التصعيد بين أمريكا وإيران، هل سيقود إلى حرب؟
كثير من الإخوة المتابعين لأجواء التوتر الحاصل بين أمريكا، وإيران لم يستحضروا أمامهم كل أوراق اللعبة السياسية التي تجري الآن. فهم يعتقدون بأن إيران ستتعرّض إلى هجوم أمريكيّ مدمّر قريبًا، وذلك لأنهم لم يقرؤوا تاريخ العلاقات بين أمريكا وإيران وإسرائيل عبر التاريخ، قد يختلفوا في بعض الأمور، وقد تتضارب بعض المصالح، ولكن الهدف النهائي واحد لمثلث الشر، فالاطلاع على هذا التاريخ يعطي صورة واضحة عن سر العلاقة، رغم الأجواء المتلبدة بغيوم الإعصار الكبير، فالبحار تمتلئ بالقطع البحرية وحاملات الطائرات التي تقلّ على متنها أحدث الطائرات الأمريكية (5000) طائرات من طراز الدرون من الجيل الخامس؛ وهي الأكثر تطورا على الإطلاق، وطائرات B52 )) التي تحمل الرؤوس النووية جاثمة في قاعدة العيديد القطرية، ومنظومات صواريخ باتريوت، ومقاتلات أمريكية تقوم في طلعات ردع جوي فوق الخليج العربي، والعراق اعتبارًا من يوم الإثنين الماضي، وقد رفعت الجاهزية والاستعداد في معظم القواعد الأمريكية في البحر وفي الدول التي تحيط في إيران.
ورغم كل ما نشاهده يجب علينا أن نناقش الموضوع بعقلانية ونبتعد عن العاطفة التي كثيرا ما تحركنا، فنسأل من سيطلق الرصاصة الأولى في هذا التصعيد لتتحوّل المنطقة إلى ركام إذا كان هناك احتمال في المواجهة؟
فنحن أمام سيناريو معقد! أمريكا لا تريد الحرب، وفي الوقت نفسه ترسل إنذارات متعدّدة إلى طهران، فإذا نشبت الحرب فستكون مدمرة، والعقوبات الاقتصادية وحدها قد تنهك النظام وربما تسقطه دون إطلاق رصاصة واحدة عليه، وطهران الأخرى لا تريد حربا لأنها تدرك كم هي مكلفة ومدمّرة، فالوضع الداخلي المتأزم من جراء الحصار الاقتصادي، ومن سياستها العنصرية مع الأقليات والقوميات المهمشة داخل إيران، وكذلك تدرك أن الحرب قد تفقدها السلطة، ولذاك تحاول تجنبها وبخاصة على أرضها وقد يتجاسر على استهداف المصالح الأمريكية من خلال استخدام القوّة، مثل الاعتداء على السفن في الإمارات أو على المنشأة النفطية السعودية أو على غيرها، وقد يتصور النظام الإيراني أنه لو أقدم على اشتباكات محدودة قد توصله إلى اتفاق ما، وإن حدثت مناوشات يجب أن تكون خارج الأراضي الإيرانية، وبواسطة أذرعها الموجودة في العراق بشكل خاص، وفي اليمن، وسوريا، وفي دول الخليج العربي، على ضوء استراتيجيته في الدفاع عن المحيط الخارجي لإيران والتي نفذها عام 2006م في نقل الصراع إلى لبنان من خلال حزب الله، ومع السعودية نقل الصراع إلى اليمن من خلال الحوثيين عام 2014م.
وما الأحداث الأخيرة إلا شواهد لاستخدام الأذرع في التفجيرات التي تعرضت لها السفن في الإمارات والسفينة السعودية والمنشأة النفطية السعودية بواسطة الطائرات المسيّرة والتي تضاربت الأنباء عن مصدر إطلاقها، وإطلاق ثلاث صواريخ كاتيوشه على معسكر التاجي المتواجدة فيه قوات أمريكية، فضلا عن التهديدات المحتملة للقوات والقواعد الأمريكية في العراق التي أعلنت عنها أجهزة المخابرات الأمريكية.
فإذا كانت الأساطيل الأمريكية لا تبعد عن إيران سوى مرمى حجر، ولم تتحرك للدفاع عن إمدادات النفط، وإهانة حلفائها، وإيران تمارس القرصنة وتضرب خطوط إمداده بالنفط وتخرب ناقلات النفط في مياه الخليج ثم تستهدف أنابيب شركة أرامكو في العمق السعودي ولا يهتز لأمريكا طرفا! وطهران تقطع شريانهم الحيوي ولم يصدر عنها أي تنديد، ولو تغريده على تويتر!! ماذا تنتظر أمريكا التي حضرت بكل عدّتها وعتادها إلى المنطقة؟ فهل ستنتظر دخول الحرس الثوري إلى أراضي إحدى دول الخليج العربي حتى تأمر المارينز بالتحرك؟!
ثم يخرج السفير الأمريكي في السعودية -جون ابي زيد- وبعد كل هذه الأعمال ليقول: (إن هناك حاجة لأجراء تحقيق وافٍ لفهم ما حدث) ولم يقف عند هذا الحد، وإنما شدّد (على أنه ليس من مصلحة إيران ولا الولايات المتحدة ولا السعودية أن يتفجر الصراع في الشرق الأوسط)، ومن جهة أخرى يصرّح خامنئي: ب(ليس هناك حرب ولا تفاوض) فأي سيناريو يجري في المنطقة إذا؟
والمراقب للتحرك الدولي ولتصريحات المسؤولين الأمريكيين خلال هذه الفترة سيلاحظ بأن هناك تصورا عاما مفاده: (لا حرب على أرض الواقع)، فلقد تحركت الوساطة وفق البرنامج المعدّ للتصعيد قبل أن تصل الأمور إلى حافّة الهاوية، فهل السفير البريطاني في العراق يلتقي السفير الإيراني هناك ويبحثان أمور التهدئة بين (واشنطن، وطهران) من تلقاء نفسه؟ وهل الرئيس السويسري يصل واشنطن يوم الخميس الماضي دون موعد مسبق والاجتماع مع الرئيس ترامب؟ والملف الإيراني يتصدر المشهد الإعلامي؟
فأجندة المفاوضات، وتخفيف التوتر بين واشنطن، وطهران، قائمة والمحاولات مستمرة... ومعلوم بأن سويسرا لها علاقات جيدة من إيران، فترامب يصرّح يوم الأربعاء الماضي: بأنه يفضل أسلوبا دبلوماسيا تجاه إيران، ورئيس لجنة الأمن في مجلس النواب الإيراني يدعو إلى التفاوض مع واشنطن، ووزير الخارجية الإيراني في الصين يحثها على التدخل كونها من أكبر الدول المستوردة للنفط الإيراني.
أما الموقف الأكثر صراحة والذي يقطع الشك باليقين هو (أن لا حرب مع إيران بل الجلوس على مائدة المفوضات للتفاهم على تقسيم الكعكة بعد تقليم الأظافر والانصياع إلى شروط واشنطن الإثني عشر شرطا، والتي تعمل إيران من خلال أسلوبها الخبيث، وفنون المراوغة الدبلوماسية للتخفيف من وطأتها، بغية الاستمرار في لعب الدور الطائفي المصدّر للفوضى في المنطقة، وهو ما صرّح به وزير الخارجية الأمريكي بومبيو خلال زيارته إلى روسيا وفي أثناء المؤتمر الصحفي مع وزير الخارجية الروسي ما يلي (إن التحالف الدولي أنشأ فقط لضرب تنظيم الدولة، وأنه لن يحارب ضدّ إيران، وأن الولايات المتحدة الأمريكية لا ترى في ايران ولا في مليشياتها أي خطر على مصالحها في العراق، وسوريا) فماذا تبقى لحلفاء أمريكا؟ وماذا ينتظرون أكثر من هذه الصراحة؟
وفي الختام أقول من لا يملك القدرة للدفاع عن نفسه فلن يجد في الآخرين من يدافع عنه، ومن يعتمد في حمايته على غيره فإن المغريات كثيرة، والعالم مصالح، وليس فيه صديق دائم، ولا عدو دائم، كمثل الذين يقتلون أسودهم فتهجم عليهم كلاب الأعداء فيستنجدون بمن يبيعهم بأرخص من التراب...
وسوم: العدد 825