مقارنة بين خطاب الرئيس الشرعي وخطاب مغتصب السلطة
لابد للإنسان وهو يستمع لخطاب الانقلابي عبد الفتاح السيسي المغتصب للسلطة أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها الرابعة والسبعين التي افتتحت يوم الثلاثاء الماضي 24 أيلول 2019، والذي كان على مقاسه وحجمه وليس على مقاس مصر وحجمها، إلا وأن يستذكر كلمة الرئيس الشرعي محمد مرسي التي ألقاها قبل أربع سنين في نفس المحفل وفي نفس المناسبة ليجد البون الشاسع بين خطاب الرجلين من حيث الشكل والمضمون، ففي حين بدأ مرسي خطابه بالتأكيد على انتمائه للإسلام واعتزازه بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، حيث بدأ قائلا:
" بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، الذي نحبه ونتبعه، ونحب من يحترمه، ونعادي من يمسه بسوء من قول أو عمل، صلوات ربي وتسليماته عليه، الذي وصفه ربه في قرآنه العظيم فقال: " وإنك لعلى خلق عظيم"، وقال الله تعالى أيضا عن الرسول: "وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"، صدق الله العظيم". في حين حرّض السيسي في خطابه دول العالم على الإسلام السياسي والإسلام فوبيا والتطرف الديني، وكأنه لا يمت للإسلام والعروبة بأي صلة؛ لا من قريب ولا من بعيد.
وعن قضية العرب والمسلمين الأولى "القضية الفلسطينية" فقد أظهر السيسي بكل وضوح؛ أنه يدين الفلسطينيين ويهتم بـ"المواطن الإسرائيلي" دونه.
قال السيسي في معرض حديثه عن القضية الفلسطينية: "وأستطيع بضمير مطمئن أن أؤكد ما سبق وذكرته على هذا المنبر في السنوات الماضية، من أن العرب منفتحون على السلام العادل والشامل، وأن المبادرة العربية للسلام لاتزال قائمة، وأن الفرصة ما زالت سانحة لبدء مرحلة جديدة في الشرق الأوسط".
وسبق وقال السيسي في كلمته في الدورة الثانية والسبعين جملتان لا تزالان محل تندر وسخرية من قبل مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي؛ قال فيهما: ""أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي جنباً إلى جنب مع أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي"، و"أدعو الشعب الفلسطيني لقبول التعايش مع الإسرائيليين في أمان".
اللافت أن الجملة الأصلية في الخطاب، حسب ما نشرت المواقع الإخبارية المؤيدة للسيسي، في حينها، كانت "جنبا إلى جنب أمن وسلامة المواطن الإسرائيلي"، لكن ناشطين رأوا أنها زلة لسان تعبر عن حقيقة اهتمام السيسي بأمن المواطن الإسرائيلي من وجهة نظره، دون أي اهتمام بأمن المواطن الفلسطيني، والتي أقل ما يقال فيها أنه يساوي بين الضحية والجلاد.
هذا ما قاله الانقلابي السيسي عن القضية الفلسطينية، أما ما قاله في نفس المناسبة ومن نفس المنبر الرئيس الشرعي محمد مرسي عن القضية الفلسطينية: إن "عقودا طويلة مضت منذ أن عبر الشعب الفلسطيني عن عزمه استعادة كل حقوقه، وبناء دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشريف".
وأضاف الرئيس مرسي أنه "وبرغم جهاد هذا الشعب المتواصل وتبنيه لجميع الأساليب المشروعة للحصول على حقوقه وقبول ممثليه بقرارات الشرعية الدولية كأساس لحل كل مشاكله، رغم كل ذلك تظل هذه الشرعية الدولية والقرارات الأممية مع كل أسف عاجزة حتى اليوم عن تحقيق أمال وتطلعات شعب فلسطين وتظل كل هذه القرارات بعيدة عن التنفيذ".
وقال: "إن ثمار الحرية والكرامة لا ينبغي أن تكون بعيدة عن شعب فلسطين الشقيق، وإنه لمن المشين أن يقبل العالم الحر استمرار طرف في المجتمع الدولي في إنكار حقوق أمة تتوق إلى الاستقلال على مدي عقود مهما كانت المبررات، ومن المشين أيضا أن يستمر الاستيطان في أراضي هذا الشعب الفلسطيني، وتستمر المماطلة في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية".
وأضاف الرئيس مرسي: "انني ومن منطلق الدفاع عن الحق والحرية والكرامة، والكرامة الإنسانية، ومن منطلق واجبي نحو الأشقاء في فلسطين أضع المجتمع الدولي أمام مسئولياته التي تحتم تحقيق السلام العادل والشامل، وإنهاء جميع مظاهر احتلال الأراضي العربية وتطبيق القرارات الدولية ذات الصلة".
وطالب الرئيس محمد مرسي في كلمته بضرورة "التحرك وبشكل جاد ومن الآن لوضع حد للاحتلال والاستيطان ولتغيير معالم القدس المحتلة"، داعيا إلى "سلام يؤسس دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة ويحقق أمنا واستقرارا طال انتظاره لجميع شعوب المنطقة".
وعند حديث السيسي عن الوضع في سورية قال: إن "الحل السياسي في سورية، بات ضرورة ملحة لا تـحتمل المزيد من ضياع الوقت، والاستمرار في الحلقة المفرغة، التي تعيشها سـورية منذ ثمانية أعوام، إن مصر إذ ترحب بالإعلان عن تشكيل اللجنة الدستورية، فإننا نطالب ببدء عملها بشكل فوري ودون إبطاء كخطوة ضرورية نحو التوصل لتسوية سياسية شاملة، وفقـا لقرار مجلس الأمن رقم (2254)، وبما يحقق وحدة سورية وسلامتها الإقليمية وسلامة مؤسساتـها، ووقف نزيف الدم، والقضاء التام على الإرهاب"، ولم يتطرق السيسي إلى المأساة التي تعيشها سورية بل ساوى بين القاتل والمقتول؛ وبين المجرم السفاح والمواطن السوري الضحية المهان، والمستباح دمه، والمهجر في آفاق الأرض، والنازح الملتحف السماء والمفترش الأرض، كما سبق وساوى بين الصهيوني الجلاد والفلسطيني الضحية، ومن المعروف والمؤكد أن السيسي قدم الدعم والسلاح والذخائر لبشار الأسد نمرود الشام وسفاحها، وقدم التسهيلات اللوجستية لحلفائه الروس والإيرانيين، ووقف إلى جانبهم في المحافل الدولية.
ولو عدنا لما قاله الرئيس الشرعي محمد مرسي عن القضية السورية لوجدنا الحالة تختلف بين رجل يقف إلى جانب أقرانه من الطغاة والمتمردين على شعوبهم وينظر للأمور من منظارهم، وبين رجل متألم على كل ما جرى ويجري في سورية، فقد قال والألم يعتصر قلبه ويهز ضميره وكيانه:
"لابد ونحن نتكلم في هذا المحفل الدولي أن نتناول القضية التي باتت تؤرق العالم كله، ألا وهي نزيف الدم والمأساة الانسانية في سورية".
وقال: "إن نزيف الدم الذي ينبغي أن يتوقف فوراً هو شاغلنا الأول؛ إن الدماء التي تسيل على أرض سورية الحبيبة أثمن من أن تهدر هكذا ليل نهار".
وقال الرئيس مرسي: إن "الشعب السوري الشقيق العزيز على قلب كل مصري ومصرية يستحق أن يتطلع لمستقبل تتحقق له فيه الحرية والكرامة، وقد كان هذا جوهر التحرك الذي بادرت باقتراحه في مكة المكرمة خلال شهر رمضان الماضي، وأكدت عليه في مناسبات لاحقة درءً للأسوأ، درءً لمعاناة شعب سورية، وتحول الصراع إلى حرب أهلية شاملة لا قدر الله، يتطاير شررها إلى ما يتعدى سورية ودول الجوار المباشر".
وأضاف: "لقد شرعت مصر بالفعل مع الدول الثلاث الأخرى المعنية بمبادرتي في عقد لقاءات أظهرت وجود العديد من القواسم المشتركة، وسوف نستمر في العمل لوضع حد لمعاناة شعب سورية، واتاحة الفرصة لكي يختار بإرادته الحرة بعد أن ينتهي هذا النظام الذي يقتل شعبه ليل نهار، سيختار الشعب السوري بإرادته الحرة نظاماً للحكم يعبر عنه ويضع بلاده في مكانها بمصاف الدول الديمقراطية، لتستأنف إسهامها في مسيرة العمل العربي المشترك؛ ودورها الاقليمي والدولي على أسس شرعية قوية".
وتابع الرئيس مرسي إن "هذه المبادرة ليست مغلقة على أطرافها بل هي مفتوحة أمام كل من يريد أن يساهم إيجابيا في حل الأزمة في سورية، هذه الأزمة كلنا مسؤولون عنها، وهذه المعاناة لابد وأن نتحرك جميعا في كل العالم لوقفها، وإنها مأساة هذا العصر، وواجبنا أن نوقف المأساة".
وقال الرئيس الشرعي محمد مرسي في كلمته لمعالجة الوضع في سورية: "إن مصر ملتزمة بمواصلة ما بدأته من جهد صادق لإنهاء هذه المأساة الدائرة على أرض سورية؛ في إطار عربي واقليمي ودولي، إطار يحافظ على وحدة تراب هذا البلد الشقيق، ويضم جميع أطياف الشعب السوري دون تفرقة على أساس عرقي أو ديني، أو طائفي، ويجنب سورية خطر التدخل العسكري الأجنبي، والذي نعارضه".
وما قاله الرئيس الشرعي محمد مرسي عن القضية الفلسطينية والقضية السورية أمام كل من حضر هذا المحفل الكبير من رؤساء وملوك دول العالم؛ هزّ دوائر الكيان الصهيوني وحماته ومناصريه من دول الغرب والشرق، وكذلك هز كيان المتصهينين من عرب اللسان، فسارعوا مجتمعين على التآمر عليه والإطاحة به وبحكمه، في مسرحية أعدوا لها إعداداً دقيقاً ومغلفاً بجماهير من عوام مصر، ثم ساقوه إلى السجن ونصبوا له محاكمات أراجوزية تفتقد إلى أي نوع من العدالة القانونية والشرعية، ولما أحسوا بخطر وجوده وهو في زنازينهم وخلف قضبان سجونهم عجلوا بالقضاء عليه في جريمة لن يغفرها لهم شعب مصر مهما طالت أيام الحكم بهم وبزبانيتهم.
وسوم: العدد 844