لهذا نُهزم يا سادة!
الذين يُعلموننا حقوق الحيوان، لا يعلمون أننا أمة رائدة في هذا المجال، فالحمار في بلادنا قد يصبحُ رئيساً للدولة!.. أما المثقف، الجامعيّ، الواعي، فكثيره سائق تُكتُك!
وما زلنا نتساءل لماذا نُهزم!
وعلى سيرة الهزائم، يقول ابن القيّم: تاللهِ ما عدا علينا العدوّ إلا بعد أن تخلى عنّا الوليّ، فلا تحسبوا أنّ العدوّ غلب ولكن النّاصر أعرض!
وأقولُ متّكئاً على قول ابن القيّم: أن الأوائل الذين أوصلوا الإسلام إلى عقر أوروبا، ومجاهل أفريقيا، وعمق آسيا، كانوا في الظّاهر يُحاربون لله ولكنهم في الحقيقة كانوا يُحاربون بالله!
يا لحروف الجرّ إذا تناوبت كيف تقلبُ الدّلالة رأساً على عقب! وقبل أن تنقلبوا عليّ آتيكم بمن ترضون دليلاً، فإنّه لما جاء رسول سعد بن أبي وقاص إلى عمر بن الخطاب يبشّره بالنّصر في القادسيّة، سأله عمر: كم استمرّ القتال؟
فقال له الرّسول: من الصبح حتى العصر
فقال عمر: سبحان الله، لا يصمدُ الباطل أمام الحقّ مثل هذا، ولعلّه بذنبٍ أذنبتموه أنتم أو أنا!
لم يسأل عمر الرّسول عن عدد جيش الفُرس وتجهيزاته، ولا عن سيوفهم وأفيالهم، هذه مجرّد تفاصيل صغيرة لا علاقة لها بنتائج المعركة!
إنّ معادلة النّصر التي كانوا يفهمونها تقول: كُنْ لله كما يُحب، يكن لكَ فوقَ ما تُحبّ!
وعندما رأى حمزة بن عبد المطلب جموع قريش يوم بدر، التفتَ إلى حُذيفة بن اليمان وقال له: إنّ كل ما أمامي لا يخيفني، هم أكثر منا عدداً ولكننا بالإيمان أكثر قوّة!
لننتصر ليس لدينا سوى خيارين، أن نحارب بالله أو أن نحارب بأسلحتنا، وهذه الأمّة لم تربح يوماً معركة ركنتْ فيها إلى أسلحتها، حتى يوم حُنين وفيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، هُزموا أول الأمر لأنهم أُعجبوا بكثرتهم، وقالوا: لن نُهزم اليوم من قلّة، فأدّبهم ربُّهم!
نظرة واحدة على معارك الأولين تُريك إلى أيّ مدى كانتْ موازين القوى متفاوتة:
في بدر كان عدد المسلمين ثلاثمئة وثلاثة عشر رجلاً، وعدد جيش قريش ألفاً.
في مُؤتة ثلاثة آلاف مقابل ثلاثمئة ألف، فدبّر خالد أعقد عملية انسحاب في تاريخ الحروب، صحيح أنهم لم ينتصروا، ولكن مجرد نجاة ثلاثة آلاف من ثلاثمئة ألف هو نصر!
في اليرموك ستة وثلاثون ألفاً مقابل مئتين وأربعين ألفاً من الروم.
في القادسية ثلاثون ألفاً مقابل مئتي ألفٍ من الفُرس.
في النهاوند ثلاثون ألفاً مقابل مئة وخمسين ألفاً.
في ملاذ كُرد أربعون ألفاً مقابل مئتي ألف.
في حطين خمسة وعشرون ألفاً مقابل ثلاثة وستين ألفاً.
في وادي لكة كان جيش طارق بن زياد اثنا عشر ألفاً مقابل مئة ألف.
في بلاط الشهداء كان جيش عبد الرحمن الغافقي ثلاثون ألفاً مقابل ثلاثمئة ألف.
يوم كانت الأُمّة تقوم بأمر الله كان الله يقوم بأمرها، ولكننا اليوم تركنا أمر الله حكاماً ومحكومين فتركَنَا!.. يقبلُ دعاءَنا أفراداً، ويكرمنا في أنفسنا وأولادنا بصلاحنا، ولكن أمر الأُمة لا يصلح إلا عندما تصلح الأمة!
كانوا ينتصرون لأنه إذا أهينت امرأة واحدة جهّز الخليفة جيشاً لأجلها! ويُذبحُ المسلمون اليوم على مرمى حجر من حكامنا!
كانوا ينتصرون لأنّ الرّشيد كان يقول لنقفور: يا كلب الروم، الجواب ما ترى لا ما تسمع! واليوم لا شيء لنريه إياهم، يكفي أن نخطب في نيويورك، ونشجب وندين ونستنكر!
كانوا ينتصرون لأن الأولاد لم يعقوا آباءهم.. ولأنّ الأزواج لم يظلموا زوجاتهم..
ولأنّ أرباب العمل لم يأكلوا حقوق مستخدميهم.. ولأن الجيران لم ينهشوا لحم جيرانهم.. ولأنّ الآباء لم يهملوا أولادهم.. ولأنّ الإخوة لم يقاطعوا أخواتهم..
ولأنّ محاكمهم لم تكن تُفرّق بين زوجين متحابين لعدم تكافؤ النسب.. ولأن قوانينهم كانت تسري على القويّ قبل الضعيف.. ولأنّ علماءهم كانوا يدخلون على السلاطين لا يريدون شيئاً من دنياهم، فلا يبيعونهم الفتاوى، وإنما يأمرون بمعروف وينهون عن منكر، ويخرجون ودينهم معهم! كانوا ينتصرون لأنّ قرآنهم دستورهم، فلم يستوردوا دساتيرهم من الثورة الفرنسية، ولم يكتبها لهم مستعمروهم!
نحن اليوم -حكاماً ومحكومين- ظلمة! هذا هو التشخيص الصحيح لحالتنا، والتشخيص الصحيح أوّل خطوات العلاج، وإنّ الله ينصر الدولة العادلة وإن كانت كافرة على الدولة الظالمة وإن كانت مسلمة، كما يقول ابن تيمية!
انظروا إلى حال حكوماتهم مع شعوبهم، وإلى حال حكوماتنا معنا! وإلى حالهم مع بعض، وحالنا مع بعض!
خلاصة القول:
لن يصلح أمر آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أوّلها، كتاب الله وسنة رسوله، وأنّ جهاد الأفراد والجماعات لن يُثمر نصراً حتى يتحوّل إلى جهاد أُمّة، وأنّه إذا أردنا مستقبلاً مشرقاً علينا أن نرجع بأخلاقنا ألفاً وأربعمئة سنة إلى الوراء!
وسوم: العدد 851