ثورة العراق تنتصر رغم المكر الإيراني والصمت العربي
منظر رهيب تقشعر منه أبدان العصابات الحاكمة وهم يشاهدون المظاهرات المليونية في ساحة العز والكرامة، ساحة التحرير وقد امتلأت بالأحرار الذين يهتفون: (منصورة يا بغداد). وبات يمكننا القول: إن الحكومة الفاسدة والميليشيات المجرمة قد سقطوا جميعًا بشكل فعلي. ولا نحتاج سوى الإعلان عن حكومة إنقاذ وطني على يد الأحرار.
ويمكننا القول: مبروك للشعب العراقي الثائر الذي تحمّل الظلم طويلًا وتجرّع الويلات من الخونة الذين باعوا ضمائرهم وشرفهم لإيران والأجنبي...
فهذا الرفض الشعبي لكلّ الأحزاب الإرهابية فضلا عن العصابة الحاكمة التي مازالت تقتل بالشعب حتى وصل عدد الشهداء إلى أكثر من ٨٠٠ شهيدًا وأكثر من ١9٠٠٠ جريحًا أغلبهم في حالة خطره، فضلًا عن مئات المخطوفين الذين يُعاملون بطريقة وحشية يندى لها جبين الإنسانية.
إن قطرة دم من عراقي واحد هي أغلى من إيران كلها ومن أذنابها، وإن الانتفاضة المباركة التي استمرّت أكثر من أربعين يومًا قد ميزّت الصفوف إلى فريقين؛ فريق يمتلك (المال والسلطة والسلاح والمكر والخداع...) لكنه عار من الوطنية والانتماء للعراق، وفريق ثان: لا يمتلك سوى الإرادة الوطنية في التحرر من الظلم والقهر والحرمان...
يتحدث القتلة والفاسدون في مؤتمراتهم ومن خلال وسائل الإعلام عن إجراء انتخابات مبكّرة وتشكيل حكومة جديدة واختيار البديل المناسب، وهذا يعني بقائهم في السلطة! وبقاء هؤلاء القتلة يعني بقاء المحاصصة الطائفية، وبقاء الفساد مستشريًا في مفاصل الدولة، وبقاء التمييز العنصري والطائفي، وبقاء الفقر والتهميش والاقصاء وكبت الحريات، وبقاء ألوف الأبرياء في السجون...
والثورة ما جاءت إلا للقضاء على كل هذه الممارسات الجائرة والعناوين الباطلة، فإجراء انتخابات أو تشكيل حكومة في هذه المرحلة ستكون في صالحهم وستشكّل على مقاسات تلك الأحزاب الطائفية العميلة وهذا يعني أنّ كل شيء منذ الاحتلال عام 2003 وحتى يومنا هذا سيبقى على وضعه، وبالتالي ستستمر المأساة والمهزلة والمعاناة، ويستمر التجهيل والاستخفاف بحقوق الشعب المشروعة. إن أهداف الثورة واضحة كالشمس ولا محيد منها، وفي مقدمتها طرد كافّة الأحزاب الطائفية التي قادت البلاد والعباد إلى الدمار والخراب والفتن...
فالاحتلال الأمريكي هو من سلّم العراق لإيران وفتح الأبواب مشرعة لها وللصوص ومبدّدي المال العام، ما شجع الذين كانوا يتحينون الفرص للانقضاض على تلك الأموال حيث وفرّ لهم نظام المحاصصة الطائفية الحماية اللازمة. إن فشل الحكومات التي أنتجها الاحتلال وإصرارها على المشروع الطائفي والتقسيمي أضعف العراق وأهدر ثروته مما أدى إلى هذا الاصطفاف الوطني المتسامي فوق الطائفية والعرقية.
إن الإصرار على استخدام القوة وفتح النار على المتظاهرين يعكس هلع السلطة السياسية وخوفها الشديد بعد فشل حكوماتها المتعاقبة في تلبية حاجات العراقيين من أمن واستقرار وحفاظ على أموالهم التي نهبت.
منذ انطلاق الاحتجاجات في الأول مِن تشرين الثاني الماضي وحتى الآن، والقتل مستمر وكأن ساحات الاحتجاج أرض المعارك الكبرى، لكنها معركة غير متكافئة، إنها مبارزة المسلّح مع الأعزل!!!
إن ما يعانيه العراق من ضائقة مالية، وعجز في الميزانية حيث عجزه عن سداد ديونه التي قاربت 145 مليار دولار وبالتالي توقفت مشاريع البناء والإعمار نتيجة حتميه لضياع تلك الاموال التي كان من المفترض أن تحمي العراق من أي أزمة طارئه!!!
هناك محاولات من إيران وأذنابهم للالتفاف على جهود الشباب المنتفضين من خلال إسقاط حكومة عادل عبد المهدي مقابل قيامهم بتشكيل حكومة تضم الثلة المجرمة نفسها، بحيث يتم التضحية بعادل عبد المهدي ليكون كبش فداءٍ، وتأتي ببديل من أعضاء نادي المحاصصة، وبالتالي سيكون الحلُّ كالمستجير من الرمضاء بالنار!
لقد جربت إيران عن طريق أذنابها اختراق الثورة في محاولات كثيرة، ولكن يقظة الشباب الثائر أفشلت كل تلك المحاولات. ومن هذه المحاولات:
1. حاول التيار الصدري دخول التظاهرة رغم الرفض الشعبي ليعتلي أكتاف الشعب ويسقط التظاهرات، وإذا جوبه بالرفض الشعبي سيغير الخطة للإطاحة بالحكومة وتسلم رئاسة الوزراء وتمييع كافة مطالب الشعب لتبقى مخططات إيران مستمرة! ولكن يقظة الشباب الثائر أفشلت هذا المخطط الماكر.
2. واستخدموا الطرف الثالث الذي يقتل المتظاهرين السلميين باستخدام قنابل الغاز والقنص والرصاص الحي وهم المليشيات الولائية (الخرساني والنجباء وكتائب حزب الله العراقي) التي تتبع نظام ولاية المرشد الإيراني وتلتزم بأوامر قاسم سليماني قائد فيلق القدس فقنابل الغاز القاتلة إيرانية الصنع. بل إن عادل عبد المهدي، ونجاح الشمري وباقي أعضاء حكومته مجرد بيادق وصناعة إيرانية ليس لهم لاحول ولا قوة!
3. أرسلوا مندسين يستخدمون السلاح الأبيض لطعن المتظاهرين من الخلف، لكن تم كشف نواياهم وجوبهوا بالصمود والإصرار على استمرا الثورة.
4. وأخيرا استخدموا مسلحين ملثمين يستقلون سيارات مدنية رباعية الدفع، قد فتحوا النار بشكل عشوائي من مسافات قريبة على المحتجين، الجمعة 6/11، لتخيم حالة من الهلع على أجواء المتظاهرين في ساحة الخلاني، القريبة من جسر السنك. وارتفعت حصيلة ضحايا احتجاجات الجمعة إلى 25 قتيلا و130 مصابا، وفق ما ذكرت مصادر عراقية.
لقد جربوا كل هذه الأعمال الإجرامية ضد الشباب الأعزل الذي يطالب في إعادة السيادة للعراق والكرامة للمواطن العراقي... لكن كيدهم لم يثني الشباب الثائر عن مطالبه بل زاده إصرارًا!!
فانتقلت إيران إلى محاولة الالتفاف من خلال استخدام أذنابها في البرلمان عن طريق التشريعات القانونية لاحتواء الثورة في تعديل بعض القوانين والتشريعات الترقيعية ظنًا منها أنها ستنطلي على الثوار!!! تحاول إيران استغلال تعديل الدستور، لصالحها ولتعزيز نفوذها. فدستور العراق وثيقة مزورة فهو مليء بالألغام والمطبات، ومراجعة الدستور العراقي من أجل طمأنة المحتجين الغاضبين مطبّ كبير تريده إيران كي تضعف سيادة العراق. وهناك شك في رغبة النخبة العسكرية الإيرانية -التي ترى العراق مجرد جزء من مشروع جيوسياسي- في استغلال تعديل القانون الأساسي العراقي.
تجدر الإشارة إلى أن المطلب الأساسي للمتظاهرين ليس هو الإصلاح الدستوري، إنما الغاء العملية السياسية برمتها لعدم شرعيتها.
وفعلا فقد باشرت أذرع إيران في البرلمان في إصدار بعض التشريعات حيث أصدر البرلمان العراقي، خلال جلسته التي عقدت الإثنين 28 أكتوبر 2019، قرارات جديدة وصفت بـ "غير المسبوقة"، وأنها ما كانت لتتم لولا ضغط التظاهرات على الحكومة والبرلمان، ومختلف الكتل السياسية في البلاد، وتهدف في مجملها إلى تهدئة الاحتجاجات التي تصاعدت بشكل خطير منذ انطلاق ثورة تشرين.
ومن أهم هذه القرارات المضي بإجراءات تعديل الدستور، وحلّ مجالس المحافظات، وإلغاء الامتيازات المالية للرئاسات الثلاث وكبار مسؤولي الدولة، بمن فيهم النواب في البرلمان والوزراء ووكلاؤهم والمدراء العامون ورؤساء الهيئات. وأخيرا قانون المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وقانون الانتخابات الجديد المزمع إصداره في الأسبوع القادم.
والسؤل الذي يطرح نفسه أين كانت الحكومات المتعاقبة خلال 16 عاما منذ الاحتلال البغيض إلى اليوم لتصدر عشرات القرارات خلال أيام لإرضاء الثوار؟
إلى الشباب الذين اتخذوا ساحة التحرير وساحات المحافظات مكاناً ليعبروا فيه عن رأيهم، إلى المحرومين والمعذبين، إلى كل من أنهكه الجوع والحرمان والحاجة، إلى كل المهمشين؛ (لا تتراجعوا).
نعم؛ للأحزاب الحاكمة سطوة، وللفساد عند أصحابه نشوة، لكن كونوا على يقظة وحذر لا تغرنكم بعض العمائم التي نزلت إلى الساحة، لا تنخدعوا ولا تنجروا وراء شعارات رنانة بل انظروا إليها بعين الحذر. لا تحاوروا الحكومة فهي غير شرعية كونها شاركت في قتل المتظاهرين وخطفهم...
ولا تحاوروا البرلمان الذي ساند الحكومة وخدع الشعب بقرارات لا تطبق وليس لها سند قانوني.
لا تحاوروا رئاسة الجمهورية لأنها ساندت الحكومة والبرلمان وكان كلامها انشائيا للتسويق الإعلامي وتسويف مطالب المتظاهرين.
المطلوب لإنقاذ العراق وإعادة سيادته وكرامته؛ إلغاء العملية السياسية بالكامل، وطرد الوجود الإيراني و طرد عملائه من كل أرض العراق، فالعلاج الناجع للداء المستفحل ليس في توفير الأمصال واللقاحات، وإنما في ردم المستنقع الحاضن للجراثيم: ردم مستنقع المحاصصة، وإقامة حكومة إنقاذ وطنية مؤقتة تمهيدا لإجراء انتخابات نزيهة بإشراف دولي، وإعادة كتابة الدستور الذي يحفظ للعراق سيادته وكرامته، وفتح ملفات الفساد والسرقات الخرافية، وعدم السماح للمشبوهين بمغادرة العراق بغية محاكمتهم لإيقاع العقاب اللائق بجرائمهم واستعادة ما سرقوه...
هذا ما يجري على أرض العراق من تأمر على الشعب والوطن، أمام أنظار كل العالم ولكن عتبي على الدول العربية، التي باعت العراق بل ساهمت في احتلاله، وكأنهم لم يكتووا بحقد إيران!
ويبقى السؤال المحير: لماذا تقف الدول العربية صامتة إزاء ما يجري في العراق؟ لماذا لا تقف صراحة وعلنا في وجه كل هذا الإرهاب الإيراني المباشر وما تخطط له من جرائم؟ لماذا لا تنصر الشعب العراقي وتدعم انتفاضته الوطنية العربية؟
هل تنتظر الدول العربية حتى تنفذ إيران مخططها الإجرامي فعلا وتذبح شعب العراق، ثم تكتفي بالإدانة بعد ذلك؟ الجواب متروك للإيام وسيجب عنه شباب العرق قريبا ان شاء الله، وما النصر الا صبر ساعة.
وسوم: العدد 854