هنا تورا بورا.. "الجزيرة" سابقاً
هنا تورا بورا.. "الجزيرة" سابقاً
وحديث عن النضال في الأماكن الملتهبة!
سليم عزوز
‘كل ما أقول التوبة، ترميني المقادير’، بحسب الأغنية الشعبية القديمة، التي لا أعرف مطربها وصاحب كلماتها. فكلما قررت التوقف عن الكتابة حول قناة ‘الجزيرة’، حرصاً على أعصاب سلطة الانقلاب في مصر، وجدت من الغواية، ما يدفعني الى ذلك دفعاً، وقد قدمت ‘أم بي سي مصر’ عرضاً ساخراً في الأسبوع الماضي، صار حديث الناس، كان عنوانه: ‘العائدون من الجزيرة’، بشكل ذكرني بالتنظيمات الجهادية في فترة التسعينيات ومن أول ‘العائدون من أفغانستان’ الى ‘العائدون من ألبانيا’.
اذاعة ‘صوت العرب’، كانت سباقة في ذلك عندما قدمت لمستمعيها برنامجاً حمل عنوان ‘العائدون من جزيرة الشيطان’، وبالرغم من صيغة الجمع في العنوان، إلا أن من شارك كان ضيفاً واحداً، ربما هو العنصر المشترك بين كل البرامج التي تستضيف الذين عادوا من ‘الجزيرة’، ولدينا معلومات أن طوني خليفة يستعد الآن لتقديم حلقة عن هؤلاء، الذين عادوا من ‘الجزيرة’، في قناة ‘ القاهرة والناس′ المملوكة لصهر وزير الدفاع، والمرشح الرئاسي ‘الضرورة’، بحسب قول الاستاذ هيكل ‘عراب الانقلاب الشهير’.
يبدو لي أن جهة ما تدير هذا الملف، في اطار خطة تشويه ‘الجزيرة’، والتشهير بها، لأنها أوجعت سلطة الانقلاب، وجعلت انقلابهم كهشيم تذروه الرياح، لاسيما وأن الغالبية العظمى من الشعب المصري تضبط الارسال على قناة ‘الجزيرة مباشر مصر’، حتى أولئك الذين تماهوا مع قوة الانقلاب الغاشمة، ولي صديق يعمل بالمحاماة، ويتردد بحكم عمله على أقسام الشرطة، وقد أخبرني أنه دخل ثلاثة أقسام في يوم واحد فوجد أجهزة التلفزيون فيها مضبوطة على ‘مباشر مصر’. التي لها نصيب الأسد من الهجوم في برامج ‘المسابقات’ عن ‘العائدين من الجزيرة’، و’المتفرجون من القاهرة’.
هيكل سبق له أن ندد بـ ‘الجزيرة مباشر مصر’ كفكرة، وقال في حضرة لميس الحديدي، إنه لا يوافق على أن دولة ( يقصد قطر) تصنع اعلاماً موجهاً لدولة أخرى. واللافت أنه وضع القاعدة، ولم يلتزم بها، فلم يرفض وجود ‘روتانا مصرية’، و’أم بي سي مصر’، ولم يقل لنا رأيه في الفضائيات المملوكة لدول خليجية وتعمل عبر وكلاء مصريين، وهي معروفة للجميع بالاسم.
ما علينا، فهيكل مثل غيره، صاحب مواقف مزدوجة وأحكام انتقائية، ومثله في ذلك كمن يهاجمون قطر، لأسباب مرتبطة بعلاقاتها الخارجية ويتعاملون مع دول خليجية أخرى كما لو كانت تنتمي الى جبهة الصمود والتصدي، والي دول الممانعة في سالف العصر والأوان!
بعد كسر الانقلاب
يبدو لي أن الجهة التي تقوم على اعلام التعبئة في مصر الآن قد وجهت الفضائيات الخاضعة لإرادتها وتركت التفاصيل بحسب رؤية كل محطة، وكان لافتاً ان أتلقى اتصالاً هاتفياً من صديق يخبرني بأن مسؤولاً بقناة تلفزيونية قد طلب منه التوسط عندي بحيث يحتكرني حصرياً، كما لو كنت مسلسلاً تركياً، ببطولة مهند، لكي أروي تجربتي مع ‘الجزيرة’ على أن أحدد مكافأة الاحتكار بنفسي، وقلت له بعد كسر الانقلاب إن شاء الله، وعلى وعد بأن هذا سيكون مجاناً، حينها تهرول ناحيتي عموم الفضائيات من أجل الاشادة بـ’الجزيرة’ ودورها في فضح الانقلاب وكسره.
الآن فان إعلام الثورة المضادة يقود حرباً شرسة ضد ‘الجزيرة’، ويطارد العاملين فيها ‘دار دار.. زنقة زنقة’، ولم يسلم من المطاردة الأمنية طاقم قناة ‘الجزيرة’ الانجليزية، الذي ظن أنه في مأمن من المطاردة، فظل يمارس عمله في القاهرة، إلى أن تم القبض عليه بزعامة المرشد العام للإخوان المسلمين الخواجة ‘بيتر’، وقالت سلطات الأمن إن المقبوض عليهم اعترفوا بالانتماء للجماعة الارهابية.
هذا العداء بدأ في إطار خطة الانتقام من كل من له علاقة بثورة يناير، وباعتبار الانقلاب الذي وقع في مصر يوم 3 تموز/يوليو الماضي، استهدف العودة بالبلاد الى عهد مبارك، ولا تصدق الدعايات الكاذبة عن الدور التاريخي لقادة الانقلاب في الانحياز لثورة يناير، أو انهم كانوا ضد التوريث ووجدوا في الثورة ضالتهم، فلم تصدر اشارة، من المجلس العسكري تفيد الاعتراض أو التململ، وجمال مبارك وبمناسبة 50 عاماً على نصر اكتوبر ألقى محاضرة في الاستراتيجيات العسكرية على قادة القوم وسط تصفيق منهم، وهم لم يأتوا الى مواقعهم بالانتخاب، فقد عينهم فيها حسني مبارك، والذي كان عندما يجد شعبية لأحدهم في الشارع يقوم بعزله، كما فعل مع أبو غزالة، وكما فعل مع مجدي وهيبة قائد الأركان.
‘الجزيرة’ انحازت للثورة منذ جمعة الغضب، وقد جاء مقالي المنشور في هذه الزاوية يوم السبت 29 كانون الثاني/يناير 2011، يلفت الانتباه عن تخلي ‘الجزيرة’ عن الثورة المصرية في بدايتها، فقد كنت مشغولاً يوم 25 كانون الثاني/يناير وهو اليوم الاول للثورة، في سؤال كل من يأتي الى ميدان التحرير، عن تغطية ‘الجزيرة’، وكان الرد أن ما قمنا به هو مجرد خبر هامشي في ذيل نشرة الأخبار طوال اليوم. وهو ما وقفت عليه بنفسي عندما جلست على احد المقاهي بعد يوم طويل، واستمعت الى نشرة الأخبار على ‘الجزيرة’، فاذا بالاهتمام منصباً على مشاجرة محدودة بين الطوائف في لبنان.
الموقف من الثورة
25 كانون الثاني/يناير كان يوم ثلاثاء، وفي يوم الخميس التالي له كتبت هذه الزاوية: ‘ فضائيات وأرضيات’ متأثراً بمشهد عدم اكتراث ‘الجزيرة’، فلما جاءت جمعة الغضب 28 كانون الثاني/يناير كانت ‘الجزيرة’ هي لسان الثورة، وصوتها النابض، واليها يرجع الفضل في حماية الميدان يوم موقعة الجمل، ومن خلال كاميرا رصدت على مدار الساعة محاولة شبيحة أهل الحكم لاجتياح الميدان، وقيامهم بالاعتداء على الثوار، وهنا تجلت شجاعة شباب الاخوان المسلمين، الذي حمى الثورة وحمى الميدان. أما أنا فقد كانت مهمتي حمل الماء والطعام وادخاله لميدان التحرير ومن أقر بضعفه غفر له ربه.
عندما نشر مقال السبت 29 كانون الثاني/يناير متأثراً بأجواء تجاهل الثلاثاء 25 منه، جاءت تعليقات بعض القراء تفيد أن ‘الجزيرة’ وقفت مع الثورة، متأثرة بالاهتمام الذي حدث في اليوم السابق، وهو يوم جمعة الغضب 28. لكن زاوية السبت التالي كانت كاشفة عن موقف ‘الجزيرة’، وقد حملت المقال عنوان: ‘عندما أصبحت الجزيرة صوت الثورة المصرية’.
موقف ‘الجزيرة’ المنحاز هو ما حولها الى هدف للثورة المضادة في 3 يوليو، والمدهش أنه عندما تم اقتحام مكتبها في القاهرة كان البث المباشر ينقل للمشاهدين صوت ثلاثة من المنحازين للانقلاب، لكن العقاب كان يتم بأثر رجعي، والانتقام كان يتم على قواعد حكم مبارك، ونظام المخلوع كان قد اغلق مكتب ‘الجزيرة’ بالقاهرة، ومن الطبيعي أن تعاديها الثورة المضادة، التي استهدفت عودة نظام مبارك، لذا رأينا مؤخراً رموز هذا العهد وكأنهم من الأجداث الى الساحة السياسية ينسلون!
عندما وقع الانقلاب نقلت ‘الجزيرة’، و’القدس′، و’اليرموك’، و’الحوار’، و’الأقصى’، الصورة التي يراد لها ألا تبث، فالجماهير كانت محتشدة في رابعة والنهضة لا يضرها من ضل، وكان النقل هو ما ساهم في افشال الانقلاب، وبدأت الحرب على ‘الجزيرة’.
اللافت أن من كانوا ضيوفاً على ‘الجزيرة’ بشكل مستمر، منذ أن بثت ارسالها، تعاملوا معها على أنها الشيطان الرجيم، وأخرجوا من دائرة الوطنية ضيوفها، من الطرفين، دون اعتذار عن قبولهم الاستضافات المتكررة في السابق، ودون ان يردوا المكافآت التي حصلوا عليها بعد أن تبين لهم الرشد من الغي. وهم كانوا يظهرون على شاشاتها أكثر من المذيعين العاملين فيها، ولما جاء عبد الفتاح فايد مديراً لمكتبها خلفاً لحسين عبد الغني، ورث عنه أجندة الضيوف وأرقام الهواتف، ولم يجتهد، مخافة الاتهام بأنه يجامل أصدقاءه، وغير المدونين في الاجندة، كنت اذا رأيت منهم أحداً على الشاشة فأعلم انه وقع عليه الاختيار من قسم المقابلات في الدوحة، فمكتب القاهرة كان يخشى خطأ المجتهدين، بل أنه اذا كانت الأجندة سياسياً محددة بحسب مقاس جهاز الأمن، فان من منعوا امنياً، قبل الثورة وهذا مبرر، استمر منعهم بعد الثورة.
الفضيحة
وربما كانت المقاتلة أخف وطأة من ضيف ‘أم بي سي مصر’ الآخر، الذي هبط بمستوى الحوار، فلم يجد ما يقوله في سيناريو التشويه، غير أنه كان على عكس الضيوف الموالين للشرعية، والذين يأكلون هم وضيوفهم على حساب ‘الجزيرة’، وأنهم يحلقون على حسابها في حين أنه حلق شعر رأسه الشريفة، بمائتي دينار، مع أن الريال هو العملة القطرية المعتمدة، وكما لو كان يقيم في الدوحة ويحلق في الكويت!
هبوط، دفع ‘الجزيرة’ أن ترد عليه بتقرير ساخر، تم بثه في برنامج ‘ المشهد المصري’، فحول الموالين للانقلاب الى فضيحة يتغنى بها الركبان، وذكر أن القواعد المالية واحدة وهي تسري على الجميع، وأحد الضيوف من هذه النوعية كشف في اتصال هاتفي من القاهرة أن الموالين للانقلاب كانوا يطلبون منه التوسط من أجل أن يستمروا في الدوحة الى آخر الأجلين.
واذا جاز للبعض أن يسعد بهذا الهبوط ويرده الى انحطاط مستوى ضيوف ‘الجزيرة’ من المنحازين للانقلاب، فيكون الرد عليهم بأن من ابدوا استعداداً لتحويل الامر الى مسخرة لا يمثلون شيئاً مذكوراً بجانب عدد الضيوف الذين رفضوا المشاركة في المهزلة التي تتبناها محطات اخرى منافسة، وبعضها يعمل بتوجيهات من جهة أمنية!
كل يبكي على ليلاه، وليست ‘ام بي سي مصر’ تعمل وفق التوجيهات السالفة الذكر، لكنها نائحة ثكلى، بعد فشلها في المنافسة، وانصراف الجمهور عنها حتى بعد استعانتها بمنى الشاذلي، وبدلاً من أن تهتم ببناء نفسها عملت على هدم الآخرين!
ما علينا، فلمعلوماتكم الشخصية، أنا لا أحب النضال في الأماكن الملتهبة، ولكني أجد نفسي في النضال في الأماكن الناعسة، ولهذا فقديما كانت تعجبني إذاعة بغداد لأنها تنهي إرسالها مبكراً بعبارة نتمنى لكم نوماً هادئاً وأحلاماً سعيدة، ويبدو أن الفريق السيسي كان يستمع اليها مثلي عندما رأى السادات في ما يرى النائم وبشره بحكم مصر. ليلتكم سعيدة.