موقف مصر المستهجن وغير المبرر من تركيا!
أردوغان وفائز السراج يوقعان اتفاقية تعاون بين أنقرة وطرابلس
وقّع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في السابع والعشرين من شهر تشرين الثاني الماضي، على مذكرتي تفاهم مع رئيس المجلس الرئاسي لـ"حكومة الوفاق الوطني" الليبية فائز السراج، تتعلقان بالتعاون الأمني والعسكري بين أنقرة وطرابلس، وتحديد مناطق النفوذ البحرية، بهدف حماية حقوق البلدين النابعة من القانون الدولي ولا تتعارض معه.
هذه الخطوة الجريئة والسريعة من قبل أنقرة وطرابلس في مجال التنقيب واستكشاف النفط والغاز بشرق البحر الأبيض المتوسط وقبالة السواحل الليبية، أثارت مجدّدا الصراع المتواصل والمتصاعد على استثمارات الطاقة بالمنطقة في ظل سباق ترسيم الحدود البحرية بين بلدان المنطقة من أجل انتزاع أكبر مكاسب اقتصادية ممكنة من الثروات الطائلة في أعماق البحر.
تركيا وليبيا لم تلتفت لما أصاب الآخرين من دول حوض المتوسط من انزعاج غير مبرر، وراحتا تتأهبان في منح المؤسسات والشركات التي سيتم الترخيص لها، للبدء بالعمل في هذا المجال، كما تستكمل الجهات المختصة في البلدين الإجراءات القانونية والفنية، من أجل الإسراع في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه.
الاتفاقية التركية الليبية جاءت رداً على مواقف بعض دول المنطقة
الخطوة التركية الليبية جاءت في مواجهة تحركات أخرى لكل من مصر وقبرص واليونان وإسرائيل، التي تسعى إلى رسم خريطة محددة للحصول على حصص كبيرة من ثروات الغاز والنفط الضخمة في البحر المتوسط، بعيداً عن حق تركيا وليبيا ولبنان في هذا الكنز المكتشف في أعماق شرقي البحر المتوسط.
تركيا من جهتها بدأت بتنفيذ خططها لاستكشاف الغاز والنفط في شرق البحر المتوسط في وقت سابق، رغم معارضة التكتل المضاد الذي تقوده إسرائيل، ويضم كلاً من اليونان ومصر وقبرص اليونانية والاتحاد الاوروبي، ثم استكملت خطواتها مؤخرا بالاتفاق مع الجانب الليبي.
تصريحات بعض المسؤولين الأتراك
وزير الطاقة والموارد الطبيعية التركي، فاتح دونماز، أعلن في تصريحات للصحافيين في مقر الوزارة بالعاصمة أنقرة، أن مؤسسات بلاده المرخص لها سوف تبدأ بأعمال الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز شرق البحر الأبيض المتوسط في إطار الاتفاق التركي-الليبي، وأكد أن مذكرة التفاهم التركية-الليبية حول ترسيم حدود مناطق النفوذ البحرية، أحبطت المحاولات الرامية إلى إقصاء تركيا وليبيا عن المعادلة في شرق المتوسط.
وحسب الوزير التركي فإن تركيا تواصل منذ فترة طويلة أعمال التنقيب والمسح عبر سفنها في شرق المتوسط، وأن عملية التنقيب الخامسة تجري حاليًا جنوبي جزيرة قبرص. وشدّد على أن المذكرة تتوافق مع القانون البحري الدولي.
وأضاف: "ستبدأ مؤسساتنا التي سنمنح تراخيص لها، كما في المناطق الأخرى، أعمالها حول استكشاف وإنتاج النفط والغاز الطبيعي في مناطق النفوذ في إطار الاتفاق مع ليبيا".
وتعليقا على الخطوة التركية الليبية، أكد ياسين أقطاي مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية، أن "بلاده ماضية في تنفيذ مذكرة التفاهم التي وقعتها مع ليبيا قبل أيام، وسيبدأ الاستكشاف وإنتاج النفط والغاز، بمجرد مصادقة برلمان الدولتين على الاتفاق"، وقد حصلت الموافقة في كلاً من المؤسسة التشريعية في كلا البلدين تركيا وليبيا قبل أيام.
من جهته استغرب السيد ياسين أقطاي مستشار رئيس الجمهورية التركية ردود فعل بعض دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة فرنسا، على الاتفاق الليبي التركي، رغم أن أنقرة وقعته مع الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً "حكومة الوفاق الوطني"، وليس مع مجرم الحرب اللواء المتقاعد خليفة حفتر.
الاتفاقية الليبية التركية جاءت وفق إطار القانون الدولي
باختصار تركيا وليبيا وقعتا على مذكرتي تفاهم، إحداها حول تحديد مناطق النفوذ البحرية، ولن تتعديا على حقوق أحد، وذلك ضمن حقوقهما في إطار القانون الدولي".
وقد جدد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان تأكيده على أن الاتفاق المبرم بين بلاده وليبيا حول تحديد النفوذ البحري في المتوسط، "حق سيادي" لكلا البلدين، وقال خلال مؤتمر صحافي بأنقرة، "مجريات الأحداث شرقي المتوسط واتفاقنا مع ليبيا ربما يشكلان إزعاجا حقيقيا لفرنسا، لكننا نؤكد أن الاتفاق المبرم حق سيادي لتركيا وليبيا، ولن نناقش هذا الحق مع أحد".
أنقرة من جهتها بدأت بالفعل في تحديد مناطق النفوذ والسيادة البحرية، وهو ما أشار إليه قبل أيام المتحدث باسم الخارجية التركية حامي أقصوي، قائلا: "جرى تحديد قسم من الحدود الغربية للسيادة البحرية لتركيا شرقي البحر المتوسط، عبر الاتفاقية مع ليبيا".
ولفت أقصوي خلال بيان، إلى "أن تركيا دعت الأطراف قبل توقيع الاتفاقية إلى مفاوضات من أجل الوصول إلى تفاهم عادل، وأن تركيا لا تزال مستعدة للتفاوض".
وأوضح أن "الأطراف اختارت اتخاذ إجراءات أحادية الجانب وإلقاء التهم على تركيا، بدلا من إطلاق المفاوضات معها".
قد تكون الخطوة التركية باتجاه ليبيا، جاءت رداً على "منتدى غاز شرق المتوسط" الذي تم الإعلان عنه مطلع العام الجاري بالعاصمة المصرية القاهرة، وهذا من حقها وحق ليبيا.
منتدى غاز الشرق الأوسط وتجاهل تركيا وليبيا
لقد سبق واجتمع سبعة وزراء نفط في القاهرة بداية السنة الحالية، وأعلنوا عن عزمهم إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط، والسعي لتأسيس منظمة دولية، دون دعوة كل من تركيا وليبيا وقبرص التركية ولبنان، وفي ختام أعمال الاجتماع تم إصدار بيان قالت خلاله وزارة البترول المصرية: "إن الوزراء أشاروا إلى أن الاكتشافات الغازية الكبيرة في الحقول البحرية بشرق البحر المتوسط سيكون لها تأثير عظيم على تطور الطاقة والتنمية الاقتصادية بالمنطقة"، مؤكدين "أن التوسع في الاكتشافات الجديدة والاستغلال الأمثل لها سيكون له بالغ الأثر على أمن الطاقة بالمنطقة".
وقال البيان إن الوزراء اتفقوا على "العمل على إنشاء سوق غاز إقليمية تخدم مصالح الأعضاء من خلال تأمين العرض والطلب للأعضاء، مع العمل على تنمية الموارد على الوجه الأمثل، والاستخدام الكفء للبنية التحتية القائمة والجديدة مع تقديم أسعار تنافسية" إضافة إلى "تعزيز التعاون من خلال خلق حوار منهجي منظم وصياغة سياسات إقليمية مشتركة بشأن الغاز الطبيعي بما في ذلك سياسات الغاز الإقليمية".
لقد كان تأسيس المنتدى يدل على عزم بعض الدول تقاسم ثروات الغاز بمياه شرق المتوسط، بعد اكتشاف احتياطات هائلة بعيداً عن تركيا وليبيا ولبنان.
وحول سبب إقصاء تركيا عن المنتدى، معروف أن موقف أنقرة واضح وحاسم بشأن حقوقها وحقوق قبرص التركية بالغاز، ويعرف الذين اجتمعوا بالقاهرة أن تركيا وصلت سابقاً لدرجة الاصطدام مع سفينة تنقيب إيطالية لولا انسحابها، وأن أنقرة تنقب عن الغاز شرق المتوسط وترسم حدودها، مشيرا إلى أنه لا يمكن أن يكون هناك توافقات أو الاعتراف بالحدود دون تركيا وقبرص الشمالية وليبيا المتوسط.
أنقرة وطرابلس يقلبان الطاولة على تحالف إسرائيل واليونان ومصر
وتعد مذكرة الاتفاق التركي الليبي من أهم المذكرات التي قلبت الطاولة على كل من يريد إخراج تركيا من معادلة غاز المتوسط، خصوصا التحالف الرباعي "اليونان، مصر، قبرص الرومية وإسرائيل" الذي أقصى تركيا خلال المنتدى الذي عقد بالقاهرة مطلع العام الجاري، كما نوهنا.
المكاسب التي حققتها الاتفاقية التركية الليبية
كما تقوم مذكرة التفاهم بإعطاء تركيا الحق الكامل لكي يكون هناك حدود بحرية مشتركة، بين سواحل جنوب شرق تركيا "منطقة فتحية " وشمال شرق ليبيا "درنة" على مساحة 250 ميلاً بحرياً طولاً حسب خبراء أتراك ودوليين.
كما أبطلت المذكرة مع ليبيا مشروع خط الأنابيب الإسرائيلي لتصدير غاز شرق المتوسط إلى أوروبا، وسيضطر للمرور من الحدود الليبية التركية المشتركة، موضحا أن الاتفاق مع ليبيا أعاد 45 ألف كلم لمصر كانت ستذهب إلى كل من اليونان وإسرائيل، والأهم أن تركيا ستكون حجر أساس في كل ما يمكن ترسيمه بالحدود البحرية شرق المتوسط وضمان حق القبارصة الأتراك بذلك.
كما أعطت الاتفاقية منفذا بحرياً إقليميا مشتركا سيمكن تركيا وليبيا من تبادل تجاري بحري لكل ما يلزم من معدات وتجهيزات وسلع.
على الجانب الليبي تسعى طرابلس إلى الاستفادة من الاتفاق الجديد مع تركيا عبر زيادة إنتاج النفط والغاز ورفع الإيرادات لدعم اقتصاد البلاد المتأزم بسبب الاضطرابات والحرب.
ختاماً قد نجد مبرراً لاعتراض اليونان وإسرائيل وفرنسا لهذا الاتفاق كون هذه البلدان تناصب تركيا العداء، فما المبرر في اتخاذ مصر لهذا الموقف المشين والمستهجن تجاه تركيا، وتفضيلها الانضواء في حلف يجاهر بالعداء لتركيا، وهي الدولة المسلمة وصاحبة التاريخ المشترك لمصر لمئات السنين؟!
وسوم: العدد 854