سيادة “البلطجة”
عندما احتل الجيش الإسرائيلي ثلثي “الهضبة السورية” بعد هزيمة العام 1967؛ عدت الأمم المتحدة الجولان “أرضاً سورية محتلة”، وقد أكد القرار 242 على “عدم قبول السيطرة على أراضٍ بواسطة الحرب”، مضيفاً أن “السلام العادل والدائم يجب أن يستند إلى مبادئ تشمل انسحاب القوات الإسرائيلية من أراض احتلت خلال النزاع الأخير”.
في 14/12/1981 أصدر الكنيست الإسرائيلي “قانون الجولان”، وبموجبه “فرض القانون والقضاء والإدارة الإسرائيلية على هضبة الجولان”، ومع أن هذا القانون لم يعلن الجولان أرضاً إسرائيلية صراحة، إلا أن قرارا صدر عن مجلس الأمن بعد ثلاثة أيام؛ يحمل الرقم 497 ليعلن أن هذا القانون “باطلا وبلا فعالية قانونية” وأن “الاستيلاء على الأراضي بالقوة غير مقبول بموجب ميثاق الأمم المتحدة”.
في 17/4/2016 عقد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو جلسة لحكومته في الهضبة المحتلة، معلناً أن “إسرائيل لن تنسحب من الجولان، والحدود لن تتغير مهما حصل في سوريا. حان الوقت ليعترف المجتمع الدولي بعد خمسين عاماً أن الجولان سيبقى إلى الأبد تحت السيادة الإسرائيلية”، وهو الكلام الذي كرره غداة توقيع الرئيس الأميركي دونالد ترامب على قرار يعترف بموجبه بالسيادة الإسرائيلية على الجولان المحتل قبل أيام (24/3/2019)، علماً أن الوساطة التركية بين “إسرائيل” والنظام السوري منذ أيام حافظ الأسد قامت على أساس “الأرض مقابل السلام مقابل”، في إقرار ضمني أن الجولان محتلاً(أعادت “إسرائيل” عام 1974 نحو 60 كلم من المناطق التي احتلها في إطار اتفاقية فك الاشتباك).
وعليه؛ فإن الجولان أرض سورية منذ آلاف السنين، وهي أرض سورية وفقاً للقرارات الدولية الصادرة بشأنها، أما السكان فهم سوريون منذ الأجداد، ولا يمكن أن تكون جزءاً من الكيان الصهيوني لا اليوم ولا “في الأبد”، وأن أقصى ما يمكن لنتنياهو إعلانه أنها “أرض محتلة”، وأن القانون الإسرائيلي ينفذ فيها بحكم الأمر الواقع، أما أن يُعلن ترامب ومن خلفه نتنياهو أنها “أرض إسرائيلية”؛ فهذا يعني أن تصبح قوة الاحتلال سنداً للملكية، وبالتالي إعطاء الحق لأي دولة قادرة على احتلال أراضٍ مجاورة أن تفعل ذلك؛ ما ينسف أساس وجود المواثيق الدولية والمنظمات الدولية؛ وعلى رأسها الأمم المتحدة، ويفتح أبواباً عالية للحروب والنزاعات بين الدول والجماعات؛ الأمر الذي لا يجدر برئيس أقوى دولة في العالم أن يُقدم عليه.
إن اعتراف ترامب بالسيادة الإسرائيلية على الجولان -بعد القدس-، ليس إلا إعطاء من لا يملك لمن لا يستحق، ما يعني تكريساً لمنطق القوة في العالم. وعليه؛ فإن كان ميزان القوى اليوم ليس لصالح أصحاب الحق؛ السوريين أو الفلسطينيين أو العرب، وإذا كان الواقع العربي المخزي؛ قد سمح بسيادة منطق البلطجة، فإن دوام الحال من المحال، وإن الشعوب العربية قادرة على تغيير هذا الواقع، والتخلص من الحكام الخائنين ومن اليهود المحتلين، ومن استعادة كل أرض خسروها بالقوة؛ الجولان.. وكل فلسطين.
الجولان سقط منذ أن قايض عليه حافظ الأسد، وهو بقي محتلاً لأن حافظ، ومن بعده بشار، وكل الحاشية الداعمة؛ يدركون أن بقاء الجولان تحت الاحتلال؛ هو العلة الأبرز في إبقاء النظام ورئيسه تحت الشمس، وبما أن التلازم قائم؛ فهذا يعني أن إسقاط بشار ومعه الاحتلالات الجديدة التي جلبها؛ هو المقدمة الحتمية لنهضة السوريين واستعادة “جولانهم” المحتل.
وسوم: العدد 818