صفقة القرن بداية نهاية الأنظمة العربية المتواطئة مع الكيان الصهيوني عليها
يجس الكيان الصهيوني بين الحين والآخر نبض الأمة العربية لقياس مدى مواتها لتمرير ما يسمى بصفقة القرن المشئومة التي يريد من وراء إنهاء القضية الفلسطينية وتحقيق حلمه الاستيطاني التوسعي انطلاقا من قلب الوطن العربي .
ومعلوم أن هذا الكيان السرطاني استغل فرصة الإجهاز على مكتسبات ثورات الربيع العربي ، وهو إجهاز كان هو ومعه الإدارة الأمريكية وأعوانها وراءه لتعطيل تلك الثورات بدءا بالانقلاب العسكري الدموي على الشرعية والديمقراطية في مصر التي كانت دائما تمثل قاطرة الوطن العربي ، والتي عزلت عن عرباتها بمعاهدة اسطبل داوود . وقد أعقب ذلك الانقلاب المشئوم ما سد مسده من أشكال الإجهاز الأخرى على مكتسبات ثورات الربيع العربي ، فتحول بذلك وضع الوطن العربي من وطن تحرك للخروج من وضعية ما بعد النكبة والنكسات إلى ما هو أسوأ من ذلك حيث سقطت أقنعة أنظمة كانت تخادع الشعوب العربية ، وتوهمها بالدفاع عن قضيتها الأولى ، وهي القضية الفلسطينية ذات البعد الديني قبل غيره من الأبعاد الأخرى. وتبين أن تلك الأنظمة باتت متورطة فيما سمي بصفقة القرن ، وأن علاقتها مع الكيان الصهيوني كانت منذ عقود ، وقد بدأت تخرج من مرحلة السرية والكتمان إلى مرحلة العلن . وبدأ الكيان الصهيوني يكشف عن تواطؤ تلك الأنظمة معه في صفقته المشئومة ، ويدفع بوتيرة متسارعة لتنزيلها في أقرب وقت ممكن تحسبا لشيء ما قد يقع في الوطن العربي فيفسد عليه حلمه بإنشاء ما يسميه وطنه القومي ما بين الفرات والنيل ، ويؤمن حدوده ليمسك حينئذ بزمام الأمور من محيط الوطن العربي إلى خليجه.
ولقد باتت الأنظمة العربية المتواطئة في فضيحة صفقة القرن تعتقد أن الأمور قد استتبت لها في ظل الإدارة الأمريكية الحالية التي أعلنت عن تلك الصفقة بقرار نقل سفارتها إلى مدينة القدس وإعلانها عاصمة للكيان الصهيوني ، والواقع أن ما يقع في الوطن العربي اليوم عبارة عن سكون يسبق عاصفة هوجاء ستهب مباشرة بعد بدء إجراءات الصفقة المشئومة . ومعلوم أن بوادر هذه الصفقة المتمثلة في كل التحركات الجارية على قدم وساق ما خفي منها وما أعلن، هي مؤشرات على بداية نهاية الأنظمة العربية المتورطة فيها والتي ستنهار تباعا بسبب ثورات شعبية هي الأعنف من نوعها حين الإعلان عن إنهاء القضية الفلسطينية النهاية التي يحلم بها الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية التي تدعمه ومن يدور في فلكها من الدول الغربية .
إن ما لم يحسب له من طبخوا صفقة القرن حسابا هو أن القضية الفلسطينية هي قضية دين وعقيدة قبل أن تكون قضية أرض وشعب . ومع أن الكيان الصهيوني قد أقام عدوانه على أساس عقدي ، فإنه يتجاهل الأساس العقدي للقضية الفلسطينية ، وما كانت عقيدته التي يبرر بها احتلاله واستيطانه لتتفوق على عقيدة القضية الفلسطينية التي هي دين الإسلام أو الرسالة العالمية السماوية الخاتمة والمهيمنة على الرسالات السابقة والمصدقة لها والفاضحة لكل تحريف لحقها .
ولن يفيد إنشاء نيتو عربي أو غيره صفقة القرن شيئا لأنه سيواجه إرادة الشعوب العربية خصوصا والإسلامية عموما ، وهي إرادة لا يقهرها نيتو عربي أو غير عربي . وإرادة الشعوب العربية والإسلامية هي من إرادة الله عز وجل الذي لا غالب إلا هو سبحانه وتعالى .
ومعلوم أن كل أشكال تخدير حس الأمة العربية والإسلامية عن طريق غزو القيم العلمانية لها وبشتى الطرق والأساليب من لهو، ومجون، ورقص ،واختلاط وعربدة ... لن تجدي نفعا لأن الحس الديني لهذه الأمة عبارة عن جذوة مشتعلة في القلوب لا تخبو أبدا ، ويتوارثها جيل عن جيل بل تحملها جيناتهم .
ومعلوم أيضا أنه من المستحيل عزل الدين الإسلامي عن محاضنه وهي قلوب أبناء هذه الأمة ، ولن يجدي من يحاولون ذلك إضفاء الصفات السلبية عليه من قبيل تسميته بالإسلام السياسي أو غير ذلك من النعوت لأنه فوق ما يصفون .
وإن القضية الفلسطينية هي قضية هذا الدين ، ولا يمكن أن تضيع أرض فلسطين كما ضاعت الأندلس، لأن وضع هذه الأخيرة ليس هو وضع فلسطين . ولا شك أن الكيان الصهيوني يحلم أن يكون مصير فلسطين كمصير الأندلس ، وأن مقدساتها ستصير معالم سياحية كالمعالم التي خلفها المسلمون في الأندلس تدر عليهم العملة الصعبة ، ويرتزقون بها كما يرتزق الإسبان بما خلفه المسلمون في الفردوس المفقود الذي لن يطول ولن يدوم فقدانه حين يصل قطار الجيل الذي سيحوز شرف استعادة مجده الإسلامي، وهو نفس الجيل الذي سيشرف بتطهير أقداس فلسطين من دنس الصهاينة . ولا شك أن الصهاينة ومن يواليهم باستخدامهم عبارة " محاربة الإسلام السياسي " يقصدون ذلك الجيل الذي مضت أجيال مثله والتي سجل التاريخ ملاحمها وبطولاتها . ستظل أرحام العربيات الماجدات كما كانت في كل عصر تلد فاروقا ، وخالدا ،وطارقا ،وصلاحا، ويوسف...وما دامت تلك الأرحام تنجب، فلن يتم تمرير صفقة القرن ولا صفقات غيرها .
وعما قريب سيري الله عز وجل الكيان الصهيوني والإدارة الأمريكية ومن يسير على منوالها من الدول الغربية ، ومن ينبطح لها من الأنظمة العربية ما يحذرون لأن إرادته ماضية لا مانع ولا راد لها ، ووعده ناجز إذا حان أوانه، وهو سبحانه لا يخلف الميعاد . ولئن تنكر هذا الجيل للقضية الفلسطينية، فإنه سبحانه وتعالى سيوكل بها قوما ليسوا لها بمتنكرين والعاقبة للمتقين.
وسوم: العدد 807