التحالف الصهيوني الصفيوني!
لم يتعرض العرب والمسلمون لخداع استراتيجي في عصرهم الحديث كالذي تعرضوا له منذ ما يسمى الثورة الإسلامية في إيران، خداع لم يكن ملالي إيران فاعلين فيه وصانعين له بقدر ما كانوا وما زالوا أدوات في يد الغرب يحركها كيفما يشاء، حيث التقت الأفكار العقدية والمصلحية في حلف متين غير قابل للانفصام، لكن عنوانه العريض الصراع!
كان مستشار الأمن القومي الأمريكي "الأخطر" برجسنكي في سبيعينيات القرن المنصرم شغوفًا بفكرة التدمير من الداخل للاتحاد السوفياتي، ومشغولاً في الوقت نفسه بصناعة الشيء ونقيضه، فإن تمّ صناعة القنبلة الإسلامية في داخل الاتحاد السوفييتي كما كان يخطط فإنّ هذه القنبلة سوف ترتد عليهم يومًا، بعد أن بدا أن السبعينيات أخذت صفة "الصحوة الإسلامية" فكان لا بدّ من مكافئ موضوعي لذلك!
يعد عام 1979 هو العام الأغرب في تاريخ المنطقة والعالم الإسلامي، عام وصل فيه الخميني إلى الحكم، وكذلك صدام حسين، وهو عام اتفاقية كامب ديفيد، أو على الأصح أن ثمة تحولاً في الصراع سينتهي إلى حيث أقصى الشرق الإسلامي، صراع إسلامي شيوعي! حيث تورّط الدب الروسي في أفغانستان ليجد أن ساعتي عبور من جسر الصداقة قد كلفته أذل هزيمة في تاريخه، هزيمة أفضت لانهيار الاتحاد السوفيتي وحلف وارسو، وانهيار منظومة الكيمكون!
شكلّت إيران وما زالت كلمة السرّ في علاقة الغرب بالمنطقة منذ حصار العثمانيين لفيينا، وكيفية فكّ الحصار في أحداث تكاد تكون أقرب للخيال، فقد طعن الصفويون العثمانيين من الخلف وجروهم لمعركة قاسية في جالديران، وأغروا المماليك بدعم الغرب لوجستيًا حتى يبتعد الخطر العثماني عنهم، أحداث لم تمنع سقوط فيينا وما وراءها فحسب، بل أدخلت العثمانيين في صراعات غيرت مسار فتوحاتهم، صراعات أرهقتهم مع خصمً يُفترض أنّه مسلم!
وفي إعادة إحياء الصفوية الجديدة بعد ثورة خميني، عملت إيران على إنهاء "الخواصر القاسية" التي تهدد إسرائيل، رغم افتعال الصراع الإعلامي معها، فقد قاتلت العراق وأضعفته، ومن ثم شاركت مع أمريكا باحتلاله، بل إن أمريكا قدّمته لإيران على طبق من فضة، حيث أعادت إيران الخمينية سيرة الصفويين في مقتلة "سنة العراق" في القرن السادس عشر الميلادي، ما دعا العثمانيين للتدخل في العراق ونقل الخلافة، كل ذلك أعاده الملالي بصورة أسوء بعيد غزو العراق 2003، ولم يكتفوا بذلك، بل جعلوا العراق برميل بارود قابلاً للانفجار في أي لحظة لا سيما من خلال الاحتراب المجتمعي وتهجير السنة!
وفي الربيع العربي الذي كان كابوسًا على أمريكا والغرب تمّ تكليف إيران بتدمير سورية ومنع انتصار الثورة، بل إنّ قتال إيران في سورية كان وما زال دفاعًا عن إسرائيل، وإن كان من مكافأة سوف ينالها النظام المجرم بعد تحطيم الكتلة الصلبة في سورية ومنع انتصار الثورة والحفاظ على البناء الرسمي الذي يؤّمن بقاء إسرائيل بل وتفوقها حيث الانقسام المجتمعي هو سيد الموقف في المنطقة الذي يجعل مكونات المجتمع في احتراب دائم، هو إعادة تأهيله مرّة أخرى وقبول المجتمع الدولي به أمرًا واقعًا!
لقد ساهمت إيران بتلميع وجه الصهاينة وكسر الحاجز النفسي بينهم وبين العرب، وذلك بالجرائم التي ارتكبها الملالي في سورية والعراق، ما جعل جرائم الصهاينة أكثر إنسانية من جرائم الصفاينة!
إنّ التحالف الاستراتيجي بين إيران وإسرائيل غير قابل للانفكاك، فهو تحالف عضوي على قاعدة "يستمران معًا أويسقطان معًا" ولهذا فإن أي صراع بينهما هو في مخيلة الموهومين، ومن استطاع الإعلام خداعهم، فكما أنقذت إيران إسرائيل من خطر التغيير في سورية والعالم العربي، فقد أنقذت إسرائيل إيران في حربها ضد العراق من خلال شحنات السلاح أو ما عُرف بفضيحة إيران غيت، ثم أكملت أمريكا المهمة في تدمير العراق ومن ثم غزوه وإنهاء تجربة صدام حسين فيه أو نهاية الصداع النصفي الدائم كما وصفه شارون!
إن قرع طبول الحرب الآن ضد إيران أو حزب الله يأتي في سياق أمور ثلاثة:
- الأول: التغطية على المذابح التي يتعرض لها السوريون على يد النظام والحلف الطائفي، فضلاً عن اشتراك التحالف بالتمهيد لتقدم تلك القوات.
- الثاني: ثمة تغييرات قادمة في المنطقة منها انتقال الحكم في السعودية لبن سلمان، والعمل على ترتيبات الحالة السورية التي ستنتقل من حكم الطائفة إلى تحالف الأقليات، ولا بدّ من خروج آمن لحزب الله بعد أن أدى المهمة بنجاح في منع الثورة السورية من تحقيق أهدافها بوصفها جزءًا من الثورات العربية.
- الثالث: الترتيب للحرب على تركيا.
إن ادعاء الحرب مع إيران أمر مضحك، فقد تم لإيران السيطرة على سورية والعراق عبر إضعاف الثوار السوريين ودعش السنة في العراق وسورية، ما أدى لأكبر موجة نزوح في التاريخ، وقد سبق لأمريكا خوض حربين بالنيابة عن إيران فقد قامت بإسقاط نظامي صدام حسين وطالبان لأجل أن تفكّ عنها "الكماشة السنية" وهما ألد أعدائها في المنطقة.
وفي موجة الربيع العربي تم إسقاط الحكم الديمقراطي في مصر حتى لا يكون هناك مشروع سني في المنطقة، وكل ما تفعله في العراق وسورية يتم التغاضي عنه، ولم تتمدد في اليمن بقوتها لا بالمطلق بل بمنع حزب الإصلاح من حكم اليمن، ومنع سقوط صالح الذي اتجه للتحالف مع الحوثيين.
إن تأهيل النظام في سورية سيكون مرتبطًا بتغيير كبير في المنطقة، وبحدث يغطّي على جرائم النظام وحلفه، حدث ربما يساهم في إعادة رسم المنطقة، وهو الحدث هو الحرب على تركيا، فقد وصلت أمريكا لقناعة تامة أنّ تركيا بقيادتها الحالية قد تفلّتت من قيود فرضت على تركيا منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، وأن تحجيمها وعدم السماح لها بالعودة لأن تكون دولة كبرى في العالم أو أنّها قاطرة العالم الإسلامي قد انتهى كل ذلك في ظرف عقد ونصف من حكم العدالة والتنمية، وأنّ الخطط الاستراتيجية التركية تذهب لأن تكون تركيا أكبر من كونها دولة كبرى في محيطها!
التخطيط لحرب تركيا لم يكن وليد اللحظة بل بدأ منذ 2013، ولكن كان ثمة بدائل لاسقاط تركيا وفشلت جميعها ولم تبق إلا ورقة الحرب، ورقة ستضم الجيوش العربية الوظيفية والنظام في سورية والنظام العراقي والحشد الشيغي وإيران وأذرعها الطائفية وروسيا والبككا، بدعم أمريكي سواء بالطيران أو الدعم الاستخباراتي، وكل ذلك ستكون غرفة القيادة والتحكم في تل أبيب.
وسوم: العدد 811