نربأ بالصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله أن ينشزن على أزواجهن فيعالج بالضرب

في مقال سابق كان ردا على استخفاف المدعو عصيد بشرع الله عز وجل والمتعلق بعلاج نشوز الزوجات على أزواجهن، ذكرت أنه من أساليب هذا العلاج الضرب ، وهو وارد في كتاب الله عز وجل بالمعنى الحقيقي لا بالمعنى المجازي كما يزعم البعض مداراة وتملقا للنساء رغم أنفه ورغم أنف غيره مهما كان هذا الغير لأن الله عز وجل قضاؤه عدل وما هو سبحانه بظلام للعبيد  . وعادة ما تتحفظ  بعض المسلمات على علاج  النشوز بالضرب ،وما ينبغي لهن ذلك لأنه لا خيرة لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمرا .

وكما هو معلوم ضمّن الله عز وجل في رسالته الخاتمة للعالمين من التشريعات ما يغطي حاجاتهم ويناسب أحوالهم التي كان علمها عنده قبل حلولها إلى نهاية العالم وقيام الساعة ، ومن شك أو شكك في ذلك ،فعليه مراجعة إيمانه إن كان مؤمنا ، ولا يعتد بشكه وتشكيكه إن كان خارج دائرة الإسلام .

ومن التشريعات التي ضمنها الله عز وجل رسالته الخاتمة ما يتعلق بالأحوال الشخصية ، ومنها العلاقة بين الأزواج والزيجات التي من المفروض أن تكون مستقرة ومؤسسة على أساس المودة والرحمة، ولكنها  قد تتعرض أحيانا  للاضطراب  بسبب نشوز الأزواج أو الزيجات على حد سواء . وقد ورد ذكر نشوز كل منهم في كتاب الله عز وجل مع ذكر العلاج  .

ولبيان التشريع الخاص بعلاج نشوز المرأة المسلمة لا بد من ذكر السياق القرآني الذي ورد فيه وهو قول الله عز وجل : ((  الرجال قوّامون على النساء بما فضّل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجروهن في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلا إن الله كان عليا كبيرا ))

إن الإسلام دين الواقع يعالج قضايا الإنسان غير المنزه عن الخطإ، لهذا تضمّنت تشريعاته أحوال هذا الإنسان المختلفة بما فيها الحالات التي يرتكب في أخطاء أو يحيد فيها عن جادة  الحياة السوية . والملاحظ في آية معالجة النشوز أنها بدأت بذكر القوامة ، وهي القيام على الشيء أو غيره، ورعايته، وإصلاحه، والعناية به . ومعلوم أن قوامة الرجل مطلق الرجل على المرأة مطلق المرأة ، ولا يتعلق الأمر بقوامة زوج على زوجته فقط بل قد تكون القوامة لأبيها أو أخيها أو عمها أو خالها أو غيرهم  من محرم من محارمها . ومباشرة بعد ذكر القوامة وبيان فضل الرجال على النساء بسبب القوامة والنفقة ، ذكر الله عز وجل الوضع الطبيعي للنساء المؤمنات،  فوصفهن بالصلاح والقنوت وحفظ الغيب بما حفظ سبحانه وتعالى ، ويتبين من هذا أن صلاحهن وقنوتهن وهي عبادتهن  وحفظ الغيب يكون مانعا لنشوزهن على أزواجهن ،ذلك أن من تعبد منهن الله عز وجل وتخشاه لا تضيّع حق زوجها الذي أعطاه الله عز وجل، وقد قلده مسؤولية القوامة والنفقة، وهو واجب أوجبه عليه لا بد أن يقابل بحق هو طاعة الزوجة .

ونشوز الزوجة هو خروجها عن طاعة زوجها وتضييع لحقه . ويكون سبب نشوز الزوجة إما لسوء خلقها  أو لرغبة عندها في فراقه ، وهو ما يحوّل المودة بينهما إلى كراهية قد تنتهي بفراق . وحرصا على تنكب الفراق بينهما وهو أبغض الحلال عند الله عز وجل جعل سبحانه وتعالى علاجا للنشوز يتدرج من وعظ إلى هجران في المضجع إلى ضرب قد فصل الفقه الإسلامي في كيفيته بناء على توجيهات رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى كما وصفه رب العزة جل جلاله .

ومعلوم أن الزوجة الصالحة والقانتة والحافظة للغيب بما حفظ الله لا يمكن أن تنشز على زوجها ، وإذا حصل أن وقع منها نشوز وهو ممكن غير مستحيل كفاها الوعظ وإلا الهجران ، وقد لا يضطر زوجها لعلاجها بالضرب حفاظا على العلاقة الزوجية خصوصا إذا كان بينهما أبناء يعرضهم الطلاق للضياع ، مع أن الطلاق في الإسلام لا يضيع معه الأبناء . وعلى قدر صلاح وقنوت وحفظ الزوجة المؤمنة لما حفظ الله عز وجل يكون بعدها عن النشوز .

وللذين ينكرون علاج النشوز بالضرب نطرح عليهم نماذج من النشوز وهي من الواقع وليس من المتخيل ، ونقول لهم : آرأيتكم إن أصرت الزوجة على رفض معاشرة زوجها لها دون عذر شرعي ،ولم ينفع معها وعظ ، ولا هجران لأن هذا الأخير  يكون حاصلا منها وليس من الزوج ، فهل يطلقها زوجها أم يعالج نشوزها بضرب حدد الفقه كيفيته ووسيلته بحيث لا يضرب الوجه ، ولا يكون الضرب مبرحا ولا يخلف جرحا ولا عاهة ، وإنما يكون علاجا يعالج نشوزها ، لتعود إلى  طاعة زوجها فيما شرع الله تعالى له ولها ؟ آرايتكم إن أصرت الزوجة على الخروج من بيتها دون مبرر شرعي ودون إذن زوجها، ولم ينفع معها وعظ ولا هجران ألا تعالج بضرب يكبح جماح نشوزها ؟ومثل هذه الحالات كثيرة وواقعية لا ينكرها إلا مكابر أو جاحد ، وربما طرأ من أنواع النشوز في هذا العصر ما لم يكن قبله لما وقع في حياة الناس من تحولات كثير منها بفعل التأثر بأمم غير مسلمة تقدم للعالم أسلوب حياتها كنموذج تلزم أمم الأرض به وإلا أدينت وجرّمت .  

ولا بد من التأكيد  على أن النشوز ليس هو المغاضبة بين الزوجين، وهي أمر ممكن وقلما  يخلو منه حال الزوجين ، بينما النشوز يعني خروج الزوجة عن طاعة زوجها وعصيان أمره عن قصد وعمد وسبق إصرار ، وغالبا ما يكون ذلك إما لسوء خلقها إن لم تكن لديها نية مبيتة  في  طلب الطلاق  أو لرغبة  مبطنة وغير معلنة  في الطلاق.

وأخيرا نقول للمؤمنات الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله عز وجل نربأ بكن أن تنشزن على أزواجكن ، وإن قدر الله وحصل شيء منه ، فحسبكن وعظ الأزواج ، ونربأ بكن عن الهجران في المضاجع وعن الضرب لأنكن صالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله ، ونرجو بعد هذا الإيضاح ألا يساء فهم علاج النشوز عندكن ، وألا تغضبن من هذا النصح الواجب شرعا ، وألا تكون لكن  موجدة  على الناصح  والله من وراء قصده وهو العلي الكبير.

وسوم: العدد 832