معالي الوزير صالح القلاب.. عفواً نقطة نظام

بداية لابد من الاعتراف بأني تلميذ من تلاميذك الكثر الذين أتحت لهم الفرصة ليشقوا طريقهم في عالم الصحافة، وإن أنسى فلن أنسى أنكم كنتم وراء عملي في جريدة العرب اليوم الأردنية لسنوات امتدت لنحو خمسة عشر سنة (1997-2013) وكنتم رئيساً لتحريرها، وتركت لي فضاءً واسعاً وهامشاً كبيراً في الكتابة الحرة حول أوضاع بلدي سورية المقهورة بنظام سادي مجرم، وكنت تشاركني بعدائك لهذا النظام، ولم تكن لتقصر في كتابة العديد من المقالات لفضحه وكشف سوءاته وجرائمه، إضافة إلى إجراء العديد من المقابلات الصحفية مع المراقب العام السابق لجماعة الإخوان المسلمين السورية، الأستاذ علي صدر الدين البيانوني، بناء على طلبك وتشجيع منك، وكثيراً ما كان يتندر زملائي في الصحيفة قائلين: لقد أصبحت الجريدة الناطقة الرسمية باسم الإخوان المسلمين السورية، في الوقت الذي لم يكن إلا قلة من الكتاب من يجرأ على فعل ذلك، رغم معرفتك بأني عضواً في جماعة الإخوان المسلمين، وتعرف أنني كنت مفصولاً منها في ذلك الوقت، وهذا أمر آخر.

معالي الوزير قرأت مقالك الأخير الذي نشرته جريدة الشرق الأوسط السعودية التي تصدر من لندن يوم الخميس 20 حزيران 2019 تحت عنوان: (لو لم يضع أردوغان نفسه في القاطرة الإخوانية).

قرأت المقال بتمعن ومرات عدة، فوجدت أنه من باب حبي لك واحترامي لشخصك، وللأمانة المهنية، أن أصحح لك الكثير مما جاء في المقال الذي – سامحني إن قلت – قد جانب الحيادية والمهنية وما تعتقده أنت في سريرة نفسك، إرضاءً لأصحاب صفقة القرن الذين يهرولون للتطبيع مع الصهاينة، ويريدون موت القضية الفلسطينية وإنهائها لصالح الدولة العبرية، والذين تدين اليوم بالولاء لهم، لأسباب قد تخصك ولا أريد أن أخوض بها، وقد انزلق الكثيرون ممن كانوا محسوبين على خط الربيع العربي وثوراته على فتات قشر موزها.

تقول معالي الوزير في المقال بعد استعراض تاريخي مقتضب: "أنه أمر طبيعي أن يصعد أردوغان "من إنسان عادي وابن عائلة فقيرة بسرعة ضوئية، إلى أنْ يصبح رئيساً لدولة تعتبر الأهم في المنطقة الشرق أوسطية، والحقيقة أن رجب طيب أردوغان قد انكشف على حقيقته خلال فترة قصيرة، عندما بدأ في تعبيد طريقه للوصول إلى ما وصل إليه بالتصفيات الدموية والسياسية، التي طالت معظم رفاق مسيرة البدايات الذين كان من بينهم، بالإضافة إلى فتح الله غولن، الذي أصبح لاجئاً سياسياً في الولايات المتحدة، وكل من عبد الله غُل وأحمد داود أوغلو، بالإضافة إلى عشرات ألوف كبار ضباط الجيش التركي، الذين إمّا تم تثقيب صدورهم بالرصاص، أو علقوا على أعواد المشانق، أو طفحت بهم عنابر وزنازين السجون التركية".

وهنا لا أعرف يا معالي الوزير من أين استقيت هذه المعلومات، أو بالأحرى هذه الاتهامات التي وصمت بها هذا الرجل الذي شق طريقه، وهو ابن عائلة فقيرة عانت الفقر والعوز في ظل حكومات استبدادية وسادية، شق طريقه بالعطاء وتحرير الإنسان التركي من ترسبات الماضي القائمة على الفقر والذل والقمع والفساد، وكفه الأبيض الذي لم تلوثه حفنة من دولار أو يورو، لينعم شعبه بالحرية والكرامة والإنسانية التي صادرتها أنظمة عسكرية ديكتاتورية على مدى سبعين عاماً، لا تقل وحشية عن الأنظمة العسكرية السادية التي حكمت بلداننا العربية لأكثر من نصف قرن، ومثالها ديكتاتور دمشق الصغير الذي ورث الحكم من أبيه، وعاث في البلاد فساداً وافسادا، وفتح حدود البلاد للغاصبين المحتلين ليكونوا عوناً معه على تخريب سورية، وقتل المواطنين السوريين وتهجيرهم خارج الحدود.

أردوغان يا معالي الوزير لم يسعَ لخراب بلاده كما تتهمه ولا لتحقيق مكاسب أو مصالح شخصية، بل حول تركيا في نقلة نوعية بهرت العالم، من دولة تابعة إلى دولة ذات سيادة وبلا تبعية، حولها إلى دولة غنية وقوية تمتلك غذاءها ودواءها وسلاحها وتكنلوجيتها، إسوة بباقي الدول العالم المتقدمة، ولتصبح من ضمن الدول العشرين الأولى في العالم اقتصاداً وتطوراً وقوة وتقدما.

أما عن قولك عن أنه غيب المئات في السجون، بالإضافة إلى عشرات ألوف كبار ضباط الجيش التركي، الذين إمّا تم تثقيب صدورهم بالرصاص، أو علقوا على أعواد المشانق، أو طفحت بهم عنابر وزنازين السجون التركية، فهذا افتراء وتجني لا تصدقه المحافل المعادية لتركيا وأردوغان وما أكثرها، والتي تتصيد مواقف هذا الإنسان وتتتبع سقطاته وهفواته، ولو كان صحيحاً ما ذكرته لرأيت أول من يشير إليها ويعلنها دوائر الغرب السياسية والإعلامية، ولكن لم نسمع مثل هذا القول لا من عدو لأردوغان ولا حاسد له، فمن أين أتيت بهذه المعلومات واستقيتها يا معالي الوزير؟!

ثم تقول يا معالي الوزير: " إن أكبر خطأ ارتكبه أردوغان، خلال مسيرته السياسية كلها التي كان قد توقف خلالها في محطات حزبية متعددة وكثيرة، هو انضمامه إلى (جماعة الإخوان المسلمين) الدولية، التي باتت تعتبر تنظيماً إرهابياً، بعدما ثبت أنها هي التي كانت تقف وراء كل الاغتيالات السياسية في مصر، السابقة واللاحقة، وكل الجرائم والتصفيات التي جرت في كثير من الدول العربية والإسلامية، وأيضاً في دول العالم".

معالي الوزير لقد تجاوزت كل الخطوط الحمر في تجنيك على أردوغان وعلى جماعة الإخوان المسلمين، ولم أكن أعرف عنك هذا خلال صحبتي الطويلة لك، وقد تكون تأثرت بما يقوله أصحاب صفقة القرن في إعلامهم السيء السمعة عبر قنواتهم التي بات يسميها رجل الشارع العربي من الخليج إلى المحيط بالقنوات العبرية.

أنت تعرف يا معالي الوزير أن أردوغان أمام ملاحقة الحكومات العسكرية المتعاقبة على حكم تركيا كان يلجأ كلما حُل حزبه إلى إعادة تشكيل حزب آخر باسم آخر ليتمكن من العمل السياسي وخوض الانتخابات، أما عن انضمامه لجماعة الإخوان فهذا أمر آخر فهو حر في تفكيره ونهجه وسلوكه، طالما أنه لا يتعارض وقوانين البلاد التي ينتمي إليها، وتكفل له حرية التفكير والرأي دون حجر أو وصاية.

وعن اتهامك لجماعة الإخوان المسلمين أنها "باتت تنظيماً إرهابياً، بعدما ثبت أنها هي التي كانت تقف وراء كل الاغتيالات السياسية في مصر، السابقة واللاحقة، وكل الجرائم والتصفيات التي جرت في كثير من الدول العربية والإسلامية، وأيضاً في دول العالم" فهذا كلام مضحك تسوقه العصابة التي انقضت على الشرعية في مصر وأراك تتماها معها بكل باطلها وكذبها وتضليلها، وأربأ بك أن تقول ما يقوله السيسي الخائن وإعلامه السفيه المرتزق.

أما عن قولك يا معالي الوزير: " كان بإمكان إردوغان أن يصبح زعيماً إقليمياً ودولياً من دون أن يحشر نفسه ويحشر تركيا معه في هذه الزاوية «الإخوانية»، التي لم تعد مقبولة، لا في مصر ولا في معظم الدول العربية الفاعلة والمؤثرة، ولا في معظم الدول الإسلامية القريبة والبعيدة، ولا في العالم بأسره، والتي يؤخذ عليها أيضاً بعد اختراعها لـ«حماس» أنها المسؤولة، ومعها الشيخ يوسف القرضاوي (الإخواني) وبعض الدول العربية، عن تمزيق الساحة الفلسطينية، على نحوٍ لم يخدم إلا دولة الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية".

معالي الوزير لم يعد في جعبتي أية خطوط حمراء أضعها أمامك وقد أتيت عليها كلها، وأستحلفك بالله: هل أنت راض عما تكتب وتسوق من اتهامات؟

أقولها عنك معالي الوزير: لا وألف لا إن ما تكتبه ليس من قناعاتك وأنا أعرفك عن قرب، والسبب قشر الموز الذي ترميه عصابة صفقة القرن في طريقك وطريق أمثالك، وأنت أخبر الناس بجماعة الإخوان المسلمين وقريباً منهم وهم جزء من الكيان السياسي والمجتمعي في بلدكم الأردن، ولو كانوا كما وصفتهم لما فازوا بالأكثرية كلما ترشحوا للانتخابات النيابية والبلدية والمهنية والطلابية، وكذلك الحال في مصر والجزائر وتونس والمغرب، وفي معظم الدول الإسلامية.

أما عن قولك: إن "جماعة الإخوان المسلمين هي من اخترعت حماس بهدف تمزيق الساحة الفلسطينية، على نحو لم يخدم إلا دولة الكيان الصهيوني والحركة الصهيونية"، فقليلاً من الإنصاف يا معالي الوزير، صحيح أنك تنتمي إلى فتح، وكنت الصحفي المرافق لعرفات رحمه الله، وتدين بالولاء لمنظمة التحرير التي يرأسها محمود عباس الذي كان ودحلان وراء موت عرفات.

قليل من الانصاف يا معالي الوزير، فقد كان عليك أن تشير أن حماس التي فازت في انتخابات حرة ونزيهة ولم يتح لها الصهاينة والمتصهينين العرب الفرصة لتحكم كيان الحكم الذاتي في فلسطين المحتلة، وحماس اليوم هي الوحيدة مع بعض الفصائل المتحالفة معها من يواجه الصهاينة ويلقنهم الدروس القاسية في كل عدوان يقومون به على غزة المحررة.

أما عن اتهامك يا معالي الوزير لمؤسس جماعة الإخوان المسلمين الشهيد حسن البنا بأنه صناعة بريطانية فهذا من الإفك المحرم، الذي لا يقبل به لا عاقل ولا مجنون، وخبرتك من العقلاء فما الذي غيرك لتصل إلى هذا الدرك من الإسفاف بحق مجاهد مرغ جباه ورؤوس الجنود البريطانيين الذين كانوا يحتلون مصر بوحل قناة السويس، ويشهد على ذلك الأعداء قبل الأصدقاء.

أخيراً معالي الوزير أريد أن أسوق إليك مثالاً نتداوله عندنا في سورية كثيرا، وفي مدينة حلب حصراً، وأنت ممن تستشهد بالأمثال: "أقعد أجقم واحكي سيوي". تحياتي معالي الوزير.

وسوم: العدد 830