لماذا يعادون الإخوان؟
لماذا تعادي هذه الفئات المختلفة في الداخل والخارج: حركة الإخوان المسلمين؟ ومن المسؤول عن هذه العداوة: أهم الإخوان أم الذين يعادونهم؟ رضا الناس غاية لا تدرك: ويهمني أن أبيِّن هنا حقيقتين ناصعتين: الأولى: أن أحدا لا يستطيع أن يرضي جميع الناس، وقديما قالوا في الأمثال: رضا الناس غاية لا تدرك. وقال الشاعر: ومن في الناس يرضي كل نفس وبين هوى النفوس مدى بعيد؟ وقال الآخر: إذا رضيت عني كرام عشيرتي فلا زال غضبانا على لئامها! وفي الآثار الإسرائيلية: أن موسى سسس قال: يا رب، كفَّ عني ألسنة الناس، ورضِّهم عني، قال: يا موسى هذا شيء لم أختصه لنفسي، فكيف أجعله لك؟! وكذلك جعلنا لكل نبي عدوًّا: والحقيقة الثانية: أن الكون كله قائم على التباين والتقابل، فالنهار يقابله الليل، والنور يقابله الظلام، والخصب يقابله الجدب، والبصر يقابله العمى، والحياة يقابلها الموت. وكذلك الحق يقابله الباطل، والهدى يقابله الضلال، والتوحيد يقابله الشرك، والتقوى يقابلها الفجور، والمؤمنون يقابلهم الكفار، والمتقون يقابلهم الفجار، وهذه سنة الله في خلقه. ولهذا خلق الله آدم وإبليس، وإبراهيم ونمرود، وموسى وفرعون، ومحمدا وأبا جهل، وأكَّد القرآن هذه الحقيقة بقوله تعالى: {كَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا شَيَٰطِينَ ٱلۡإِنسِ وَٱلۡجِنِّ يُوحِي بَعۡضُهُمۡ إِلَىٰ بَعۡضٖ زُخۡرُفَ ٱلۡقَوۡلِ غُرُورٗا} [الأنعام: 112]. وقال تعالى: {وَكَذَٰلِكَ جَعَلۡنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّٗا مِّنَ ٱلۡمُجۡرِمِينَۗ وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ هَادِيٗا وَنَصِيرٗا} [الفرقان: 31]. وإذا كان في الناس من عادى الله تعالى، خالقهم ورازقهم ومدبر أمرهم كما قال تعالى: {يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ} [الممتحنة: 1] فبيَّن أن هناك أعداء لله تعالى، فكيف يطمع المخلوق ألا يكون له أعداء مهما تكن صفحته بيضاء؟ فيكيف بجماعة جاءت بدعوة لها أهداف ومبادئ لا يمكن أن يرضى عنها كل الناس؟ إن هناك أناسا وجدوا في هذه الدعوة قيودا على سرقاتهم وأطماعهم ومصالحهم وامتيازاتهم، فلا غرو أن يعادوا دعوة الإخوان؛ دفاعا عن مصالحهم التي كسبوها بالباطل، ولكنهم لا يعلنون ذلك بصراحة، بل يغلفون ذلك بأغلفة شتى، حتى لا تظهر لصوصيتهم ولا فجورهم للناس. وهناك آخرون رأوا في دعوة الإخوان: قيودًا على ملذاتهم، وشهواتهم المحرمة، من الخمر والميسر والنساء، وغيرها مما تتيحه لهم الأنظمة الوضعية، فهم لذلك يقاومون هذه الدعوة التي تضيِّق عليهم ما كان موسَّعا لهم، على طريقة قوم لوط الذين دعاهم إلى الإيمان والطهارة من القذارة، فقالوا: أخرجوا آل لوط من قريتكم إنهم أناس يتطهرون! وهناك من يعادون الإخوان، لأنهم يجهلون حقيقة دعوتهم، ولا يعرفون أهدافها ولا مناهجها ووسائلها، ولا القائمين عليها، وقد قال العرب: من جهل شيئا عاداه، والله تعالى يقول: {بَلۡ كَذَّبُواْ بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلۡمِهِۦ وَلَمَّا يَأۡتِهِمۡ تَأۡوِيلُهُۥ} [يونس: 39]. وقد ساعد الإعلام المعادي للإخوان - في الغرب والشرق ومن الداخل والخارج - على تشويه صورتهم وتجهيل الناس بحقيقة أمرهم، وإظهارهم في شكل منفِّر، كأنهم يعوقون التقدم، ويرجعون بالناس القهقرى، ويقفون ضد الحريات، ويجمّدون الحياة، ويعادون غير المسلمين، ويريدون أن يعلنوا الحرب على العالم كله. وهناك من يعادون الإخوان؛ لأنهم يعادون الإسلام: رسالته وحضارته وأمته، ويتوجَّسون خيفة من انبعاثه وصحوته، أو يتميَّزون غيظا كلما نهض من عثرته أو قرُب من جمع كلمته، وهؤلاء تحركهم أحقاد قديمة، وأطماع جديدة، ومخاوف دائمة، ونرى هذا يتجسد في القوى الصهيونية، والصليبية والشيوعية، ومن دار في فلكها، وحطب في حبالها فلا يتصور من هؤلاء أن يفتحوا قلوبهم للإخوان، وأن يرحِّبوا بدعوتهم، بل هي مصنفة في قائمة الأعداء أبدا، وهو ما لا نزال نشاهده إلى اليوم. مهما حاول الإخوان أن يبيِّنوا وجه المرونة في دعوتهم، والانفتاح في وجهتهم، ويفتحوا صفحة للحوار مع الآخر ويتبينوا فكرة الوسطية والاعتدال في مواقفهم، حتى اتَّهمهم المتشدِّدون بتمييع الإسلام، وتقديم التنازلات دون مقابل. ومع هذا رأينا الغرب المعادي والمتأثر باللوبي الصهيوني، يزداد بعدا كلما ازددنا منه قربا، ويخوِّف من الصحوة الإسلامية وممَّا سمَّاه «الخطر الإسلامي» الذي أطلق عليه «الخطر الأخضر»، بل غدا يحذر من «الإسلام المعتدل» بعد أن كان يحذر من «الإسلام المتطرف» ويقول: إن الإسلام المعتدل أشد خطرا؛ لأنه أبقى أثرا وأطول عمرا. ومن كان عميلا لهذه القوى المعادية للإسلام وأمته، أو من عبيد فكرها، وأسارى فلسفتها، فهو يحتضن أفكارها، ويروج أخبارها، عن وعي وقصد أو عن تقليد كتقليد القردة، ومحاكاة كمحاكاة الببغاء. ومثل هؤلاء: من يعادي الإخوان - ممن ينسب إلى أبنائه - لأنه يعادي الإسلام ويكره الإسلام، وإن تسمَّى بأسماء أهله، فهو لا يحب للإسلام أن يسود، ولا لأمته أن تقود، ولا لدولته أن تعود، ولا ذنب للإخوان لدى هؤلاء إلا أنهم يدعون إلى الإسلام، ويجاهدون في سبيله. ولكن من مكر هؤلاء الكارهين للإسلام ولتعاليمه وشرائعه: أنهم لا يستطيعون أن يظهروا أمام الناس على حقيقتهم، ولا أن يكشفوا اللثام عن وجوههم، وأن يعلنوا عن عداوتهم للإسلام، فلا غرو أن يصبُّوا عداوتهم كلها على الإخوان، ويفرغوا كل أحقادهم وكراهيتهم في جماعتهم، تنفيسا عن الحقد والبغضاء لهذا الدين. وهؤلاء لا علاج لهم ولا دواء لأحقادهم، إلا أن يتخلى الإخوان عن الإسلام وعن الدعوة إليه وعن جمع الأمة عليه، هنا يكونون سمنا على العسل، ويصبحون موضع الرضا والقبول. وقديما قال معاوية: أستطيع أن أرضي كل خصومي إلا واحدا! قيل: من هو؟ قال: الحاسد، لأنه لا يرضى إلا زوال نعمتي( ). وكذلك تستطيع أن ترضي أي خصم بطريقة وأخرى إلا من يكره الإسلام، فهذا لا يرضيه إلا سقوط راية الإسلام، وانطفاء جذوة الإسلام {يُرِيدُونَ أَن يُطۡفُِٔواْ نُورَ ٱللَّهِ بِأَفۡوَٰهِهِمۡ وَيَأۡبَى ٱللَّهُ إِلَّآ أَن يُتِمَّ نُورَهُۥ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡكَٰفِرُونَ} [التوبة: 32]. وفي مثل هؤلاء جاء قوله تعالى: {وَلَن تَرۡضَىٰ عَنكَ ٱلۡيَهُودُ وَلَا ٱلنَّصَٰرَىٰ حَتَّىٰ تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمۡ} [البقرة: 120]. أي: لا يرضيهم شيء إلا ترك الإسلام تماما والدخول في دينهم، وهو مستحيل. ولقد بيَّن القرآن نية أعداء الإسلام الكارهين له، فقال عز من قائل: {وَلَا يَزَالُونَ يُقَٰتِلُونَكُمۡ حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْ} [البقرة: 217]. فانظر إلى هذه الصيغة :{وَلَا يَزَالُونَ} التي تشعر بالاستمرار، وإلى الهدف، {حَتَّىٰ يَرُدُّوكُمۡ عَن دِينِكُمۡ} والمعركة دائرة الرحى ومستمرة، ما دام في الدنيا حق وباطل، وإيمان وكفر. ومن فضل الله تعالى أن قال {إِنِ ٱسۡتَطَٰعُواْ} فقيدها بـ «إن» الشرطية التي تفيد التشكيك، ولن يستطيعوا إن شاء الله، وعندنا آيات ثلاث في كتاب الله تبشرنا بأن الله سيظهر الإسلام على الأديان كلها {هُوَ ٱلَّذِيٓ أَرۡسَلَ رَسُولَهُۥ بِٱلۡهُدَىٰ وَدِينِ ٱلۡحَقِّ لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦ وَلَوۡ كَرِهَ ٱلۡمُشۡرِكُونَ} [التوبة: 33، الصف: 9]. {لِيُظۡهِرَهُۥ عَلَى ٱلدِّينِ كُلِّهِۦۚ وَكَفَىٰ بِٱللَّهِ شَهِيدٗا} [الفتح: 28]. اللهم منزل الكتاب، ومجري السحاب، وسريع الحساب، وهازم الأحزاب، اخذل أعدائك وأعداءنا المتربصين بنا، الكائدين لنا. اللهم اجعل كيدهم في نحورهم، ورُدَّ سهامهم المسمومة إلى صدورهم. اللهمَّ اهدنا صراطا مستقيما وأنصرنا نصرا عزيزا، {رَبَّنَا لَا تَجۡعَلۡنَا فِتۡنَةٗ لِّلۡقَوۡمِ ٱلظَّٰلِمِينَ 85 وَنَجِّنَا بِرَحۡمَتِكَ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡكَٰفِرِينَ} [يونس: 85، 86]. وصلِّ اللهم على سيدنا وإمامنا وأسوتنا وحبيبنا ومعلمنا محمد، وعلى آله وصحبه ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وسوم: العدد 836