هل النظام الإيراني حليف الحكومة العراقية أم الشعب العراقي؟

قال الطّغرائى:

ما كنت أوثر أن يمتدّ بى زمنى ... حتى أرى دولة الأوغاد والسّفل هذا جزاء امرئ أقرانه درجوا ...  من قبله، فتمنى فسحة الأجل

(النجوم الزاهرة لإبن تغري).

غالبا ما يشيد عملاء ايران في العراق بالدور الايراني الكبير في نصرة العراق، وانها اول من ساعد العراق في تقديم الأسلحة والذخيرة لمحاربة تنظيم داعش الارهابي، وانها ارسلت قوات عسكرية  ومستشارين لمساعدة القوات العراقية في دحر التنظيم الإرهابي، وانها وقفت مع العراق في أزماته في الوقت الذي تخلى فيه العرب عن العراق، ويبالغ البعض بالقول انه لولا ايران لسقط العراق بيد داعش، ومن المؤسف ان هذه العبارة اللئيمة والمجحفة يكررها سنة السلطة مثل رئيس البرلمان العراق محمد الحلبوسي وآخرون معروف ولائهم لولاية الفقيه. ويدعي هؤلاء العملاء انهم يرفضون الحصار الامريكي المفروض على ايران لأنه ـ حسب زعمهم ـ ان ايران ساعدت العراق في تهريب النفط خلال الحصار الذي فرض على العراقيين، أي مقابلة بالمثل، وتتملكهم الرأفة بالشعب الايراني ولكنها لا تتملكهم بالشعب السوري. ويعلنون استعدادهم للقتال ضد الامريكان وضرب مصالحهم في المنطقة وليس العراق فقط إذا إستهدفت الولايات المتحدة ايران، بمعنى ضرب المصالح الامريكية في دول الخليج العربي، اي عدون على سيادة دول عربية لمصلحة دولة غير عربية.

فيما يتعلق بمساعدة العراق اثناء الحصار الاقتصادي، من المعروف أن ايران وقفت مع الشرعية الدولية وايدت الحصار المفروض على العراق، وهللت آنذاك قوى المعارضة العراقية ـ التي تحكم اليوم ـ بالحصار وباركته، ولم تفكر حينها ان الحصار سيضر الشعب العراقي وليس النظام الحاكم، كما تفعل اليوم وتدعي ان الحصار سيضر الشعب الايراني الشقيق على حد تعبيرها، صحيح ان ايران ساعدت فعلا في تهريب القليل من النفط العراقي مقابل عمولة كبيرة وليس لوجه الله تعالى، ومن المعروف ان العراق اعلن خلال فترة الحصار عن بيع نفطه مجانا لدول العالم لكسر الحصار في خطوة فاشلة لم تؤدي غرضها، لذا كانت ايران تستوفي من العراق مبالغ طائلة عن تهريب النفط تعادل كلفة استخراجه وتصديره.

كما يدعي عملاء النظام الايراني في العراق بأن ايران أول من تقدمت لتقديم السلاح والذخيرة الى العراق في حربه ضد داعش، في الوقت الذي تأخرت القوات الامريكية عن تقديم هذا الدعم، بالطبع هم لم يشيروا الى نوع السلاح الذي قدمته ايران للعراق، فمعظمة كان من الأسلحة والذخيرة التي سرقها فيلق بدر من العراق وهربها الى ايران، واشتراها العراق مجددا بأسعار عالية لا تساوي عشر قيمتها الحقيقية، فهي اسلحة معظمها قديمة ومستهلكة واستخدمت في ثلاثة حروب متتالية، علاوة على صفقات الأسلحة الفاسدة، وقد اعترف رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي ان ايران استوفت ثمن جميع الأسلحة الني قدمتها للعراق.

كما يدعي عملاء النظام الايراني في العراق ان ايران ارسلت قوات عسكرية ومستشارين عسكريين لمحاربة داعش، وان الجنرال سليماني كان يخطط ويقود عمليات التحرير. في الحقيقة كان في العراق مستشارون ومدربون من (67) دولة من ضمنها ايران، علاوة على وجود المئات من القواد العراقيين من رتبة جنرال فما فوق.

فماذا كان يفعل هؤلاء الجنرالات العراقيين خلال الحرب ومهمتهم الرئيسة الدفاع عن الوطن؟ هل كانوا دمى أطفال يحركهم الجنرال الايراني؟ وما الفائدة منهم طالما ان الجنرال سليماني هو من يخطط ويقود المعارك. انهم يستنزفوا الميزانية برواتبهم المليونية، اليس من الأجدى الإستغناء عنهم طالما لا فائدة منهم، وتسليم المهام للجنرال سليماني كأمر واقع؟

الأعجب من هذا اننا لم نسمع لرئيس اركان الجيش العراقي ولا وزير الدفاع العراقي، ولا أي قائد ميداني اي تصريح أو موقف خلال المعارك مع داعش، وهذا من غرائب الحروب في العالم، لا بيانات، ولا تصريحات، لا مقابلات، فهل كان تهميشهم مقصودا، ام انهم فعلا سلموا الأمر للجنرال الايراني، وذعوا لقيادته؟

الأمر الآخر من اين للجنرال الايراني المعلومات الاستخبارية التي تمكنه من التخطيط للمعارك مع داعش؟ اليس مصدر المعلومات الاستخبارية الوحيد هو الأقمار الصناعية  وطائرات الاستطلاع الامريكية والأوربية؟

من جهة أخرى ذكر رئيس الوزراء السابق حيدر عبادي مرارا وتكرارا انه لا توجد قوات ايرانية تقاتل على الأرض ضد تنظيم داعش الإرهابي، بل يوجد مستشارون ومدربون ايرانيون فقط، فمن يكذب علينا، حيدر العبادي ام النظام الايراني وازلامه في العراق؟

خلال معارك التحرير لم نسمع سوى عن مقتل جنرال ايراني واحد في الموصل وهو (الجنرال شعبان نصيري) الذي قتل في منطقة البعاج، اما القتلى من القوات الايرانية فقد كانوا في حقيقة الأمر من غير الإيرانيين بإعتراف النظام الايراني نفسه، فقد أعلن (موقع مشرق نيوز الايراني المقرب من الحرس الثوري) في 12/6/2017 " شيع أهالي مدينة قم عددا من القتلى الأفغان والباكستانيين المقاتلين في صفوف الحرس الثوري".

كما يدعي عملاء النظام الايراني في العراق بأن الدول العربية تخلت عن العراق، وهذا هو السبب في اندفاع العراق نحو ايران، ربما تناسوا هؤلاء الأوغاد ان القوات التي حررت العراق ـ حسب زعمهم ـ جاءت من الاراضي السعودية والكويتية، وان البعض من العملاء جاء مع هذه القوات الغازية عبر أراضي هذين البلدين، وانهم اول ما تسلموا دفة الحكم بدأوا بلعن وشتم القومية والعروبة وما يمت لهما بصلة، وحاربوا اللاجئين السوريين وقتلوا وشردوا الآلاف من الفلسطينيين، وهجروا المصريين والسودانيين المقيمين في العراق، وكان التثقيف في وسائل اعلامهم هو الهجوم والتهجم على الدول العربية ولعن القومية والعروبة، والتحريض على كراهية الدول العربية، مقابل هذا كانوا يشيدون بالنظام الإيراني وهو لم يبدأ بعد بمساعدة العراق حسب زعمهم، على الرغم من ان نظام الملالي ساهم في اسقاط النظام الحاكم عام 2003 بإعتراف ابطحي واحمدي نجادي.

يدعي البعض من الزعماء الشيعية وسنة المالكي بأنه لولا ايران لسقطت بغداد، والحقيقة كما قال السيد (مصطفى الصافي) نقلا عن السيستاني بواسطة أحد المقربين منه (الأصح لولا العراق لسقطت طهران). دخلت ايران في الحرب ضد داعش ليس من أجل بغداد ابدا، فسقوط بغداد يفرحها ولا يحزنها، ولم تدخل الحرب من أجل انقاذ العراقيين من سطوة داعش، فالعراقيون سقط المتاع بالنسبة لهم، بل تدخلت لحماية الحكم الشيعي الذي تهيمن عليه، وهي لا تريد ان يرجع أهل السنة لسلطة الحكم، فالعراق هو بوابتها الوحيدة  لسوريا ولبنان وصولا للبحر الأبيض المتوسط.

كما تبين ان تنظيم داعش الإرهابي وقبله تنظيم القاعدة يرتبطان بالنظام الايراني، فالقاعدة وداعش لم يقوما بأية عملية هجومية ضد ايران في حين شملت هجوماتهم الدول الاوربية والعربية، ورسالة ابن لادن الشهيرة حول الدور الايراني في مساعدتهم معروفة. ولا يوجد تصريح واحد من داعش ضد النظام الايراني، بل كان اعدائه (آل سلول كما يطلق عليهم) أي حكام السعودية ودول الخليج العربي (ما عدا قطر حليفة ايران)، وتعتبر السعودية الدولة العربية الثالثة بعد العراق وسوريا التي تعرضت الى هجومات من داعش من حيث العدد والقوة والخسائر.

لاحظ المعادلة العجيبة: إيران ضد السعودية، وداعش ضد السعودية، وايران تحارب داعش في العراق وسوريا، وداعش لا يحارب ايران ولا يعاديها، والسعودية تحارب داعش! كيف يمكن تفسير هذا المعادلة الشاذة؟

ان كانت ايران ساعدت العراق حقا، فإن العراق ساعد ايران اكثر من مساعدتها له من خلال الحكم الشيعي الموالي لها، فقد قدم لها نوري المالكي اكثر من (100) مليار دولار كتعويضات عن حربها مع العراق، (المبلغ المفقود من ميزانية العراق 370 مليار دولار خلال حكم المالكي ولا أحد يعرف مصيره، ولا أحد يجرأ ان يفتح هذا الملف الضال). ولا يزال البنك المركزي العراق يضخ لإيران ملايين الدولارات يوميا، عبر ما يسمى بمزاد العملة الذي تسيطر عليه شركات تابعة للحرس الثوري الايراني، وهناك سفن تنقل النفط الايراني بأوراق ثبوتية عراقية، وهذا ما أعلنته الحكومة الايطالية حيث رفضت تفريغ سفينة تحمل النفط العراقي، بعد ان تبين لها من خلال فحص النفط انه ايراني وليس عراقيا.

لم تكن ايران في يوم ما حليفة للشعب  العراقي، وغالبا ما يَهين زعماء النظام الايراني العراق ويعتبرونه جزءا من امبراطوريتهم الساسانية الغابرة، فالعوامل على الأرض تبين ان النظام الايراني حليف الحكم الشيعي في العراقي الموالي له، وليس حليف الشعب العراقي بما فيهم شيعة العراق، النظام الايراني لا يعِر أهمية للمذهب الشيعي البتة، فهو اشبه بستارة تخفي خلفها التعصب القومي واحلام الماضي السحيق، انظر الى شيعة الأحواز وكيف يعاملهم النظام الإيراني! أنظر كيف تعامل النظام وعملائه العراقيين مع مجاهدي خلق في العراق، حتى قبور شهدائهم الأشرفيين لم تسلم من عصابات مسؤول الأمن غير الوطني، العميل المحترف (فالح الفياض).

لاحظ كيف ارهق النظام الإيراني جنوب العراق من خلال نشر المخدرات التي تحظى بحماية حكومية عراقية بدءأ من رئيس الوزراء الى مدراء المنافذ الحدودية وزعماء ميليشيات الحشد الشعبي. بل صار العراقيون يطلقون تسمية تهكمية على ايران بأنها (الارجنتين)، بعدما زعم رئيس الوزراء عادل عبد المهدي ان الأرجنتين هي مصدر المخدرات في العراق، فصارت مقولته نكتة القرن.

لاحظ السيول الجارفة التي هدتها ايران لتكتسح اراضي العراق، واملاح البزل التي توجهها لأراضيه، ويقابلها قطع المياه عن العراق في الصيف من خلال قطع الروافد القادمة منها مثل نهر الكارون والزاب وغيرها!

لاحظ الأدوية والأغذية الفاسدة التي تصدرها الى العراق عبر منافذ حكومية خاضعة لنفوذ الميليشيات العراقية التابعة لولاية الفقيه!

لاحظ تعدد الميليشيات في العراق ومعظمها تابعة لولاية الفقيه، هل سمعتم بميليشيا عراقية تابعة لدولة عربية او تواليها على أقل تقدير؟ حتى تنظيم داعش الإرهابي، فهو يعادي مصر والسعودية بل كل الدول العربية والعالم ما عدا ايران، ودويلة حسن نصر الله، ودويلة الحوثي.

لاحظ الصفقات الفاسدة مع الشركات الايرانية من بناء المدارس الى صفقات الأسلحة، لم يقم النظام الايراني بمحاسبة اية شركة أخلت بعقدها مع العراق، بل ان النظام الايراني يحميهم ويحمي المسؤولين الفاسدين الهاربين من العراق، فملجأهم الآمن هو ايران، او هي المحطة الأولى وبعدها المغادرة الى دولة أخرى.

لاحظ النفوذ الايراني في العراق فهي التي نصبيت الرئاسات الثلاث على حد تعبير احد مستشاري الخامئني بقوله "هزمنا امريكان في العراق بثلاثة أهداف مقابل لا شيء".

لاحظ سرقة النفط العراقي عبر ما يسمى بالآبار المشتركة، البدعة التي ابتكرها القزم الايراني باقر صولاغي مع مواطنه الايراني حسين الشهرستاني وزير النفط الاسبق ونائب رئيس الوزراء لشؤون الطاقة.

لاحظ هيمنة النظام الايراني على المؤسسات الأمنية في العراق، فمنظمة بدر التي فقسها الحرس الثوري هي التي تسيطر على وزارة الداخلية، ووكلاء الوزارة والمدراء العامون جميعا من الشيعة الموالين للنظام الايراني، كما ان الأمن الوطني بإمرة عميل ايران فالح الفياض والإيراني ابو مهدي المهندس وهما يشرفان بدورهما على الحشد الشعبي. ووزارة الدفاع مخصصة للسنة الموالين لولاية الفقيه فقط، ولا يقبل الترشيح لهذا المنصب الا بموافقة ايران، علما ان جميع قادة الجيش الكبار هم من الشيعة فقط.

لاحظ تدمير ثروة العراق من خلال  الأوبئة والسموم التي فتكت بالأسماك والدجاج بفعل فاعل مجهول كالعادة، وحرائق مزارع الحنطة والشعير بفعل فاعل مجهول ايضا، بلا أدنى شك الجهة المستفيدة منها هي ايران فقط.

يمكن الجزم ان كل النكبات التي حلت بالعراق بعد الغزو والبعض منها قبلة، كانت ايران او ازلامها العراقيين يقفون خلفها.

فهل نظام الملالي بعد كل هذا حليفا لحكومة العراق ام للشعب العراقي؟

وسوم: العدد 832