هل فعلا تعامل الدول الغربية المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيها وخارج أوطانها بتسامح؟
من تداعيات الجريمة النكراء التي ارتكبت من طرف المجرم الأسترالي الصليبي المتعصب في حق مسلمين أبرياء كانوا يؤدون صلاة الجمعة في مسجدين بنيوزيلاندا انطلاق نقاش واسع عبر العالم خصوصا في البلاد الإسلامية حول موضوع شعار التسامح الذي ترفعه الدول الغربية ، وتفرضه على باقي دول العالم وتحديدا دول العالم الإسلامي حيث تكثر اللقاءات والمؤتمرات والندوات الداعية إلى تبني مفهوم التسامح .
وتحت هذا الشعار فرضت على الدول الإسلامية مراجعة برامجها ومقرراتها الدراسية، وقد وصف بعضها بأنه يدعو إلى الكراهية . وقد عمدت بعض الدول إلى إجراء تغييرات في برامجها ومقرراتها الدراسية كما حصل ذلك في بلدنا المغرب حيث استبدلت برامج و مقررات مادة التربية الإسلامية بأخرى وطالب الناعقون عندنا نيابة عن العلمانية الغربية بتغيير لفظة" إسلامية "بلفظة" دينية " نكاية في الإسلام ، وكادت الوزارة الوصية على التعليم أن تستجيب لهم في ذلك ، وقد حذفت سور من القرآن الكريم لأنها في نظر الدول الغربية تعتبر مشجعة على الكراهية والإرهاب . وإلى جانب تغيير البرامج والمقررات الدراسية حسب إملاءات الدول الغربية ، انطلق ما يسمى بحوار الأديان والذي يتمحور حول موضوع التسامح والتعايش والتساكن ...ومحاربة العنف والإرهاب .
والسؤال الذي كنا نطرحه على الدوام وهو : هل فعلا تعامل الدول الغربية المسلمين الذين يعيشون بين ظهرانيها وخارج أوطانها بتسامح ؟ وقد ازداد هذا السؤال إلحاحا بعد جريمة مسجدي نيوزيلاندا، لأنها كشف بوضوح على أن شعار التسامح الذي تتبجح به الدول الغربية لا أثر له على أرض الواقع .
وليس الإقدام على قتل المصلين في مصلاهم هو البرهان الوحيد على انعدام تسامح الدول الغربية مع الجاليات المسلمة التي تعيش فوق أراضيها على وجه الخصوص ، فضلا عن عموم المسلمين بل هناك أشكال متعددة من عدم التسامح نذكر منها على سبيل المثال لا الحصر في فرنسا التي تتخذ شعارا لها " حرية مساواة إخاء " حرمان المرأة المسلمة من لباسها الذي له دلالة دينية وفرنسا على علم بذلك ، وحرمانها من البوركيني أو لباس السباحة ، والتضييق عليها بسبب ذلك بحيث تحرم من ارتياد المؤسسات التعليمية والوظائف بزيها الإسلامي ، كما تحرم من ارتياد المسابح والشوطىء بالبوركيني . وعلى سبيل المثال لا الحصر أيضا ، نذكر حرمان دولة بلجيكا الجالية المسلمة المقيمة فيها من ذبح ذبائحها على الطريقة الإسلامية ووفق شريعة الإسلام ، وفرض أكل الميتة المحرمة عليهم في شريعتها ،علما بأن هذا القرار حسب مصادر مطلعة صادر عن مسؤولين صليبيين أو يمينيين متطرفين يناصبون العداء للمسلمين . فهل مثل فرنسا وبلجيكا يحق لهما رفع شعار التسامح ؟ وهل ما تقومان به يعبر عن فعلا عن التسامح ؟
وفضلا عن حرمان الجاليات المسلمة من ممارسة أبسط حقوقها التي يلزمها بها دينها من لباس وأكل... تفرض عليها الأطعمة التي لا يكاد معظمها يخلو من شحم الخنزير لأن تلك الدول تخلط هذا الشحم مع كل المواد الاستهلاكية ، وهي بذلك تفرض الأكل الذي تبيحه شريعتها على من ليسوا على شريعتها من المسلمين. ومن الأدلة على انعدام التسامح مع المسلمين أن هؤلاء لا يستطيعون السفر إلى الدول الغربية بنفس السهولة التي يسافر بها الرعايا الغربيون إلى البلاد الإسلامية حيث تفرض عليهم شروط تعجيزية فلا يحصل بعضهم على تأشيرات الدخول إلى البلاد الغربية إلا بعد خرط القتاد كما يقال .
وإذا كانت المرأة الغربية تدخل البلاد الإسلامية بلباسها شبه العاري والكاشف عن جسدها ، وترتاد شواطئنا ومسابحنا بقطعة قماش لا تكاد تستر ما يستوجب الستر بل أحيانا بدونها ، وقد تجوب شوارعنا وأسواقنا بأقل قماش ممكن فوق جسدها ، فإن لباس المرأة المسلمة يعتبر في البلاد الغربية استفزازا لعلمانيتها، بينما لا يعتبر عري المرأة الغربية استفزازا لمشاعر المسلمين في بلادهم ، فأين التسامح في هذا الكيل المزدوج ؟ وفي هذه القسمة الضيزى ؟
وأكبر دليل على كذبة التسامح الذي تدعيه الدول الغربية هو سكوتها على التصرفات العنصرية تجاه الجاليات المسلمة القاطنة في بلدانها والصادرة عن أحزاب يمينية متطرفة ترفع شعارات العداء الواضح ضد المسلمين ، وتتقدم ببرامج انتخابية تعد الرعايا الغربيين بطرد المسلمين ، فهل الدول المنادية بالتسامح تقبل بوجود مثل تلك الأحزاب العنصرية ضمن منظوماتها الحزبية وتسمح لها بخوض الانتخابات ؟ ألم تكتو بنيران الأحزاب الفاشية والنازية العنصرية التي جرت أوروبا إلى حربين عالميتين وخربتها خرابا شاملا؟
والدول الغربية المنادية بالتسامح تعترف بأكثر الكيانات العنصرية في العالم ، وهو الكيان الصهيوني العنصري الذي استنبتته في قلب الوطن العربي والإسلامي ، وهو اليوم تعتبره كيانا ديمقراطيا مثل كياناتها في منطقة الشرق الأوسط ، وهو محسوب على العالم الغربي، ولا يعرف معنى للتسامح، ففي الحرم الإبراهيمي فعل الصهيوني الإرهابي غولدشتاين فعلة الصليبي الأسترالي الشنيعة حيث قتل أثناء صلاة الصبح في شهر رمضان 29 مصليا وجرح 150 آخرين سنة 1994 . والكيان الصهيوني فضلا عن تقتيله للفلسطينيين غدرا وظلما ومصادرته أراضيهم وممتلكاتهم واعتقالهم في سجونه الرهيبة ،يمنعهم من الصلاة في المسجد الأقصى وهو يعلم أن صلاتهم فيها من صميم تدينهم ، كما أنه يمنعهم من التنقل في وطنهم الذي يحتله ، وقد ضرب بأسوار من الخرسانة المسلحة لعرقلة تحركاتهم اليومية ، ويكلفهم ذلك تكلفهم من العنت ما لا يعلمه إلا الله عز وجل ، فهل يحق لكيان كهذا أن تفخر الدول الغربية بانتمائه إلى منظومتها التي ترفع شعار التسامح الزائف مع المسلمين سواء المقيمين بين ظهرانيها أو الموجودين في بلدانهم ؟
وهل ابتزاز الرئيس الأمريكي لدول الخليج النفطية الابتزاز الفاضح يعبر عن التسامح ؟ وهل تصريحاته الواضحة العداء للإسلام تعبر عن التسامح ؟ وهل دعمه لبعض الأنظمة العربية الشمولية مقابل المال ومصالح بلاده يدل على التسامح ؟
وهل قدمت الدول الغربية التي احتلت البلاد الإسلامية لعقود من السنين اعتذارا على احتلالها أو فكرت في تعويضها عما نهبته من خيراتها ومقدراتها لتثبت صحة ما تتبجح به من ديمقراطية وعدالة ، وحضارة ، ومبادىء إنسانية ؟
ألم تستغل الدول الغربية المحتلة أبناء البلاد الإسلامية أبشع استغلال، وقد طوحت ببعضهم في حروبها التي لا ناقة لهم فيها ولا جمل كما فعلت فرنسا على سبيل المثال لا الحصر مع الرعايا المسلمين من شمال إفريقيا وقد خاضت بهم الحربين العالميتين اللتين كان سبب نشوبهما الفكر اليميني العنصري ، وحربها الظالمة في الهند الصينية كما أنها شقت شبكاتها الطرقية السيارة منها وغير السيارة ، وحفرت أنفاق القطارات ، وشادت ناطحات السحاب وغيرها من المنشآت بسواعدهم وعرق جبينهم، ولا زالت تستغل الأجيال المتعاقبة منهم، وقد بلغوا الجيل الرابع ؟ ألا تستغل فرنسا على سبيل المثال الأدمغة المسلمة دون اعتراف لهم ولبلدانهم بالجميل ، وما ينطبق عليها ينطبق على كل بلدان الغرب ؟
إن شعار التسامح الذي يرفعه الغرب، ويتبجح به، ويفرضه فرضا على الدول الإسلامية محض كذبة ككل الأكاذيب التي يسوقها هذا الغرب الحاقد على الإسلام والمسلمين، و الذي هو سبب ما نحن فيه من كوارث ، والذي لم نر منه إلا الشر والويل والثبور وعواقب الأمور .
فمتى سيفيق المسلمون من غفلتهم ويتأكدوا أن الغرب إنما يعبث بهم ويسخر منهم وأنه يضمر لهم العداء والحقد الأسودين لسبب واحد هو دين الإسلام الذي جعله الله عز وجل رحمة للعالمين ؟
وسوم: العدد 816