مقابلة السيسي التي تريد الحكومة المصرية منع مشاهدتها!
بعد موافقة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على حوار تلفزيوني مع قناة CBS الأمريكية والانتهاء منها اتصل السفير المصري في واشنطن، ياسر رضا، بالفضائية الإخبارية طالباً منها عدم إذاعة المقابلة. رد القناة كان برفض الخضوع للمزاج الرسمي المصريّ المتقلب وبث مقتطفات من المقابلة على موقعها الإلكتروني ثم تأكيد أنها ستبثها كاملة غدا الأحد.
تخطر في بال المرء حين يراجع هذه الحادثة عدة أسئلة، يمكن أن تبدأ بمساءلة قدرة الرئيس المصري نفسه على إدارة حوار، فإذا كان السيسي غير واثق من قدرته على تقديم رأي بلاده في مقابلة متلفزة فلماذا وضع نفسه في هذا الإحراج أصلاً؟
يمكن السؤال أيضاً إن كان السيسي هو الذي انتبه إلى سوء أدائه أم أن مستشارين له نبهوه إلى الأخطاء الشنيعة التي ارتكبها، وإذا كان «ناصحو» السيسي أقدر منه على معرفة الخطأ السياسيّ من عدمه، فلماذا لا يستشيرهم فيما سيقوله قبل المقابلة لا بعدها، وقبل كل ذلك، إذا كان هناك أشخاص أكثر دراية سياسية وإعلامية منه فما هو مبرر أن يكون السيسي رئيساً ناهيك عن سعي أنصاره ومواليه إلى ليّ عنق الدستور لتمديد ولايته (ولكن ليس إلى الأبد لأن الناس يموتون على حد قوله)؟
أشارت الأنباء الواردة عن المقابلة أن السيسي تعرّض إلى قضيتين حسّاستين: الأولى هي مسألة التعاون العسكري مع إسرائيل التي اعترف السيسي بوجوده وأكد أن تل أبيب مخوّلة استخدام سلاحها الجوي في سيناء «لقصف الإرهابيين»، على حد قوله، والثانية هي إنكاره وجود سجناء سياسيين في مصر، فهؤلاء أيضاً هم «إرهابيون»، ولا ينطبق عليهم تعريف السيسي لسجناء الرأي والسياسة.
إضافة إلى ذلك فقد تحاشى السيسي الرد على سؤال إن كان هو الذي أعطى الأوامر لإنهاء اعتصام رابعة، وبرر المجزرة بالقول إن الاعتصام شارك به «الآلاف من المسلحين».
الإحراج الذي سببته المقابلة، على ما يبدو، لا يتعلّق بإعلان السيسي على رؤوس الأشهاد قبوله انتهاك إسرائيل (التي خاضت ثلاث حروب ضد مصر) للسيادة الوطنية المصريّة بالسماح لها بالتحرك بحرية فوق أجواء بلاده، فالمتاجرة بالتقرّب من الدولة العبرية صار بضاعة رائجة تتفاخر بها أغلب الأنظمة العربية، وبالتالي فالأغلب أن مستشاري السيسي وجدوا إنكاره وجود سجناء سياسيين في مصر أمراً فاضحا يسيء للرئيس وإدارته لأنه إنكار يسهل تفكيكه بسهولة (إحدى الناشطات السياسيات، آية حجازي، احتاجت لتدخل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب شخصياً لإطلاقها)، ولعلّ إضافة حكاية «آلاف المسلحين»، وهي حكاية تخالف الرواية الرسميّة المعتمدة لمجزرة رابعة والتي تتحدث عن «عشرات المسلحين» ضمن آلاف المعتصمين المدنيين، وهو المبرّر الذي استخدمته السلطات العسكرية والأمنية المصرية لقتل 802 شخص وجرح 4400 آخرين في 14 آب /أغسطس 2014 بعد قرابة شهر ونصف من الانقلاب الذي قام به السيسي.
تشير الحادثة الأخيرة إلى حالة الرعب الشديد التي يصاب بها حكام مصر (وباقي الدول العربية) من الإعلام الأجنبيّ.
لا تهمّ سلطات السيسي (أو السلطات العربية)، على ما يظهر، التصريحات العجيبة التي يلقيها الزعماء والمسؤولون على مواطنيهم باللغة العربية فتلك تصريحات وخطب للاستهلاك المحلّي ولا تعنيهم تداعياتها ما دامت ضمن الجمهور العربيّ ولكن حين يتعلّق الأمر بقناة مثل «سي بي إس» (أو «واشنطن بوست» في حالة الصحافي القتيل جمال خاشقجي) فإن الأخبار يمكن أن تصل إلى ساكن البيت الأبيض وباقي المسؤولين الكبار الذين يخاف الزعماء العرب غضبهم ويترجون رضاهم، وهو ما يضطرهم، كما نرى، إلى هذه المهانة والإساءة الإضافية لكرامتهم وكرامة بلدانهم، بطلب منع مقابلة، ورفض القناة الرضوخ للابتزاز، مما يجعل الفضيحة «بجلاجل» بعد أن كانت فضيحة عاديّة!
وسوم: العدد 806