حوار هادف حول حكم الاحتفال بالمولد النبوي ما بين معترض على الاحتفال ومجيز له
الجلسة الأولى :
السائل : السلام عليكم...
المجيز : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
السائل : هل تسمح لي أن نتحاور قليلاً حول مشروعية الاحتفال بما يطلق عليه "ذكرى المولد النبوي"...
المجيز : تفضل يا أخي.
السائل : هل الاحتفال بالمولد النبوي جائز أم ممنوع؟...
المجيز : وما الممنوع فيه؟! بل هو جائز عند جمهور علماء أهل السنة والجماعة.
السائل : ولكنني أرى أنه ممنوع ، فهو بدعة لم يفعلها رسول الله ولا أصحابه ولا الأئمة الأربعة ، ومحبتك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ليست أكثر من محبتهم ، ومع شدة محبتهم لرسول الله ما ورد عن أحد منهم أنه احتفل بمولده...وسأقوم الآن بطرح ثلاثة أسئلة عليك إن أجبتني عنها أوافقك على الاحتفال بالمولد ، وإن لم تجبني عنها ستترك الاحتفال به...
المجيز : أنا موافق ، تفضل.
السائل : الاحتفال بالمولد النبوي طاعة أم معصية؟ ، إن قلت معصية فلماذا تفعلونه؟، وإن قلت طاعة ننتقل إلى السؤال الثاني : هل علم النبي تلك الطاعة أم لم يعلمها؟ ، إن قلت لم يعلمها فقد اتهمت النبي بالجهل ، وإن قلت علمها ننتقل إلى السؤال الثالث : هل بلغ النبي أصحابه بهذه الطاعة أم لم يبلغهم؟ ، إن قلت لم يبلغهم فقد اتهمت النبي بكتمان الرسالة ، وإن قلت بلغهم هات دليلا واحداً؟ ، أجبني إن استطعت...
المجيز : كلامك كلام سفسطائي مقنع ، وسأجيبك بمثل أسلوبك...سأقوم أنا أيضا بطرح ثلاثة أسئلة عليك ، إن أجبتني عنها سأوافقك على عدم جواز الاحتفال بالمولد، وإن لم تجبني ستوافقني على جواز الاحتفال وستترك اعتراضاتك على المسلمين المحتفلين بذكرى ميلاده عليه الصلاة والسلام ، ولكن قبل طرحي لأسئلتي الثلاث أريد أن نتفق أنا وأنت على قضية نبني نقاشنا عليها.
السائل : أنا موافق ، ما هي هذه القضية التي تريدني أن نتفق عليها؟...
المجيز : كيف كان القرآن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، هل كان مجموعا في مصحف واحد ، وهل كان على أحرفه أية نقاط أو حركات.
السائل : لا...
المجيز : من الذي جمع القرآن في مصحف.
السائل : إنه أبو بكر الصديق...
المجيز : من الذي نقط حروف القرآن.
السائل : إنه أبو الأسود الدؤلي...
المجيز : من الذي وضع الحركات على أحرف القرآن.
السائل : إنه الخليل بن أحمد الفراهيدي بأمر من الحجاج...
المجيز : جيد ، إذن نحن متفقان على هذه النقطة.
السائل : نعم ، ولكن إلى أين تريد أن نصل؟...
المجيز : ستعرف الآن...الآن سأبدأ بطرح أسئلتي الثلاث ، هل جمع القرآن وتنقيطه ووضع الحركات على أحرفه طاعة أم معصية ؟ ، إن قلت معصية فلماذا تفعلونه؟ ، وإن قلت طاعة ننتقل إلى السؤال الثاني : هل علم النبي تلك الطاعة أم لم يعلمها؟ ، إن قلت لم يعلمها فقد اتهمت النبي بالجهل ، وإن قلت علمها ننتقل إلى السؤال الثالث : هل بلغ النبي أصحابه بهذه الطاعة أم لم يبلغهم؟ ، إن قلت لم يبلغهم فقد اتهمت النبي بكتمان الرسالة ، وإن قلت بلغهم هات دليلا واحداً؟ ، أجبني إن استطعت.
السائل : تريد الصراحة لقد جعلتني في حيرة...
المجيز : انتظر يا أخي ، لم أنتهي أنا بعد ، مثل هذه الأسئلة الثلاث تطرح في كافة علوم الشريعة الإسلامية ، من فقه وعقيدة وتفسير وحديث ومصطلح وأصول ونحو وصرف وغيرها ، هذه العلوم الشرعية التي لا يستطيع أحد إنكارها هل هي طاعة أم معصية؟ إن قلت معصية فلماذا تتعلمونها؟ ، وإن قلت طاعة ننتقل إلى السؤال الثاني : هل علم النبي تلك الطاعة أم لم يعلمها؟ ، إن قلت لم يعلمها فقد اتهمت النبي بالجهل ، وإن قلت علمها ننتقل إلى السؤال الثالث : هل بلغ النبي أصحابه بهذه الطاعة أم لم يبلغهم؟ ، إن قلت لم يبلغهم فقد اتهمت النبي بكتمان الرسالة ، وإن قلت بلغهم هات دليلا واحداً؟ ، أجبني إن استطعت.
السائل : لقد شوشتني أكثر ، أنا لا أعلم الجواب...
المجيز : اسمع يا أخي ، كل هذه الأسئلة التي طرحناها هي أسئلة خاطئة ، وليس هذا هو الأسلوب الذي تحدد فيه أحكام الشريعة.
السائل : وما هو السؤال الصحيح إذن...
المجيز : السؤال الصحيح أن تسأل : لماذا وضع العلماء كل هذه العلوم والقواعد مع أنها لم تكن في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا في زمن أصحابه؟ ، والإجابة عن ذلك واضحة : فالنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام لم يكونوا بحاجة إلى هذه العلوم ، فهم ليسوا بحاجة إلى علم تجويد لأنهم تلقوا لفظ القرآن عن رسول الله ، وليسوا بحاجة إلى علم نحو لأنه أهل سليقة لا يخطؤون في القراءة بسليقتهم ، وليسوا بحاجة إلى علم فقه لأنهم أخذوا أحكامهم مباشرة من رسول الله، وليسوا بحاجة إلى علم تفسير لأنهم هم أهل الرأي والاجتهاد...وهكذا كافة العلوم...ولكن حينما ابتعد المسلمون عن دينهم وكاد المسلمون أن ينسوا أحكام شريعتهم ، وضع العلماء هذه العلوم والقواعد حتى يحفظوا علوم الشريعة من الضياع ، فنقطوا المصحف حتى يحفظوا قراءتنا لكتاب الله من الخطأ ، ووضعوا قواعد اللغة العربية حتى يحفظوا ألسنتنا من الخطأ في اللفظ ، ووضعوا قواعد الفقه حتى لا تضيع أحكام الشريعة ، وألفوا الكتب في علم الحديث حتى يتميز الحديث الصحيح من الضعيف ، ووضعوا قواعد علم التجويد حتى نقرأ القرآن كما كان يقرؤه رسول الله وأصحابه...وهكذا كافة العلوم الشرعية.
السائل : وما علاقة هذا بما نتحدث عنه...
المجيز : نفس هذا الكلام يقال في المولد الشريف ، فالصحابة الكرام لم يكونوا بحاجة إلى يوم يذكرهم برسول الله صلى الله عليه وسلم ، فهم لم ينسوه أبداً حتى يتذكروه ، كان أحدهم وهو في لحظة الوفاة والتي هي أصعب لحظات الألم تجده يقول : وا طرباه غداً ألقى الأحبة محمدا وصحبه ، لم يكن النبي يخرج من بالهم أبداً ، كانوا أهل محبة وعشق حقيقيين للنبي عليه الصلاة والسلام، ولذلك فهم ليسوا بحاجة إلى يوم يتذكرون فيه رسول الله...ولكننا حينما ابتعدنا عن ديننا ، ونسينا هدي نبينا ، وتغافلنا عن سيرته وشمائله العطرة ، جعل العلماء هذا اليوم لكي يذكروا المسلمين بسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم...إذن فعمل المولد ليس بدعة ، بل هو إحياء لسنة ، وما هو إلا امتثال لقول الله تعالى : {وذكرهم بأيام الله}.
السائل : جزاك الله خيرا يا أخي ، لقد وضحت لي فكرة كنت غافلاً عنها ، ولكنني لن أوافقك الرأي حتى تجيبني عن كل الإشكالات التي تدور في رأسي...
المجيز : لا بأس يا أخي ، سأجيبك عن كل أسئلتك وإشكالاتك في الجلسات القادمة إن شاء الله تعالى.
وسوم: العدد 849