رواية ( الخوذ البيضاء) المنهوبة
أكثر ما يشعر المرء بالهزيمة أن تطغى رواية النظام الممانع، وتجد من يتبنّاها ويروّج لها حتى في قلب معارضيه. هذا ما يحدث لحكاية ساطعة من مجريات الحدث السوري، جرى التركيز عليها من أعلى هرم النظام السوري، إلى قاعدته، عندما قرروا أن رجال “الخوذ البيضاء”، “الدفاع المدني”، ما هم إلا “جبهة النصرة”، أو “القاعدة”، وبأنهم ممولون من أمريكا وإسرائيل!
هوجمت الحكاية، التي أحيطت ببعض المصادفات، منها أن مجموعة صغيرة جداً من رجال المنظمة جنوب البلاد اضطروا إثر حصار النظام المتوحش، إلى عبور الأراضي الفلسطينية إلى الأردن بطلب من الأمم المتحدة لإسرائيل.
تجدد الجدل أخيراً بعد وفاة أحد مؤسسي المنظمة، البريطاني جيمس لو ميسورييه في ظروف غامضة في اسطنبول. وكان بشار الأسد من بين من تحدثوا عن الأمر في مقابلة لوكالة “سبوتنيك” الروسي، معتبراً أن الرجل قد يكون قُتل كآخرين قبل أن يفضحوا “أسراراً هامة، وأصبحوا عبئاً وانتهى دورهم وأصبح من الضروري التخلص منهم”.
في حالات مماثلة يكفي أن تقول إن الرجل بريطاني الجنسية (فما بالك ضابط مخابرات سابق!) حتى يكون ذلك دليل إدانة دامغاً، كي يجري تأكيد المؤامرة الكونية ضد النظام.
لكن ما حاجة الناس إلى كل تلك الأدلة فيما هم يرون بالعين المجردة بطولات لا حصر لها لرجال “الخوذ البيضاء”. أبطال وناجون ومشاهد من تحت الأنقاض (كثير منها كان لمشاف ميدانية) تقلع العيون، وكل ذلك موثق بمئات وربما آلاف الفيديوهات، بل إن فيلماً عنهم بلغ الأوسكار واحتل مكانة رفيعة على شاشات العالم.
يقول المثل “بيشوف الذيب وبيقص عالأثر”، ونحسب أن هذا هو حال الممانعين، ومن في حكمهم من “المعارضين”. إنهم يرون الحقيقة ساطعة أمامهم، ويريدون مع ذلك تشغيل مكنات التحليل ونظريات المؤامرة والمخابرات.
في الواقع، من كان بلا قلب ولا ضمير لا يجب أن تتعب معه ولا تشقى.
وسوم: العدد 851