الصحفي العائد مِن الجنَّة!
بينما كنتُ أسير فوق كونيش النيل على عجل؛ استوقفتني إحدى "الهوانم"، وسألتني -على الفور- أرجوك أن تدلَّني على عنوان الصحفي العائد مِن الجنَّة!
فاندهشتُ لسؤالها، وقلتُ لها: عمَّاذا تسألي؟
فقالت بصوتٍ فيه حِدَّة: أسألك عن الصحفي العائد من الجنَّة –يا بني آدم!
فاتهمتُها بالجنون، وتركتها على الفور ... ولمَّا أخبرتُ أحد الزملاء بتلك الواقعة؛ فقال: يعني ألمْ تسمع عن الصحفي العائد من الجنَّة، والذي كتب عن رحلته في ثلاث حلقات متتالية!
فأخذتُ الكلام على محمل السخرية المعتادة، وقلتُ له: كثيراً ما يتمنَّى الناسُ أن يلتقوا بواحدٍ مِمَّن رجع مِن الآخِرة!
وحبَّذا لوْ دخل الجنَّة وطاف بأرجائها؛ ليخبرهم عن المطاعم والمشارب والفواكه، والقصور الذهبية، ويحدِّثهم –أيضاً- عمَّن الْتقاهم مِن أصحاب اليمين، وعن أسمائهم، وبلدانهم، وعن فحوى الأحاديث التي تدور بينهم، وعن أخبار المؤمنين، وكيفية قضاء أوقات الصفاء هناك!
فقال لي: صدِّقني؛ لقد تحققت تلك الأُمنية بالفعل ... فقد زار أحد الصحفيين الجنَّة بالفعل! وقد سمع بأُذُنِه، وشاهد بعينه كلَّ شيء، وسجَّل كل المشاهد التي رآها بنفسه، ولم يترك شيئاً رآه من نعيم الجنة إلاَّ وأخبر عنه ... فسلامٌ عليه مِن صحفي أمين، وإنسان مُخلصٍ صدوق!
بالفعل؛ لقد زار هذا الصحفي الجنَّة! وذكر أسماء مَن الْتقاهم هناك دون أن ينسى أحداً؟
ومِن حُسن حظه، أنه استثمر لقاءاته مع خزنة الجنَّة؛ الذين طافوا به أرجائها؛ فرأى أنهارها، وأسواقها، وأشجارها ... وصعد معهم إلى أعلى عِلِّيين، ورأى الخيام التي حصباؤها مِن المِسك والكافور .. والتي يُشتَمُّ ريحها مِن مسيرة خمسمائة سنة! كما تجوَّلَ بداخل الغُرف التي مِن فوقها غُرفٌ تجري من تحتها الأنهار! وشاهد ما لا عين رأت ولا أُذُنٌ سمعت!
ثمَّ وضع يده على كتفي، وقال –بصوتٍ خفيض-: بلْ مِن براعته الصحفية، وحِسُّه المِهني؛ أنه نجح في الوصول إلى (خازن الجنَّة) الذي أطلعه على أعظم أهل الجنَّة نعيماً ... وهنالك رأى أجمل الأطعمة التي يشتهونها، والفواكه المحبَّبة إلى أنفسهم؟
لقد تجوَّل –الصحفي المحظوظ مع "خازن الجنَّة" بنفسه- وقد سأله عن أهل الفردوس، ومنازل المقرّبين، ومساكن الأبرار .... إلخ.
فابتهج به (رضوان) وسعد بلقائه كثيراً؛ وقد أجابه عن كل ما يدور بخُلْدِه ... فبعض الأماكن، كان يشير إليها بقوله: فيها أكوابٌ موضوعة ونمارقُ مصفوفة، وزرابيُّ مبثوثة
ثمَّ أخذه إلى مكانٍ آخَر، وقال له: هؤلاء دانية عليهم ظلالها وذُلِّلَتْ قطوفها تذليلا !
ثمَّ أطلعه على قومٍ آخَرين؛ وقال له: هؤلاء يُطافُ عليهم بصحافٍ من ذهبٍ وأكواب. وفيها ما تشتهيهِ الأنفُس وتلذُّ الأعيُن .. وهم فيها خالدون!
لمْ أتمالك نفسي وأنا أستمع لتلك الأخبار التي تكاد تذهب بالألباب!
ورحتُ أبحثُ بنفسي وأُتابع بقية ذلك الخبر، وما تركتُ وسيلةً إلاًّ وطرقتها للوصول إلى الحقيقة ... وبعد ثلاث ليالٍ سوياً؛ علمتُ أنَّ أحد الصحفيين "المساكين" ذهب فى الحادية عشرة من صباح الإثنين الموافق/ 12/ 11/ 2019م إلى مجمّع سجون طرة لحضور "المنتدى الثالث للسجون المصرية"، -كما يقول سعادته بالحرف الواحد-: بدعوةٍ تلقيتها من قطاع العلاقات العامة والإعلام بوزارة الداخلية. وحضور المنتدى كان كبيرا خصوصا رؤساء التحرير وكبار الإعلاميين ومقدمى البرامج الفضائية، ورؤساء الهيئات الإعلامية، ومحرِّرى الملف الأمنى فى الصحف والفضائيات المختلفة إضافة لشخصيات عامة، وهناك الْتقيتُ مع مساعد وزير الداخلية لقطاع السجون وقادة السجن، واللواء مساعد الوزير لقطاع حقوق الإنسان، واللواء مساعد الوزير للعلاقات العامة والإعلام. وبرنامج الجولة وضعه مسئولو السجن، وليس الإعلاميين...".
واستطرد –الصحفي- يحكي أحداث رحلته على ثلاث حلقات؛ هيَ أغرب ما نشرته الصحافة!
ففي رحلته المباركة؛ شاهد الحوافز المادية والعوائد الربحية التي تنهال على المساجين من تلك المصنوعات التي يقومون بها، وتحدث –رضيَ اللهُ عنه- عن أنشطة المساجين الاقتصادية، مثل: تربية المواشى، ومشروعات الإنتاج الصناعى والسمكى والطيور فضلاً عن المحاصيل والسلع الغذائية التي يُصدّرونها للخارج. ولمْ ينسَ –قدَّسَ اللهُ سِرُّه- أن يتحدث عن المستشفيات الفخمة والرعاية المركزة والأَسِرَّة، وملاعب كرة القدم، والأنشطة الرياضية، ومزارع النعام!
وقد أسهب في الشرح وهو يتحدث عن وجبات الأطعمة من الكفتة المشوية والكباب، والمشروبات التي هي لذة للشاربين، ومختلف أنواع الرياضة البدنية والترفيه ... إلخ.
عندئذٍ؛ أدركتُ فحوى القصة، ووقفتُ على أصل "النكتة"!
وقد عذرتُ "الهانم" التي زعقتْ في وجهي؛ لعدم معرفتي بالصحفي العائد من جنَّات عدن!
نعم؛ لقد تحدث –الصحفي- عن المُقرَّبين تارة، وتارة أخرى تحدث عن أصحاب اليمين!!
تحية كبيرة لهذا الصحفي الأمين؛ الحريص على وطنه، والغيور على أُمته!
وليس لي سوى عتاب واحد على (رئيس تحرير جريدة الشروق): كيف يترك فراديس "اللِّيمان"، ويختار السكن في أحد الأحياء الشعبية المهدومة حوائطها بعضها فوق بعض!
لماذا يتخلَّى الصحفي (عماد الدين حسين) عن أهله البسطاء في قُرى أسيوط المنسيَّة؟
كيف هانت نفسه أن يتجاهلهم، ولا يجد لهم مكاناً في هذا النعيم المُقيم ب"مُجمَّع سجون طرة"؟
باللهِ عليك يا أستاذ/ عماد حسين؛ لا تترك أهلك الغلابة قبل أن يلفظوا أنفاسهم -واحداً تلوَ الآخَر- وهم يصارعون البأساء والضرّاء؟!
وسوم: العدد 851