كانت وفاة مرسي عملية اغتيال سياسي قام بها نظام انتقامي
تظهر صورة ملف بتاريخ 24 يناير 2016 المصريين في تركيا يحملون صور محمد مرسي بعد الإطاحة به في انقلاب عسكري بقيادة عبد الفتاح السيسي، [محمد الشامي / وكالة الأناضول]
ييفون ريدلي
سيذكر محمد مرسي إلى الأبد كأول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، وهو أمر لا يمكن لأعدائه أن يسلبوه منه. بالأمس انهار فجأة ثم توفي في قاعة المحكمة في القاهرة بعد لحظات فقط من إلقاء خطاب أمام القفص. كان يواجه اتهامات سخيفة بالتجسس مرتبطة بحركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية حماس.
ومما يثير الدهشة، أن جماعة الإخوان المسلمين وصفت موته بأنه "قتل"، وهو اتهام ليس شائنًا كما قد يبدو. أود أن أسميها اغتيالا سياسيا على مرأى ومسمع من عالم المشاهدة. يمكن أن تكون عواقب ذلك في الشرق الأوسط المضطرب مروعة، بالنظر إلى جنون العظمة في النظام المصري في ظلّ ديكتاتوره الحالي.
توفي مرسي نتيجة مباشرة للمعاملة اللاإنسانية التي تعرض لها من قبل نظام وحشي، انتقام بواسطة رئيسي وزير الدفاع السابق، الجنرال عبد الفتاح السيسي، الذي قاد الانقلاب العسكري عام 2013 ضدّ رئيسه السابق. لهذا السبب طُلب إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وصف مرسي بأنه "شهيد". واستمر في إلقاء اللوم على "طغاة" مصر في وفاة الرجل البالغ من العمر 67 عامًا، لكن هناك عددًا قليلاً من الأطراف الأخرى التي كانت مذنبة وكانت لها يدا في وفاة مرسي.
أي عدد من حكام الشرق الأوسط والطغاة والمستبدين - الرجال الذين غذت كراهيتهم للديمقراطية خوفهم من الإخوان المسلمين - كان من الممكن أن يسيطروا على السيسي بسبب معاملته لمرسي. ومع ذلك فإنه يناسب أغراضهم الأنانية لجعله معزولا وتساء معاملته في محبسه. كانت إسرائيل تتنفس الصعداء عندما نجح الانقلاب، حيث مدّ الرئيس مرسي يده ليصبح صديقًا للفلسطينيين، وهو أمر لا يمكن تحمله في تل أبيب.
ولقد أعرب أمير قطر: الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، وهو حليف معروف لزعيم الإخوان، عن "حزنه العميق" عند سماعه نبأ وفاة مرسي. وشاركه آرائه المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، الذي قدّم تعازيه إلى أقارب مرسي وأنصاره. ووصفت سارة ليا ويتسن: المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش، نبأ وفاته بأنه "فظيع ولكن يمكن التنبؤ به بالكامل" وكانت على حق في القيام بذلك. فقد كان مرسي محتجزًا في ظروف مروّعة، وحُرم من الطعام اللائق والأدوية الكافية، وكان قد أغمي عليه في السابق مرات عدة خلال جلسات الاستماع بتهم ملفقة تضاف إلى عارهم الأبدي، كما تجاهل القضاة الذين ترأسوا قضيته تدهور حالته الصحية بسبب ارتفاع ضغط الدم والسكري وفقدان الوزن بشكل كبير والضعف العام. من خلال إبقاء الرئيس السابق في الحبس الانفرادي دون الوصول إلى التلفزيون أو البريد الإلكتروني أو أي وسيلة أخرى للاتصال المباشر مع الأصدقاء أو العائلة، فإن النظام المصري الحالي هو بلا شك مذنب بوفاته.
وفقًا للمدعي العام في مصر، لم يُظهر أي تقرير أولي بعد الوفاة أي علامات لإصابات حديثة في الجسم. وهذا أسلوب العلامة التجارية السيسي، سيكون هناك الآن بلا شك تغطية ضخمة وتقرير نهائي يستنتج أن مرسي توفي لأسباب طبيعية.
ومع ذلك، مثل بقية العالم، يعرف الشعب المصري أنه لم يكن هناك شيء طبيعي حول طريقة سجن مرسي، ومحاكم الكنغر-المحاكمة الشعبية غير رسمية- التي لا نهاية لها والقضاء الضعيف، والمعاملة الشريرة التي يلقاها من نظام الانتقام، والتي تآمر أعضاؤها جميعًا لإسكات الرئيس المخلوع.
كان أعداء مرسي يخشونه كثيراً لدرجة أنه ظلّ في قفص زجاجي عازل للصوت حتى لا تتمكن رسالته من الوصول إلى الشعب المصري الذي أحب زعيم الإخوان المسلمين، وكان يحبهم فانتخبوه كرئيس لهم بعد ثورة الربيع العربي التي أطاحت بالدكتاتور السابق حسني مبارك خوفا من انتشار الديمقراطية في جميع أنحاء المنطقة، تآمر الطغاة المجاورين لتقويض قيادة مرسي، والتي انتهت بشكل انقلاب عسكري سيئ السمعة. وبقدر ما يحاول السيسي إعادة كتابة التاريخ، فإن ظلمه لن يزول أبدًا.
ومن المحزن أن الزعماء الغربيين لعبوا دورهم في وفاة مرسي المتعمدة هذا الشهر، وكانت إدارة ترامب في واشنطن تعمل لصالح إسرائيل والسيسي على تشريع لتعيين جماعة الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية أجنبية. يبقى أن نرى ما إذا كان هذا الجهد سيستمر، لكن الحكومات الأخرى التي اتخذت هذه الخطوة لم تقدم بعد أي دليل ملموس على وجود نشاط إرهابي تجيزه الحركة.
لقد دفعت الإمارات العربية المتحدة رئيس الوزراء السابق ديفيد كاميرون إلى القيام بشيء مماثل، لكنها جاءت بنتائج عكسية عندما أعطى تحقيق الحكومة البريطانية لجماعة الإخوان المسلمين شهادة صحية نظيفة. عند سماع الأخبار من القاهرة أمس، دعا الرئيس السابق لمجلس النهوض بالتفاهم العربي البريطاني، كريسبين بلانت، النائب العام إلى "تحقيق دولي مستقل ذي سمعة طيبة"، وقال: إن الحكومة المصرية عليها "واجب في شرح تفاصيل الموت المؤسف للرئيس محمد مرسي ".
في العام الماضي، أفادت لجنة برلمانية بريطانية برئاسة بلانت، أن محمد مرسي كان محتجزًا في الحبس الانفرادي لمدة 23 ساعة يوميًا، وخلصوا إلى تصنيف هذا على أنه تعذيب، نظرًا للظروف العامة لسجنه. وعبر البعض عن خوفهم من أن تؤدي معاملته إلى وفاته المبكرة. على الرغم من هذه التحذيرات، تجاهل النظام المصري مناشدات الوفد البريطاني وكذلك السياسيين الدوليين الآخرين ومنظمات حقوق الإنسان.
الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين - حزب الحرية والعدالة – بدأ يحث مؤيديه على التظاهر في الخارج امام السفارات المصرية في جميع أنحاء العالم خلال الأيام القليلة المقبلة. "احجاجا على وضعه في حبس تضامني طوال فترة اعتقاله التي تجاوزت خمس سنوات"، فقد أوضحت الحركة في بيان علني قائلة: "لقد منعوا عنه الأدوية وقدموا طعامًا سيئًا ومنعوا الأطباء والمحامين... ومنعوه حتى من التواصل مع أسرته. لقد حرموه من أبسط حقوق الإنسان. "
اتُهم الرئيس محمد مرسي بتنظيم انقلاب إسلامي خلال سنته الأولى في الرئاسة، واتهم بسوء الإدارة. رغم أن "الدولة العميقة" التي تسيطر على جميع الوزارات المصرية ضمنت تعاون عدد قليل من الموظفين المدنيين، إن وجد مع حكومته. وأثار دعمه للفلسطينيين، بمن فيهم حماس، الانتباه. بحلول 3 يوليو 2013، كان الجيش تحت قيادة السيسي قد علق الدستور المصري، وأعلن حكومة مؤقتة قبل الانتخابات الجديدة واعتقل مرسي. كان هذا انقلابًا عسكريًا أي شخص بقيادة الجنرال الذي أصبح رئيسًا في العام التالي.
ربما استغرق الأمر ست سنوات حتى يقتل النظام المصري مرسي، لكن الأمواج الديمقراطية والأمل في أن يحضرها إلى شعب مصر لن يموت أبداً. وبقدر ما يرغب عبد الفتاح السيسي في القضاء على محمد مرسي ومعتقداته، وأهدافه، فإن زعيم جماعة الإخوان المسلمين الراحل سوف يُعرف إلى الأبد في التاريخ باعتباره الرجل الذي كان أول رئيس منتخب ديمقراطياً في مصر، فلا يمكن لديكتاتور مثل السيسي أن يغيّر هذه الحقيقة الواضحة الجلية وسوف يستمر إرث مرسي...
وفاة الرئيس المصري السابق مرسي في المحكمة - كارتون [سبانيه / ميدل إيست مونيتور
ترجمة مركز أمية للبحوث و الدراسات الإستراتيجية
وسوم: العدد 830