السيادة : بين الحقيقية .. والزائفة !

الحديث عن السيادة ، قديم وكثير، في تاريخ الأمم ، عامّة ، وفي تاريخ أمّتنا العربية ، خاصّة، في جاهليتها ، وفي إسلامها !

نماذج من السيادة الحقيقية :

نفسٌ عصامٍ سوّدت عصاما : وفدَ النابغة الذبياني ، الشاعر، إلى ملك الحيرة ، النعمان بن المنذر، وطلب من الحاجب ، وكان يسمّى عصاماً ، أن يدخله على الملك ، فنصحه الحاجب بالتريّث ، وألاّ يدخل على الملك ، حتى يهيّء له فرصة الدخول ! فانتظر النابغة ،حتى أخبره الحاجب ، أن الملك مستعدّ لاستقباله ! وبعد دخوله على الملك ، وإسماعه ماقاله فيه من مدح، أجزل له الملك العطاء ! وحين خرج ، مدحَ الحاجبَ عصاماً ، ببيتين من الرجز، هما :

نفسُ عصام سوّدت عصاما   وعلّمتهُ الكَرّ والإقداما

وصيّرته بطلاً هُماما         حتى علا ، وجاوزَ الغماما

فصارعصام ، بعد هذين البيتين ، مضرب مثل ، في السيادة الذاتية ، التي يصنعها صاحبها لنفسه ؛ فيقال : فلان عصاميّ ، أيْ : صَنع مجدَه ، بنفسه ، لنفسه .. وفلان عظاميّ ، أيْ : ورث المجد ، عن آبائه وأجداده ، الذين صاروا عظاماً بالية ، في قبورهم !

ونحن أناس لا توسّط بيننا : قال أبو فراس الحمداني ، في الفخر بنفسه وقومه :

ونحن أناسٌ لاتوسّط بيننا    لنا الصدرُ ، دون العالمين ، أو القبرُ!

وكان لبني تغلب ، التي منها بنو حمدان ، قوم الشاعر، شأن كبير، في الجاهلية والإسلام ، وكان أبو فراس ، نفسه ، وابن عمّه سيف الدولة ، وأقاربه في حلب والموصل .. من أصحاب الشأن هؤلاء!

نماذج من السيادة الزائفة :

السيادة الوراثية ، لغير المؤهّل لها : وهي السيادة ، التي يرثها المرء ، عن أسلافه ، وهو تافه ، أو أحمق ، أو بليد ، أو لئيم ؛ فيستغلها في السوء ؛ سواء في حياته الخاصّة ، أم في تعامله مع الناس ، فيُهلك مَن يخضع لسيادته ، من قبيلته ، أو حيّه ، أو دولته ! وهذا نوع من السراة ، الذين قال عنهم الشاعر:

لايَصلحُ الناسُ فوضى ، لا سَراةَ لهم    ولا سَراةَ ، إذا جُهّالهم سادوا !

السيادة الانقلابية :

سيادة ماكبث الإسكوتلاندي ، ونظرائه من عرب وغيرهم : مسرحية (ماكْبِث)، للشاعر والكاتب المسرحي الشهير، وليَم شكسبير الإنجليزي ، تُذكّر الناس ، بما هو مثلها ، عند سائر الأقوام ، ماكان قبلها ، أو معاصراً لها ، أوبَعدها ! وملخّصُها : أن ماكبث ، القائد العسكري البارع، قتل ملك بلاده الطيّب ، المحبوب من شعبه ، واستولى على السلطة ، وأعلن نفسه ملكاً، فرفضه الناس ، فأراد أن يخضعهم لسلطته ، بالإكراه والعنف ، فما ازدادوا له ، إلاّ رفضاً وكراهية .. ثمّ احتالوا عليه ، وقتلوه !

ونُظراء ماكبث، الانقلابيون كُثر، في كلّ عصر ومصر، وأمثاله، في عالمنا العربي، معروفون، يُشار إليهم بالبنان !

وسوم: العدد 848