تلبية مطالب المتظاهرين ليس مستحيلا
مركز آدم للدفاع عن الحقوق والحريات
بصرف النظر عن التدخلات الإقليمية والدولية التي جرى رصدها في ساحات التظاهر، فالحق يٌقال إن الأكثرية الساحقة من المتظاهرين هم على حق في مطالبهم. وهذا ليس أمر غير متوقع، بل كل من كان يقرأ الوضع السياسي والاجتماعي في العراق كان قد توقع أن حدثا مهما سيحدث في العراق، وهو يختلف عما سبقه من أحداث، سواء في بغداد أو المحافظات.
ليس الدستور، ولا القوانين، ولا الأنظمة -رغم ما عليها من ملاحظات- كانت الدافع الأول لغضب الشعب، بل إن سوء الإدارة، وعدم الاستماع، وضعف الاستجابة، كانت الأسباب الأبرز وراء خروج التظاهرات الشبابية. فواضح أن الأجهزة الحكومية التنفيذية بواد، والشعب وطليعته من الشباب في واد آخر.
بالله عليكم؛ إذا سلمنا أن منصب الوزير هو منصب سياسي؛ فهل من المنطق أن نأتي بوكلاء للوزير لا يفقهون شيئا عن مهمات الوزارة ولا أهدافها؟ وهل من الحكمة أن يٌدير الوزارة مديرون كانوا كل طموحاتهم أن يكونوا موظفين عادين؛ أو هم بالفعل كانون موظفين عاديين؟ كم من زميل لديكم لا يٌدير نفسه، أصبح بين ليلة وضحاها مديرا عاما، يشرف على توجيه وإدارة مؤسسة كبيرة، تضم مئات الموظفين.
تحدث الكثيرون عن المحسوبية والرشوة تنخران جسد المؤسسة الحكومية من أعلى الرأس إلى أخمص القدمين، وكتبنا غير مرة أن الدولة على حافة جرف هار؛ بسبب المديرين غير الكفؤين المحسوبين على هذه الطائفة أو تلك، أو على هذا الحزب أو ذاك، وهمسنا في آذان بعض المسؤولين -لعلهم يستمون القول فيتبعون أحسنه- إن كرامة المواطنين تهدر على أبواب دوائر الدولة.
وإن مشكلات المواطنين ومعاناتهم لا تجد آذانا صاغية عند مسؤولي الدولة ولا عند موظفيها، بل هناك تعمد في إذلال المواطنين وإهانتهم في كل خطوة يخطونها تجاه المؤسسة الحكومية، وإن مطالب المواطنين كلها تٌسند في الوزارات والمحافظات إلى موظفين مسلوبي الإرادة والصلاحيات، مقابل هذا تحظى الملفات التي لها جنبة مالية واقتصادية باهتمام منقطع النظر من المسؤولين والموظفين الذين لديهم صلاحيات تنفيذية واسعة.
والله؛ ليس من الإنصاف أن نحمل السيد رئيس الوزراء مسؤولية فشل إدارة الدولة، إلا إذا قلنا إن خطأه هو قبوله بالمنصب، بل إن جيش الفاشلين، الذي مازال يقضم العراق من أقصاه إلى أقصاه، هم من أسقط هيبة هذه الدولة وجبروتها، وهم من أضعف مؤسساتها وأذلها. والعجيب إن هؤلاء المستفيدين من كل ميزة حكومية ورسمية، لا ينبسون ببنت شفة، ولا يدافعون عن أعمالهم السيئة، ولا يظهرون كما كانوا يظهرون من قبل (فأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دَارِهِمْ جَاثِمِين) لأنهم يعلمون جيدا، أنهم هم السبب وراء كل ما حدث ويحدث في هذا البلد.
واللافت للنظر أن حكومة السيد عادل عبد المهدي لا يدافع عنها أحد، لا من شركائه الذين جاءوا به، ولا من الذين أيدوا توليه للمنصب، لا من الداخل ولا من الخارج، لا سياسيين، ولا محللين سياسيين، ولا موظفين حكوميين إلا ما ندر، كما كان يفعل الذين سبقوه، حتى هو (رئيس حكومتنا) نادرا ما يدافع عن سياساته وبرامجه، وكأن هذه الحكومة ولدت لا أبا لها ولا أما.
قطعا لسنا نريد أن نحاكم الآخرين على أفعالهم، فلهم مالهم، وعليهم ما عليهم، والله يحكم بيننا وبينهم، ولكن المركب واحد، والمصير مشترك، والضحايا هم مواطنونا، مدنيين كانوا أم عسكريين، وما يسقط من قرابين هو خسارة لنا جميعا، وما أصابنا من فواجع في السنين الماضية ليس ببعيد، بل علينا أن نبحث عن الحلول لتلك الأزمات، ومعالجات لتلك الأمراض المستعصية، وهي ممكنة غير مستحيلة.
لا الخطابات الرنانة، ولا الشعارات الجوفاء، ولا الإنجازات الخرقاء، ولا الوعود الفارغة، ولا أي كلام يصدر من هذا المسؤول أو ذلك يمكن أن يحل الأزمة، أو يفتت المشكلة، أو يخفف من الاحتقان، أو يفرغ الشوارع من الشباب. فلن يستمع أحد لأحد، ولن يحاور أحد أحدا، ولا يعذر أحد أحدا، بل هي مطالب؛ وحاجات؛ وواجبات كانت قد تخلت عنها الدولة والحكومة بمؤسساتها، فتراكمت فخلفت ما خلفت، وعليها أن تدفع ثمن ذلك الإخفاق والفشل.
وقد حان وقت دفع الفاتورة، ولكن أي فاتورة؟ وأي حساب؟ مطلوب دفعه في ظل دخول لاعبين داخليين مغرضين، ولاعبين دوليين انتهازين، أرادوا تصفية حساباتهم على حساب هذا الوطن، وعلى حساب شبابه. الواقع لا أعلم حساب تلك الفاتورة، ولا كيفية دفعه، فربما يلطف الله بنا هذه المرة، ولكن بشرطها وشروطها، وربما يكون الحساب الوطن كله والشعب كله!!
ينبغي على من يتربع على رأس هذا الدولة أن يأخذ زمام المبادرة، وأن يسارع إلى إنقاذ هذا البلد، وإلى احتضان شبابه ممن دُفعوا دفعا، رغما عنهم، إلى حافة الهاوية، فإما العيش بكرامة وإما الموت بشرف، وهم يريدون أن العيش بكرامة؛ ولكنهم لا يجدون لذلك سبيلا. فشبابنا إذا ما شعروا بصدق المسؤول، ولمسوا بعض منجزاته، فإنهم حتما سينحازون إلى جانب هذا المسؤول، ويضعون يدهم بيده، فهلا صدقنا مع هذا الشعب! وهلا حققنا بعض مطالبه!
وسوم: العدد 851