مؤامرة المسيرات الداعية لرحيل عباس

clip_image001_a6ca1.jpg

انطلقت مظاهرة في قطاع غزة يوم الأحد الموافق 24 شباط (فبراير) الجاري تدعو إلى رحيل رئيس السلطة الفلسطينية غير الشرعي، وإجراء انتخابات سياسية على مستويي السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية. جرت هذه المظاهرة في السرايا في وسط مدينة غزة، واحتشد فيها الآلاف.

كعادة الأنظمة العربية، فتح مؤيدو السلطة القائمة النيران اللفظية على المظاهرة وعلى الذين دعوا إليها، وقالوا إن المظاهرة جزء من مؤامرة تُحاك ضد محمود عباس والسلطة الفلسطينية الموجودة في رام الله. وبدل أن يناقشوا مشروعية الدعوة إلى رحيل عباس، بدأوا بكيل الاتهامات دون أن يقولوا بالضبط ما هي المؤامرة ومن هم أعمدتها وإلى ماذا يهدفون. علما أن عباس غير مستهدف لا من الكيان الصهيوني ولا من أمريكا. 

كنا على وئام، وعلى قلب رجل واحد، وكان الاحتلال عاجزا عن تنفيذ كل ما يشتهيه سواء في القدس أو في الضفة الغربية أو في مواقف الناس الوطنية

هكذا كانت الأمور في الساحات العربية التي شهدت حراكا جماهيريا من أجل إحداث التغيير السياسي. اتهمت السلطة العربية المطالبة بالرحيل المشاركين في التظاهرات بالمروق والفسوق والاندساس والتآمر وبتلقي أوامر من جهات أجنبية متآمرة على نظام الحكم. واتهمتهم بالفوضوية والخروج عن قيم الأصالة العربية والتعاون مع الأعداء الذين يتربصون بالقائد الفذ العبقري الذي حرص دائما على مصالح شعبه. المؤسف أن ذات الاتهامات يستعملها فلسطينيون وهم الذين يتوجب عليهم أن يخرجوا من دائرة الاستبداد نحو الحرية لكي يكونوا قادرين على تحرير وطنهم.

الحقيقة أن محمود عباس ينتهك القوانين الفلسطينية سواء على مستوى السلطة أو مستوى منظمة التحرير الفلسطينية. على مستوى المنظمة، هو ينتهك القانون الثوري لمنظمة التحرير، وسبق أن شرحت هذا في مقالات عدة، ونشرت نصوص بنود هذا القانون. وعلى مستوى السلطة، هو ينتهك القانون الأساسي للسلطة الفلسطينية الذي ينص على أن رئيس السلطة ينتخب لمدة أربع سنوات فقط، ليتم إجراء انتخابات جديدة. وهذا قانون ينطبق أيضا على المجلس التشريعي. وهذه قوانين وضعتها حركة فتح وليس غيرها.

إقرأ أيضا دعوات لحراك شعبي للإطاحة بالرئيس عباس وأنصار فتح يردون

عباس ومعه كل السلطة الفلسطينية ينتهكون المحرمات الفلسطينية ومقررات المجالس الوطنية الفلسطينية المتعاقبة، وينتهكون المواثيق الفلسطينية بما فيها الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تم القضاء عليه بعد أن نفذت منظمة التحرير اتفاق أوسلو. 

كان من المفروض أن يتم القضاء على الميثاق قبل تنفيذ الاتفاق وفق الأصول القانونية، لكن المنظمة داست على الميثاق ونفذت الاتفاق بغير وجه حق ودون مبرر شرعي. وهذا بحد ذاته عمل مشين لسببين وهما: الميثاق هو مصدر شرعية منظمة التحرير نفسها، والمفروض أن يكون المجلس الوطني الفلسطيني حارسا عليه من العبث والاستهتار، لكن المجلس الوطني الذي من المفروض أن يكون مؤتمنا خان العهد والوعد والميثاق الغليظ. والسبب الثاني هو أنه لا يجوز تجاوز القوانين لأسباب سياسية مهما كانت الظروف. تجاوزت المنظمة الميثاق والقانون الثوري الذي كتبه رجالها هم بأنفسهم.

فتحت التجاوزات والانتهاكات للمواثيق والمقررات الأبواب أمام الصراعات الداخلية الفلسطينية فتفتت المجتمع وتدمرت المنظومة القيمية الأخلاقية الفلسطينية.

من المعروف عالميا وفي كل الدول أن انتهاك القوانين وتجاوزها يؤدي إلى الفوضى والفتن، وإلى صراعات داخلية بخاصة بين الأحزاب. والانتهاك يولد الأحقاد والكراهية والبغضاء بين الناس ويفتت المجتمع ويتغذى على المنظومة الأخلاقية. ذلك لأن الذي ينتهك القانون يسعى لتحقيق مصالح ذاتية أو حزبية ضيقة على حساب الآخرين، فيشل الوحدة الوطنية ويشعل فتيل المشاحنات والصراعات والفتن بين الناس. وهذا ما حصل عندنا في فلسطين إذ تحولت المشاحنات إلى اقتتال دموي راح ضحيته مئات الفلسطينيين. 

كنا على وئام، وعلى قلب رجل واحد، وكان الاحتلال عاجزا عن تنفيذ كل ما يشتهيه سواء في القدس أو في الضفة الغربية أو في مواقف الناس الوطنية. فتحت التجاوزات والانتهاكات للمواثيق والمقررات الأبواب أمام الصراعات الداخلية الفلسطينية فتفتت المجتمع وتدمرت المنظومة القيمية الأخلاقية الفلسطينية. وكلما ضعف المجتمع استأسد الاحتلال، وهذا ما جرى. أمعن الاحتلال بعد ذلك بتنفيذ سياساته بشأن الأرض والمقدسات والبناء الاستيطاني والتهويد. راهن الاحتلال على ضعف المجتمع الفلسطيني، وأكسبته الانتهاكات للقوانين والمقررات قوة في مواجهة الشعب. عباس هو ركن أساسي في هذا الضعف، والمفروض أن يرحل، وأن يحاكم على ما اقترفه من أعمال.

وعلى ذلك، السؤال المطروح: من هو المتآمر؟ هل هو الذي اتخذ خطوات تضعف الناس وتمزقهم أم الذي يدعو إلى الوحدة وصلابة الموقف؟ هل هو الذي يستهتر بالقانون أم الذي يطالب بتطبيق القانون؟

لدى بعضنا إجابة تعاكس التاريخ ولديهم الاستعداد لأن يدافعوا عن الباطل حتى لو كان الثمن ضياع الوطن والمواطنين. الحزبية والفئوية بالنسبة لهم أهم بكثير من الوطن، وليذهب المواطن إلى الجحيم إذا كان في ذلك ما يحقق لهم مصالحهم أو استمرار تحقيق هذه المصالح. الدفاع عن الباطل ليس أقل خطورة على القضية الفلسطينية من انتهاك القوانين والمواثيق. الذي يدافع عن الباطل هو ذلك الشيطان الذي يعيث في الأرض فسادا، وهو لا يرى قضية الوطن إلا من خلال خرم إبرة تنفذ مصالحه من خلاله.

والخطير أن أساتذة جامعات انضموا للدفاع عن الباطل، إذ دعت إحدى الجامعات إلى تجمع تأييدا لانتهاك القانون الذي يمارسه عباس. شارك في التجمع أكاديميون يدرسون الطلاب قواعد إقامة النظام واحترام القانون. إنهم يتنكرون لما يدرسون ويخدعون الطلاب ويكذبون عليهم وينافقون للسلطان. هؤلاء غير مؤتمنين والمفروض طردهم من الحرم الجامعي إذا كنا صادقين مع شعبنا. فإذا كان بناة الأمة غارقين في النفاق والكذب، فكيف لعباس أن يقيم دولة؟

الأسلم للجميع بمن فيهم محمود عباس أن يلتزموا بالقوانين لأن احترام القانون يمنع الفوضى ويمنع التمزق والفتن ويؤدي إلى إقامة العدل للجميع. ما عدا ذلك، يصب في مصلحة الاحتلال ومصالح كل الجهات التي تعوّل على إنهاك الشعب الفلسطيني واستسلامه.

وسوم: العدد 814