المدوّن السعودي وزيارة الأقصى

تردّدت كثيرا في الكتابة حول زيارة المدوّن السّعوديّ محمد سعود للقدس القديمة، ودخوله ساحات المسجد الأقصى، وسبب تردّدي هو كي لا نعطي الحدث أهمّيّة لا يستحقّها، وكي لا نجعل لشخص هامشيّ قيمة لا يستحقّها، وبالتّالي سنجعل منه شخصيّة معروفة، تماما مثلما جرى مع الكاتب الهنديّ سلمان رشدي صاحب"آيات شيطانيّة" الذي جاب اسمه الكرة الأرضيّة مع أنّه كان كاتبا فاشلا مغمورا، مع التّأكيد على أنّ التّطبيع مع اسرائيل في ظلّ مواصلتها احتلال الأراضي العربيّة أمر مرفوض تماما. ومحمد سعود وصحبه الذين حلّوا ضيوفا على نتنياهو ليس فيه اسم واحد معروف كإعلاميّ أو في أيّ أمر آخر، وزيارتهم بالتّأكيد ليست اجتهادا شخصيّا بمقدار ما هي مرضيّ عنها من حكوماتهم التي سبقتهم في التّطبيع والتّنسيق الأمنيّ مع اسرائيل إرضاء للسّيّد الأمريكيّ، وكجزء من "فصعة القرن" التي يجري تطبيقها على أرض الواقع. وهذا التّطبيع الرّسميّ لدول الخليج يعني شطب "مبادرة السّلام العربيّة" التي أطلقها عام 2002 الملك الرّاحل عبدالله بن عبد العزيز عندما كان وليّا للعهد، ويؤكّد على ما قبله منها نتنياهو في حينه، وهو البند الذي ينصّ على "إقامة علاقات طبيعيّة بين الدّول العربيّة والإسلاميّة مع اسرائيل" بعد القفز أو شطب البنود الأخرى التي تسبقه، والتي تنصّ على الانسحاب الإسرائيليّ الكامل من الأراضي العربيّة المحتلة، وإقامة الدّولة الفلسطينيّة المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف.

وما يهمّنا هنا هو زيارة محمد سعود للقدس القديمة والمسجد الأقصى، والذي يطرح أسئلة عدّة منها: هل هذه الزّيارة عفويّة؟ وهل كان بلا حراسة خصوصا وأنّه ضمن وفد حلّ ضيفا على الحكومة الإسرائيليّة؟ ولماذا لم تتدخّل الشّرطة الإسرائيليّة المتواجدة بزيّها الرّسميّ عند بوّابات الأقصى وداخل ساحاته لحمايته؟

وبعيدا عن العواطف دعونا نتساءل أيضا عن دور الإعلام ومدى نجاحه أو فشله في إيصال عدالة قضّيتنا وحقوق شعبنا للرّأي العامّ العربيّ والعالميّ؟ وهل ما جرى في باحات الأقصى مع المدوّن السّعوديّ وتصويره ونشره يخدم قضيّتنا؟

وإذا وُجد بعض المتساقطين من مثقّفين وإعلاميّين في بعض الدّول العربيّة استرضاء لحكوماتهم وسياساتها، يعبّر عن رأي شعوبهم؟ وهل وجود عميل في شعب ما مبرّر لشتم شعب أو شعوب بكاملها؟ ولنكن أكثر صراحة عندما نتساءل: أليس بيننا نحن الفلسطينيّين من خان وتعامل وتخابر؟ وهل ندرك مدى الأضرار التي تلحق بشعبنا وبقضيّتنا عندما يقوم بعض منّا بشتم شعوب شقيقة تعتبر قضيّتنا قضيّتهم الأولى؟ وهل ننتبه كيف تمّ استغلال ما جرى مع المدوّن السّعوديّ إعلاميّا من خلال دبلجة جهات معادية لصور و"يوتيوبوهات" ورّوجوها ووزّعوها على أنّها اعتداءات من سعوديّين على فلسطينيّين في الكعبة المشرّفة؟

إنّنا إذ ندعو بإصرار أشقاءنا العرب وأصدقاءنا في العالم جميعه بعدم التّطبيع مع إسرائيل المحتّلة لأراضينا، والتي تمارس إرهاب الدّولة على شعبنا وأمّتنا، فإنّنا نؤكّد من جديد على وحدة الهدف والمصير بيننا وبين إخوتنا العرب، وأنّ المسجد الأقصى جزء من العقيدة الإسلاميّة، وهو ملك للعرب والمسلمين جميعهم، تماما مثلما هي القدس مدينة العرب جميعهم. وأنّ الأطماع التّوسّعيّة الإسرائيليّة تتخطّى حدود فلسطين التّاريخيّة بكثير، وقد شاء القدر أن تكون فلسطين وشعبها رأس الحربة في مواجهة هذه الهجمات الشّرسة التي تستهدف المنطقة برمّتها. ويشهد التّاريخ أنّ شعبنا عبر تاريخه قد حافظ على حرّيّة العبادة في المدينة المقدّسة.

 وإذا ما خلصت النّوايا فإنّ معاقبة محمود سعود وغيره تقع على عاتق حكوماتهم، ونأمل أنّ يكون الخبر الذي تداولته بعض وسائل الإعلام حول قرار الملك السّعوديّ بتجريد مواطنه محمد سعود من جنسيّته السّعوديّة صحيحا، كما نشكر ونحيّي قبيلته شمّر لبراءتها منه.

وسوم: العدد 834