من الحكمة استجابة دول الخليج العربية للحوار مع إيران

زار سيد عباس عراقجي مساعد وزير الخارجية الإيرانية للشئون السياسية عمان والكويت وقطر ، وأعلن في زيارته الثلاثية أن الحوار مع  دول الخليج العربية أولية لبلاده ، تتقدم الحوار مع أميركا . وأكد أن " إرساء كامل الاستقرار والأمن في المنطقة يتحقق عندما يتم ضمان المصالح الوطنية والاقتصادية لجميع البلدان فيها " . ولنا أن نفهم أن الدول الخليجية  الثلاث التي زارها توافق على الحوار الذي يطالب به ، وأن الدول الخليجية الثلاث الأخرى ، السعودية والبحرين والإمارات ، ترفضه . فلماذا هذا الرفض ؟! أليس من الحكمة اختبار صدق إيران وجديتها في هذا الحوار ، وتفحص ما قد يؤدي إليه من تفاهم وعلاقات مفيدة وحسن جوار  ؟! وما هي السياسة إن لم تكن هذه الحكمة ؟! القدرة على التحاور مع الذين نختلف معهم أو نخاصمهم هي روح السياسة التي يحتوي مفهومها الاصطلاحي المرونة وجودة إدارة الأمور . وفي نفس وقت زيارة عراقجي للدول الخليجية الثلاث ، زار جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي الإمارات ، ومن هناك عرض الحوار على إيران . وترفض إيران هذا الحوار ، ولها الحق في الرفض ، ورفضها يشهد على أنها دولة تعتز بكرامتها الوطنية ، وتعلم كيف تتحرك في مواجهة أعدائها ، وفي كل أحداث المنطقة ، والساحة الدولية . دولة لها رؤيتها المدروسة المتسقة دون عصبية فجة أو ارتجال متسرع . وشرعية رفضها للحوار مع أميركا ومنطقيته السوية منبعهما أن أميركا لم تحاورها عندما انسحبت من الاتفاق النووي معها استجابة لضغط إسرائيل ورغبة السعودية ، فكيف تطالبها بالحوار ؟!  إيران تشترط للحوار عودة أميركا إلى الاتفاق النووي أولا . ونرجع إلى تساؤلنا عن أسباب رفض السعودية والإمارات والبحرين لدعوة إيران للحوار ، والتشبث بخطاب العداء لها مع تفاوت في لهجته بين الدول الثلاث حيث الخطاب السعودي من بينها يتسم بالحدة والعصبية والتفلت من الضوابط إلى مستوى معايرة الإيرانيين بالفتح العربي لبلادهم الذي تعلمنا أن دوافعه إسلامية ، ويغلب عليه وصف الفتح الإسلامي لا العربي ، أي أن دافعه ديني لا قومي . السعودية ، أو النظام السعودي ، هي الأساس في رفض الحوار مع إيران ، وهي المصعدة للعداء معها ، أما الإمارات والبحرين فهما تابعان للسياسة السعودية ، وللإمارات علاقات تجارية واقتصادية ومصرفية واسعة مع إيران لا توجب عداءها لها . ويمكن إيجاز أسباب العداء السعودي لإيران ورفض أي حوار معها في :

أولا : المنافسة الإقليمية بين الدولتين . كل دولة تريد أن تكون القطب الأكبر من الأخرى في الإقليم ، والممثل الأول للعالم الإسلامي . والمشهود أن إيران الآن أكبر قطبية من السعودية ، وأكبر تأثيرا منها في أحداث الإقليم . وتفسير هذا التفوق الإيراني نجده في طبيعة النظام السياسي في البلدين . النظام الإيراني مؤسسي تتخذ القرارات والمواقف فيه بعد دراسة عدة جهات لها ، والنظام السعودي فردي ، قراراته ومواقفه أقرب إلى النزوات والفهم الضحل للأمور ، والمستشارون فيه ، فوق افتقارهم للكفاءة المعرفية والمهنية ، يخافون معارضة نزواته الفردية فيها ، وضحالة فهمه لها  . في جلسة مع عدد من خاصته ومستشاريه ، قال محمد بن سلمان إنه يريد متابعة ضرب اليمنيين بقسوة وعنف حتى يأتي عليهم حين يرتجفون فيه فور سماعهم اسم المملكة ! هل هذا هدف لحرب رهيبة مكلفة في سنتها الخامسة ؟! وهل هذه عقلية وزير دفاع ؟! هذه عقلية صبية الحارة في خصوماتهم العابرة التي يعقبونها سريعا بالضحك واللعب معا .

ثانيا : رغبة النظام السعودي الكاذبة الفاسدة في تقديم نفسه في ثوب المدافع عن السنة إزاء " الخطر الشيعي " ، أي أنه يصطنع عداء لا مسوغ منطقيا له ، وعداؤه الضاري للإخوان المسلمين يعري زعمه الدفاع عن السنة ، وأحط بشاعات هذا العداء عداؤه لحركة حماس ، وتصنيفها حركة إرهابية ، وتفوقه في عدائها لها رسميا وإعلاميا حتى على إسرائيل ، وسايره بعض مواطنيه في هذا العداء ، وعمموه على الشعب الفلسطيني ، وأسرفوا في العداء متقربين إلى إسرائيل ، متعاطفين مع جرائمها ضد هذا الشعب ، في ظاهرة غريبة لم تحدث في أي بلد عربي أو إسلامي .

ثالثا : اتهامه لإيران بتسليح جماعة أنصار الله والجيش اليمني الذي يقاتل معها بأسلحة نوعية مثل الصواريخ الباليستية البعيدة المدى والمتوسطة المدى والطائرات المسيرة ، وأنها ، بزعمه ، أطالت حربه العدوانية في اليمن . ويفضح هذا الاتهام فضحا كاملا نوعية عقلية النظام السعودي . كيف يعتدي على شعب ، ويستعين في عدوانه عليه بالمرتزقة ، وبعدد من الدول الفاسدة المنافقة ، وبدول كبرى مثل أميركا وبريطانيا وفرنسا ، وإسرائيل ، ثم يستغرب ويستنكر استعانته في حماية نفسه بأي جهة كانت ؟!

رابعا : شغف النظام السعودي بالتماهي والتناغم مع إسرائيل باختلاق عدو جامع لهما ، وأن إسرائيل ، مثلما يروج  هذا النظام لشعبه المقموع المكبوت المعروف بندرة اهتمامه بالسياسة ، آلة فعالة وذكية في التصدي للخطر الإيراني الشيعي والسياسي الموهوم . ومن أعظم  علامات رداءة الفكر السعودي السياسي واضطرابه وضحالته أنه أكبر من فتح الأبواب واسعة سهلة للنفوذ الإيراني في العالم العربي ، ويلح الآن على محاربته . من أحوج سوريا إلى العون الإيراني ؟! أليس تسليحه وتمويله وتأييده السياسي والإعلامي للمنظمات التي تحارب الدولة السورية ؟! ومن أحوج  أنصار الله والجيش اليمني الذي يحارب في صفها إلى العون الإيراني ؟! أليس اعتداءه المتوحش المتطاول عليهم ؟! نوايا النظام السعودي  السياسية السيئة ، وأداؤه السياسي الموغل في  الرداءة ، وأضاف إليهما  أداءه العسكري الهزلي ، أضعفته كثيرا ، وخسفت وزنه الذي ظن له يوما ، وعمقت تبعيته لأميركا وإسرائيل ، وأضحي بقاؤه محكوما بإرادتهما . وأستغرب صادقا كيف لا يدرك انهيار مكانته في العالم العربي  والعالم الإسلامي ، وانحطاط  سمعته في العالم . وأظن السبب أنه لا يحب أن يرى إلا ما يحب أن يراه ، ولا يحب أن يسمع إلا ما يحب أن يسمعه . إنه يحاور نفسه ، ويقيم نفسه ، فهوى في متاهة العمى التام . ونظام هذه نوعيته وماهيته يستحيل أن يبصر أي حكمة في التجاوب مع دعوة إيران للحوار مع كل الدول الخليجية ، وسيوالي مسيره الجاد في سياساته الحمقاء في المنطقة ، الأمر الذي قد يمحقه في النهاية . ولا نتفرد بهذا الرأي . يشاركنا فيه كثيرون .

وسوم: العدد 826