خالد أبو النجا" و"عمرو واكد".. وحديث الخيانة العظمى!
لم يكونا وحدهما، فقد زار الكونجرس الأمريكي رهط من المعارضين، حيث كان الفريق الزائر برئاسة الحقوقي بهي الدين حسن، كما حضره الإعلامي بتلفزيون "العربي"، يوسف حسين، والدكتور عصام حجي، والدكتور أحمد عبد الباسط، لكن القوم في القاهرة قامت قيامتهم لحضور "خالد أبو النجا" و"عمرو واكد"، واحتشد نظام حكم بأكمله في مواجهة فردين، وكأنه لا يدير دولة ولكن يقيم بيتاً للعنكبوت، مع أن اللقاءات هي (في التوصيف البرلماني) أقل من جلسة استماع!
وإذا كان الرهط تحدث عن الاستبداد الذي تعيش فيه مصر في ظل الحكم العسكري، الذي يحوز تأييداً كاملاً من قبل الرئيس ترامب غير المعني بالحريات وبالديمقراطية، فإنه مع هذا سيطر الفزع على أهل الحكم في القاهرة، فدفعوا بنقابة المهن التمثيلية إلى شطبهما من كشوفها، وليقدم النظام دليلاً جديداً على صحة ما قالاه؛ من أن الحكم العسكري في مصر، ينتمي إلى عصور الهمجية. لاحظ أن النقابات في العالم الغربي، ليست محافل مملوكة للسلطة، وعندما تتحرك نقابة مهنية لتتخذ مثل هذا القرار الذي تخلق في رحم البطلان القانوني، فهذا كاشف عن أن مصر لا تزال تعيش في عصور الظلام، وهو أمر سيوظف الملف المصري برمته في معركة انتخابية قادمة ضد ترامب، باعتباره من يرعى هذه البريرية!
عالعدو الأمريكي
لقد كان الاتهام الذي بمقتضاه تم اتخاذ قرار الشطب، هو الخيانة العظمى، على نحو ينتقل بالولايات المتحدة الأمريكية من خانة الصديق إلى العدو، مع ما ينتج عن هذا من آثار، أخصها أن أي حوارات سابقة لعبد الفتاح السيسي أو لاحقة مع الأمريكيين؛ تمثل دليل ادانة ضده وتضعه في ذات الخانة، وتجعله مثلهم. ولا يمكن للنظام الحاكم في مصر أن يدّعي أن واشنطن من الأعداء، وقد تخابر معها السيسي من أجل الانقلاب على رئيسه، القائد الأعلى للقوات المسلحة، باعترافه بأنه كان على اتصال يومي بوزير الدفاع الأمريكي. ثم إننا شاهدناه وهو يتقرب إلى ترامب زلفى وهو يقول له إنه في خدمته في ما يختص بـ"صفقة القرن".. فمنذ متى كانت أمريكا عدوا.. لتكون الشكوى لها خيانة عظمى، أو صغرى؟!
الاتهام بالخيانة العظمى لا يكون إلا بحكم قضائي، وقانونا العقوبات والإجراءات الجنائية لا يعترفان بهذا الاتهام؛ الذي لم أعثر عليه في نص قانوني إلا في الدستور، عندما يتم الحديث عن أنه لازم في حالة طلب عزل رئيس الجمهورية، وليس له وجود في ما يتعلق بالأفراد. ومع هذا، فلن نقف أمام النصوص القانونية كثيراً، وبمقتضاها فإن قرار الشطب ينحدر إلى أن يكون هو والعدم سواء، لكن هذه العجلة في الشطب وإسقاط العضوية كاشفة عن ضعف حكم وخواء نظام لم يستطع أن يضبط إيقاعه حتى عودة الفنانين إلى القاهرة، لاتخاذ مثل هذا القرار، مع منعهم من السفر، فينتقم منهما ببرود أعصاب، لا سيما وأنه قادر على إحالتهم للتقاعد حتى بدون قرار النقابة بالشطب، فأي منتج هذا الذي يغامر بالتعامل مع فنانين ضد النظام، ومعظم الإنتاج الفني يقوم به العسكر ضمن سياسة الاستحواذ المعتمدة؟! بيد أنه الفزع وانفلات الأعصاب الناتج عن منتهى الضعف، وهو ما يؤكد أننا لسنا أمام سلطة مستقرة، أو نظام قوي، فالأنظمة القوية لا يصدر منها هذا الأداء البائس والفضيحة!
لماذا خالد وعمرو؟
هذا التركيز على "خالد أبو النجا"، و"عمرو واكد"، يرجع إلى أنهما يستحيل اتهامهما بأنهم إخوان، أو أنهم ينتمون للتيار الإسلامي، وهو الاتهام الذي يسهل توجيهه حتى بالنسبة لمن خرجوا في 30 حزيران/ يونيو، أو أيدوا إزاحة الدكتور محمد مرسي، ولو كانوا في قطيعة مع حكم الإخوان، مثل السفير معصوم مرزوق، ويحيي القزاز، وعبد المنعم أبو الفتوح، لكن لا يمكن اتهام "خالد" و"عمرو" بهذا الاتهام؛ لأن العالم يعلم أنهما فنانان، ولأن شهرتهما العابرة للحدود تمنع توجيه هذا الاتهام لهما!
ا
وفي بداية الانقلاب، وعندما قال أحدهم في مناظرة تلفزيونية إن "سليم عزوز" معروف عنه أنه إخوان، ورد عليه مقدم البرنامج "غير صحيح" وأن المعروف عنه أنه ضد الإخوان، قال في ثبات: "إنه خلايا نائمة". فلا يمكن اتهام "أبو النجا"، أو "واكد" بأنهما إخوان أو خلايا نائمة، إذن لأضحك النظام الثكالى، وهو في رعبه الآن يدرك معنى سقوط دعايته بأن من يرفضونه هم الإخوان أو حلفاؤهم فقط. فالرفض امتد ليصل إلى فنانين سبق لهم أن خرجوا على نظام الإخوان ذاته، ولهم أفكار تصطدم مع مسلمات التيار الديني!
ولم يجد النظام الانقلابي في حملة الإبادة الإعلامية سوى أن يستدعي تراث نظام مبارك، عندما كان يتهم معارضيه بالاستقواء بالخارج، لكن الشاهد أن نظام السيسي هو من يستقوي على الشعب المصري بالخارج، فلم يجد نفسه مطالباً بحل مشكلات الناس، أو بالتقرب إليهم بأي انجاز حقيقي؛ لأنه يدرك أن رضا إسرائيل هو مانح للشرعية إذا ضن به عليه الشعب المصري، ويحتفي إعلامه بأي تأييد خارجي له، ومن إسرائيل إلى ترامب، لتأكيد أنه باق؛ رضي عنه الشعب أم غضب. فكونه في خدمة المصالح الإسرائيلية والأمريكية؛ فهذا هو المبرر لبقاء حاكم فاشل، لا يمكنه أن يخوض انتخابات نزيهة أو نصف نزيهة، ضد أي مرشح جاد أو شبه جاد!
وهذا الاستقواء بالخارج هو الذي دفع به لإهانة الدستور الذي أقسم على احترامه، وبتعديل نصوص يحرم تعديلها ليبق في الحكم لآخر يوم في حياته.. فهل كان بإمكانه أن يقدم على هذه الخطوة لولا أنه حصل على ضوء أخضر من البيت الأبيض، ونحن نعلم أنه كان سيقدم على التعديل من قبل، لكن اتصالاً هاتفيا من ترامب أوقفه عن الإقدام على هذه الخطوة، وقال رئيس برلمانه على إثرها إن الدستور يمنع تعديل النصوص الخاصة بانتخابات رئيس الجمهورية، فصدقك وهو كذوب!
إذا كان في الاتصال بالخارج خيانة، فإن "عمرو واكد" و"خالد أبو النجا" ليسا أول من مارسها، وإذا هناك من يستقوي بالخارج، فليس سوى عبد الفتاح السيسي، وإن كان هناك من يعمل لصالح الخارج، ولو بتدمير مصر، فليس أيا من المواطنين المصريين!
لقد رمتني بدائها وانسلت!
وسوم: العدد 818