الخوازيق

د. موسى فودة

ليس من عادتي كتابة المقالات الطويلة لكن ارجو المعذرة مُقدما فالموضوع يتطلب الشرح والإطالة.

قد يتساءل البعض كيف وصلت أمتنا الى هذا الحضيض من مشاهد يومية تتصدر اخبارها عمليات تفجير مذهبية في العراق و عمليات قتل وتهجير طائفية في سوريا و احتراب قبلي طائفي في اليمن واحتقان مذهبي في البحرين ولبنان وبوادر حرب أهلية في مصر . صورة التشظي امتدت ليقتل ابن القاعدة ابن القاعدة ؟! فداعش تخوض حرب كسر عظم مع جبهة النصرة وفي النهاية القاتل والمقتول واحد والمنتصر ايضا واحد هو اسرائيل.

أذهلني السيد حسن نصر الله عندما قال في خطابه الاخير أن معركة حزبه في سوريا هي معركة تاريخية مصيرية!! كنت سابقا أعتقد واهما ان معركة الحزب التاريخية ستكون في بلادي فلسطين وليس في سوريا! السؤال الذي يُلح علينا جميعا ويحتاج منا إجابة حاسمة هو: كيف ومن اوصلنا الى هذا الحضيض ومن المسئول؟ كيف انحرفت بوصلاتنا جميعا عن اسرائيل لتتوجه الى اماكن أخرى؟!

في الواقع إن من وقف خلف هذا التشرذم المخطط له هم الخوازيق التالية أسماؤهم: الخازوق القومي جمال عبدالناصر و الخازوق الاسلامي الخميني الذي هو أبعد من ان يكون اية من ايات الله و الخازوق الارهابي السلفي أسامة بن لادن. وسأتناول بالشرح دورهم الاجرامي في خدمة المشروع الصهيوني في المنطقة لكي تهنأ و يمتد عُمر اسرائيل كل هذا الوقت. العامل المشترك بين هذه الخوازيق الثلاث أنها رفعت كذبا راية تحرير فلسطين وفلسطين منهم براء.

الخازوق الاول جمال عبدالناصر مؤسس أولى الديكتاتوريات العسكرية في المنطقة:

في عام 1948 أُنشأت دولة اسرائيل محاطة ببحر من الشعوب العربية والإسلامية الكارهة لها ولقيامها على حساب حق أخوتهم الفلسطينين الذين هجروا من ديارهم. لم يكن لإسرائيل الوليدة حظ في الاستمرار إن قامت تلك الشعوب بمحاربتها عبر الحدود، فكان لا بد من تحويل الصراع العربي الاسرئيلي الى صراع عربي – عربي لتوفير البيئة المناسبة لنمو اسرائيل. فجيء بالديكتاتورعبدالناصر الذي اسس للديكتاتورية العسكرية في العالم العربي حيث قام بتقويض أي حكم مدني في تلك البلدان من خلال دعم ضباط في سوريا و ليبيا و العراق و اليمن للاستيلاء على السلطة مكرسين حكم توليتاري فاسد لا يرحم أحدا . ثم قام بعد ذلك بتبني الفكر الاشتراكي ومحاربة ما أسماها الرجعيات العربية مما قسم العالم العربي الى معسكرين يتصارعان. فالملكيات العربية رأت في عبدالناصر- الذي حاول جاهدا قلب أنظمة الحكم فيها- العدو الحقيقي فوظفت كل امكاناتها لمواجهته. هذا من ناحية، اما من ناحية ثانية فقد قمع عبدالناصر شركاءه في الوطن (الاسلاميين) وأعدم قياداتهم محولا اياهم الى عدوا داخلي مما اضعف جبهة مصر الداخلية ممهدا الطريق لنشؤ حركات اسلامية متطرفة خرجت من عباءة جماعة الاخوان المسلمين المعتدلة والتي ستقوم لاحقا (الحركات) بتكفير مجتمعاتها ومحاربتها.

إن كان عبدالناصر قد قُبِر ومات فإن كبيره الذي علمه السحر العجوز محمد حسنين هيكل ما زال حيا يحاول بايعاز من اسياده اعادة احياء نظامه العسكري الذي تأذى بعد ثورة يناير 2011 من خلال الديكتاتور العسكري الجديد السيسي المدعوم بلا مواربة من إسرائيل، حيث كان الاجراء الاول المتخذ نفس الاجراء الذي اتخذه المقبور عبدالناصر باعلان جماعة الاخوان المسلمين المعتدلة التي تضم ملايين المصريين كجماعة ارهابية ومحاربتها لتفرخ مرة ثانية جماعات متشددة ومتطرفة ستواجه عنف الدولة بعنف مضاد

الخازوق الثاني الخميني مؤسس اول دولة طائفية في العالم الاسلامي:

بعد موت عبدالناصر و الصحوة الاسلامية في بداية السبعينات كان لا بد من تحويل الصراع مع اسرائيل الى صراع اسلامي – اسلامي بين السنة والشيعة. قبل وصول الخميني الى السلطة كان الخلاف بين السنة والشيعة في العالم العربي والإسلامي خلافا فقهيا محصورا في الكتب وليس في الشوارع حيث كان الناس يتعايشون بسلام ومحبة على امتداد مئات السنين الى ان اسس الخميني اول جمهورية في العالم العربي و الاسلامي على اساس اعلاء المذهب. فالدستور الايراني ينص صراحة على ذلك. وبدأت ايران المذهبية بالتدخل في العراق واليمن والبحرين وسوريا ولبنان والسعودية والكويت وباكستان وأفغانستان من خلال استغلال مكونات تلك البلدان الشيعية لمصالحها القومية مما فتح أبواب جهنم على حرب مذهبية قذرة يقتل فيها المسلم اخاه المسلم في سوريا واليمن ولبنان وباكستان والعراق الخ...

الخازوق الثالثأسامة بن لادن مؤسس أكبر تنظيم تكفيري في العالم الاسلامي:

هذا الرجل الذي يُطلق عليه البعض زورا وبهتانا لقب شيخ المجاهدين هو قاتل محترف لا يعرف من الاسلام وروحه شيء. هذا الرجل خدم اسرائيل و امريكا من حيث يدري أو من حيث لا يدري أيما خدمة. وشوه صورة الاسلام والمسلمين كما لم يشوها احد من قبله بأفعاله الرعناء. ليس موضوعي شخص اسامة بن لادن بل موضوعي هو الفكر القاعدي والمشروع القاعدي الذي جاء بجزء منه كرد فعل على المشروع الخميني في المنطقة (فالتطرف يقابله تطرف). المتتبع لما نشرته القاعدة من مراحل مشروعها يلاحظ انه تطرق في مرحلته الثانية اي بعد طرد المحتل الامريكي من العراق الى محاربة عملاء ايران في العراق وفي المرحلة الثالثة ادارة الصراع عقائدياً وشرعياً وسياسياً مع الشيعة الروافض و المرحلة الرابعة اقامة دولة الخلاقة و العجيب الغريب انه لم يتم التطرق من قريب او بعيد للمشروع الاسرائيلي الصهيوني!!! 

القاعدة تقوم باجتثاث كل من يخالفها في الرأي بحجة انها تمثل الله على الارض و تطبق شرعه فلا تختلف كثيرا عن حكم رجال الدين في ايران او غيرها... و نحن رأينا كيف ان القاعدة في العراق قد كفرت كل قيادات حركات المقاومة العراقية و على رأسها الجيش الاسلامي الذي قتلت من كوادره العشرات، عدا انها هي من قتلت حارث الضاري المسمى على اسم عمه رئيس «هيئة علماء المسلمين» المقيم حالياً في المنفى وهو احد اعمدة المقاومة العراقية و ينتمي للمذهب السني الذي تدافع عنه القاعدة!! من هنا نفهم كيف في سوريا يقتل القاعدي (ابن جبهة) النصرة أخاه القاعدي (ابن داعش) كما يقتل من يسميهم بالروافض !

ان مشروع القاعدة السلفي ومشروع ايران المذهبي خطيران جدا ليس لأنهما سيطبقان الشريعة ولكن خطورتهما تكمن في أنهما سيخرجوننا من حكم دكتاتوري الى حكم دكتاتوري اخر باسم الدين!!!

أكثر ما يثير استغرابي ان من يُقتل من القاعدة يسميه اصحابه شهيد ومن يُقتل من حزب الله يُطلق عليه أحبابه شهيد و من يموت من جيش النظام السوري هو أيضا في عيون نظامه شهيد علما أنني قرأت أن الرسول عليه الصلاة والسلام قال :( إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) ، فكيف يكون هؤلاء شهداء؟!!!!. 

كل خازوق من الخوازيق الثلاث انبثق عنه خوازيق اخرى فعبدالناصر مثلا فرخ لنا مجموعة كبيرة من الخوازيق القومية من امثال الخازوق القومي صدام حسين والخازوق الاممي معمر القذافي والخازوق البعثي حافظ الاسد. وبن لادن دق فينا خوازيق كثيرة لا حصر لها: الزرقاوي و البغدادي والعدناني وأبو هريرة الريمي وسعيد الشهري الخ...

اما الخميني فحدث ولا حرج عن خوازيقه في العراق و لبنان واليمن والبحرين..

اخيرا أتذكر مقولة نزار قباني الشهيرة وأتحسر:

(خازوق دق بأسفلنا من شرم الشيخ إلى سعسع ومن الجولان إلى يافا ومن الناقورة إلى أزرع ، خازوق دق بأسفلنا خازوق دق ولن يطلع). 

لو كان الامر نزار متوقف على خازوق واحد لكنا تحملناه على وجعه ولكن خوازيق كثيرة دقت بأسفلنا خوازيق دقت ولن تطلع.