حكاية معلم

د. عمر حلمو علاونه

مديرية التربية والتعليم العالي جنوب نابلس

قال لي ولدي في الصف الثالث الأساسي: "كيف يكذب المعلم على نفسه يا أبي؟" فقلت: "ما أظنه يكذب على نفسه يا بني، وكيف يكذب المرء على نفسه؟ فقال لي: "إن معلمنا قد ضرب بالأمس طالبا في الصف بسلكِ مُزَوِّدِ الحاسوب المحمول بالكهرباء، وفي اليوم التالي جاء والد الطالب إلى غرفة الصف شاكيا فعل المعلم تجاه ولده، فوقف المعلم أمام طلبة الصف الثالث وقال مرعدا: "متى ضربت زميلكم هذا بسلك مُزَوِّدِ الحاسوب المحمول بالكهرباء؟ وهل من المعقول أن أضرب هذا الطفل الصغير البريء بهذا السلك، وهذه الطريقة البشعة العنيفة.

سكت الطلاب جميعا في الصف؛ خوفا من عقاب المعلم لهم لاحقا، وخوفا من إجراءاته المتعددة أيضا، فقلت له: "يا ولدي، لماذا لم تقف أنت وزملاؤك جميعا في الصف وتقولون له نعم لقد ضربته؟ فقال لي: "يا أبي، راودتني نفسي أن أقف أمام المعلم ووالد الطفل وأقول له: نعم لقد ضربته، فأوجعته حتى بكى، ولكنني تذكرت كلامك: "لا تتدخل فيما لا يخصك"، وخفت من عقاب ذلك المعلم لاحقا لي، حيث أنه لن يشركني في أي من الأنشطة الصفية لاحقا، وستتأثر علامتي النهائية عند تقويمه لي؛ نتيجة لموقفي هذا، فسكتّ وفي قلبي غصة لا يمحوها إلا عقاب ذلك المعلم على فعلته السوء، فمعلمي هذا لا يسمح للطالب الذي يغضبه أن يشارك في أنشطة الصف كافة، ويحرمه من كل أثر في الحصة. وبعد موقف الطالب ذاك فأظنه قد حُرِمَ من المشاركة مع باقي زملائه في أنشطة الحصة الصفية، ولن يخرجه للسبورة ليكتب كلمة أو يرسم حرفا أو ينفذ مهمة صغيرة أو كبيرة، إنها صعبة يا أبي على الطالب المجتهد، أن يُحْرَمَ من توضيح ما يعلم في حل مسألة أو أن يقول كلمة أو يكتب إجابة.

وأمام هذا الهزال الخُلُقي والمهني الذي يعاني منه هذا المعلم وأمثاله قلت لولدي في خنوع: "دع عنك معاندة هذا المعلم إذاً يا لدي، فإنه سوف يكون معلمك في الصف الرابع الأساسي". هدأ ابني قليلا وقال في حنق وغضب: "دعني إذا أذهب إلى المقبرة أحسن لي، لأنني أفضل الذهاب إلى القبر على أن يعلمني هذا الأستاذ في الصف الرابع الأساسي يا أبي".

إلى متى هذا العناد والإجحاف من معلمنا الفاضل؟ إلى متى الاستخفاف بالأمانة الموكلة إليه؟ أما آن الوقت أن يصحو من غفوته؟ فمن لا يروق له التعليم فليتنحى جانبا بأدب واحترام وليترك المجال أمام جحافل تنتظر هذا العمل بلهفة وشوق إليه، ولماذا تعنيف أطفالنا ـ فلذات أكبادنا ـ دون وجه حق؟

وسوم: العدد 816