش" والتأكّد من عدم قدرته على العودة مجدداً، وثانياً ضمان أمن حلفائها من الميليشيات الكردية المتمركزة في شمال سوريا.
ويتناقض مثل هذا الطرح مع ما كان الرئيس الأميركي قد أعلنه سابقا عن انسحاب سريع للقوات الأميركية من سوريا توقع كثيرون أن يتم خلال ستينَ يوماً على الأرجح. ويضيف موقف بولتن الأخير شرطاً جديداً يتمثل كذلك في ضرورة أن تضمن تركيا عدم قيامها بأية عملية عسكرية ضد الميليشيات الكرديّة المتحالفة مع واشنطن، وهي الميليشيات التي أعلنت مراراً عن استعدادها للعودة إلى حضن نظام الأسد والانضمام إلى جيشه أيضاً.
ويثير تخبّط الإدارة الأميركية تساؤلات حول مدى مصداقيتها في التعامل مع أي من اللاعبين بعد أن كانت قد خسرت ثقة حلفائها وشركائها
في حال قرر الجانب الأميركي الانسحاب، فإن ما تريده أنقرة هو أن يتم التنسيق بين الجانبين حتى لا يؤدي ذلك إلى فوضى تفيد في نهاية المطاف التنظيمات الإرهابية من جهة، وخصوم تركيا من جهة أخرى
في المنطقة وعلى رأسهم تركيا. وينظر إلى الموقف الأميركي المتعلق بالتحالف مع الميليشيات الكرديّة وحمايتها على أنّه موقف خاطئ يتناقض مع مصالح أنقرة في الدفاع عن أمنها القومي، ومع علاقات الشراكة التركية- الأمريكية. ومن المنتظر لمثل هذا الموقف أن يعقد من حسابات مختلف اللاعبين ويدفع تركيا إلى الاعتماد بشكل أكبر على روسيا، وهو اعتماد لا يخلو من مخاطر أيضاً بطبيعة الحال.
هل ستنسحب واشنطن من سوريا في نهاية المطاف؟ لا يوجد جواب قاطع يمكن الوثوق به الآن حيال مثل هذا السؤال، ومن غير المعروف أصلاً متى سيتم الانسحاب في حال كان هناك نيّة حقيقيّة لدى الإدارة الأميركية لتحقيقه. في حال قرر الجانب الأميركي الانسحاب، فإن ما تريده أنقرة هو أن يتم التنسيق بين الجانبين حتى لا يؤدي ذلك إلى فوضى تفيد في نهاية المطاف التنظيمات الإرهابية من جهة، وخصوم تركيا من جهة أخرى.
ولا شك أنّ أنقرة ستطلب من الولايات المتّحدة سحب أطنان الأسلحة التي وزعتها على الميليشيات الكرديّة حتى لا يتم استخدامها في تهديد أمن حليف في الناتو، وضمان تأمين البيئة المناسبة لعودة اللاجئين والنازحين إلى هذه المناطق التي سيتم الانسحاب منها، والا فإنّ القوات التركية ستقوم بما يلزم لتحقيق هذه الأهداف. أمّا إذا قررت الولايات المتّحدة البقاء، فإن الجانب التركي سيكرر على مسامع مسؤوليها ما اعتاد على قوله من ضرورة فك تحالفهم مع الميليشيات الكردية وتنفيذ اتفاق منبج، وإعطاء ضمانات تتعلق بأمن الحدود ودور هذه الميليشيات المستقبلي.
وتظهر في ثنايا الخيارات الأميركية تناقضات أخرى من غير الواضح بعد كيف من الممكن حلّها في ظل التخبّط غير المسبوق للإدارة الأميركية وأركانها حيال كل قضية
كيف يمكن الاعتماد على ميليشيات صنعها الأسد وسلّحها ودربها وسلّمها الكثير من الأراضي السورية لكي تواجه الحليف الأبرز له أي إيران
من قضايا المنطقة. ففي حين تصرّ بعض أطراف الإدارة على ضرورة مواجهة إيران والحد من نفوذها، تسهّل السياسية الأميركية المتّبعة حتى الآن في سوريا تحقيق مصالح طهران في حين تعرقل مصالح تركيا التي لا غنى عنها لكل من يريد موازنة الدور الإيراني في المنطقة.
تناقض آخر يظهر من خلال الترويج للنظرية القائلة بالاعتماد على الميليشيات الكردية لإيقاف التمدد الإيراني في المنطقة، وهي نظرية مثيرة للسخرية على أقل تقدير. إذ كيف يمكن الاعتماد على ميليشيات صنعها الأسد وسلحها ودربها وسلّمها الكثير من الأراضي السورية لكي تواجه الحليف الأبرز له أي إيران! الأدهى من ذلك أنّ النظام الإيراني قام في كثير من الأحيان بدعم هذه الميليشيات بنفسه، فكيف ينتظر منها مقاومته؟ وعلى أي أساس؟
وإذا كانت الولايات المتّحدة تبقي على الأسد وأدواته، وتساعد بطريقة غير مباشرة إيران من خلال معارضة مصالح تركيا في سوريا، فعلى أي أساس يتوقع كثيرون أن تقوم تركيا بموازنة الدور الإيراني في سوريا أو العمل على الحد منه؟ إنّ مثل هذه المعادلة لا تتم إلا بوجود سياسة أميركية واضحة لدعم تركيا ومصالحها في سوريا، وحينها فقط يمكن للأخيرة أن تقوم بموازنة الدور الإيراني.
وسوم: العدد 806