حين نعقل نخذل عن أنفسنا ولا نحتطب لنار الآخرين

الجريمة البشعة التي وقعت على المصلين في مسجدين في نيوزيلندة يجب أن تثير غضبنا المضاعف نحن المسلمين ..

نغضب لأن الجريمة وقعت على بيت من بيوت الله الأصل أن يوفر لها العالم المتحضر الأمن والسلام ..

ونغضب لأن الجريمة البشعة وقعت على أهل ملتنا ، الذين ما زال العالم المتغلب يصفهم زورا ويصف دينهم بالإرهاب على طريقة قول الأول : رمتني بدائها وانسلت .

نعم نغضب ولا نقول إلا حقا وهذا هو العهد بنا في أمر ديننا والشرط علينا فيه .

نغضب فنحلل أمر الجريمة ومدخلاتها من سياسات تشترك فيها كثير من الحكومات ومراكز الدراسات ووسائل الإعلام في تخويف الناس من " غول " موهوم هو الإسلام والمسلمون ..

نغضب فندعو إلى أخذ التدابير والاحتياطات اللازمة لحماية المسلمين الذين ما فتئ الكثيرون يحرضون عليهم وعلى وجودهم وثقافتهم وأساليب عيشهم وأماكن عباداتهم ، فلهؤلاء المسلمين وأكثرهم مهجرون أو من أبناء الجيل الثاني أو الثالث من المهجرين الحق في حياة آمنة ، بعد أن حرمتهم أدوات مشروع الشر العالمي من الأمن في أوطانهم وبلدانهم بما سلطت عليهم من أدوات القتل والتنكيل ..

نغضب فندعو إلى أفعال مدروسة رشيدة ، نتعاون فيها على البر والتقوى فيما بيننا نحن المسلمين ، ونتعاون فيها على الخير والرشد مع كل الأخيار من غيرنا لوضع حد لسياسات الاستثمار في العداوة والبغضاء ..ووقف كل أنواع الشحن المبرمج الذي يمتلك عدونا من أدواته ولا نكاد نملك منها شروى نقير.

نغضب فنلتفت إلى هؤلاء المسلطين علينا نخاطبهم : لا تعادوا الناس في أوطانهم . توقفوا عن سياسات القتل والاعتقال وسياسات الإذلال والإفقار وسياسات الاستئصال والتنكيل ..

نحن نعلم أن في العالم فرقاء كثيرين في هذا الظرف الدولي المختل كل شيء فيه ، يفضلون تسعير نار العداوة والبغضاء ضد المسلمين .. ونحن نعلم أن الخاسر الأول من تسعير هذه النار هو الإسلام والمسلمين . فاحذر أيها المسلم أن تنضم سادرا في غضبك إلى هذا الفريق .

نحن في عصر غدا فيه المسلمون كالغنم الشاتية في الليلة المطيرة . الذئب راعيهم ، والعدو يحيط بهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم ..فيا أيها المسلمون خذّلوا عن أنفسكم كما نصح سيدنا رسول الله نعيم بن مسعود يوم الأحزاب : إنما أنت رجل واحد فخذل عنا ..

من حقنا أن نغضب ، بل من واجبنا أن نغضب ، ولكن على أن لا نقول إلا حقا ولا ندعو إلا إلى رشد . وأن يكون الغضب طريقنا لاستعادة وعينا بذاتنا ، ولحقائق كثيرة تدور حولنا ..

في مسجدين في نيوزيلندة ، قتلنا عدة من الإرهابيين قتل فجأة في لحظة غفلة ..وما كانوا ليفعلوا لولا الذين ما زالوا يقتلوننا في مدننا وقرانا وفي شوارعنا ومساكننا وفي مساجدنا ومدارسنا عقودا بعد عقود من السنين ..

أيها المسلمون اغضبوا لمصابكم .. وخذّلوا عن أنفسكم ..

نستنكر ونشجب العدوان على المصلين في مسجدهم في نيوزيلندة ..

نقدر للدولة النيوزيلندة وصفها للجريمة البشعة بأنها " عمل إرهابي " وليست عمل مجموعة من المختلين كما تعود بعض القوم أن يقولوا في وقائع كثيرة من قبل ..

نطالب بوقف كل أشكال العدوان على الإسلام والمسلمين وبوقف معارك التحريض على الكراهية والبغضاء التي يرمينا فيها أشرار العالم عن قوس واحدة ..

ندعو إلى البر والقسط كقاعدة عامة ، رسخها قرآننا ، للتعامل بين البشر متفقين ومختلفين . لا وكس ولا شطط ولا بغي ولا عدوان ..

العاقل لا يضرم النار في بيت جاره مهما بدا بعيدا .. وهذا العالم كما ترون قد غدا صغيرا صغيرا ..

الرحمة لشهداء المسجدين في نيوزيلندا .. والعزاء لأسرهم ولأهليهم وللمسلمين أجمعين.

والخزي والعار لكل الإرهابيين مغذيهم وداعميهم وموظفيهم والمستثمرين فيهم.

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

وسوم: العدد 816