ألا يجدر بالأنظمة العربية التي تقر بمشروعية حراك شعوبها أن تبادر بالرحيل عوض التشبث بالسلطة والتلويح بالتهديد والوعيد ؟
تتوالى أيام الحراك في الجزائر ولبنان والعراق ، والأنظمة التي يستهدفها هذا الحراك متشبثة بالحكم ،وهي تقر بأن شعوبها محقة في ذلك ، أفلا يجدر بها مع إقرارها بمشروعية ما تقوم به شعوبها أن تحزم أمتعتها بلا رجعة عوض التشبث بالحكم ، والتلويح بالتهديد والوعيد ، وتبرير ما يحدث من قتل للمتظاهرين كما هو الحال في عراق الدماء ، أو ما يحدث في الجزائر من ملاحقات واعتقالات وتخوين واتهام ، أو ما يحدث في لبنان من جدل بيزنطي بين زعماء الطوائف في عالم تجاوز الطائفية بقرون ؟
إن التخوين والقذف والقدح الصادر عن وزير الداخلية الجزائري بوصفه الشعب بالخيانة والارتزاق والشذوذ والمثلية لمجرد أنه خرج إلى الشارع للمطالبة بحقه المشروع في اختيار من يحكمه ، وبحقه في محاكمة من أساءوا تدبير شؤونه لأمر مثير للاستغراب ، ذلك أن الشعب يرفض أن يحكمه مسؤولون مستبدون فاسدون نصبتهم وتدعمهم فرنسا محتلة الأمس وصاحبة المصالح المستمرة في الجزائر، وعليه فإن المستحق للعبارات القدحية التي فاه بها وزير الداخلية تنطبق على هؤلاء ، و هو ما يعبر عن الشعب الجزائري بطريقة مؤدبة في صيغتها ومصيبة في المقتل بدلالتها حين يصف من يستبدون بحكمه بجنرالات فرنسا الذين شاخوا ،ولكنهم لا زالوا يعضون على السلطة بالنواجذ .
إنه لم يعد تباكي هؤلاء بدموع التماسيح على الجزائر مجديا وهم سبب خرابها ، وقد أوصلوا بلد ثروات البترول والغاز وخيرات أخرى إلى طريق مسدود أفقر الشعب فقرا مدقعا بنهبهم خيراته وسلبها ، وتهريب الأموال إلى الخارج ، وبسط أيديهم على كل المرافق المدرة للدخل ، فهل توجد خيانة للجزائر كهذه ؟ وهل يوجد ارتزاق أكبر من هذا ؟ وهل يوجد شذوذ أخس من هذا ؟ أليس من وصف الشعب المطالب باسترداد سيادته المسلوبة واحد من نظام فاسد يجب أن يبادر بالرحيل ، وأن الوصف الذي فاه به ينطبق عليه ؟
إن الشعب الجزائري المظلوم ضاق ذرعا بصرف أمواله في باطل كما هو الشأن مع عصابة المرتزقة في تندوف الذين يحتجزون بؤساء في أسوأ ظروف على الإطلاق في المعمور ، ويمارسون كل الجرائم من فساد واغتصاب وسكر ونهب وسلب وإجرام ومتاجرة في المخدرات إلى غير ذلك مما يرويه من يفلت من جحيم معتقل تندوف . ماذا جنى الشعب الجزائري من صرف المستبدين بالحكم أمواله على مرتزقة البوليساريو لعقود ؟ وماذا جنى من إغلاقهم الحدود عليه غرب البلاد ، وحرمانه من أرحام له مع أشقائه المغاربة فقطعوها ؟ وهل النخب المثقفة والحقوقية والنقابية من الشعب الجزائري التي وقفت مؤخرا عند النقطة الحدودية العقيد لطفي مع المغرب نخبة خائنة وعبارة عن مرتزقة وشواذ ومثليين ؟ إن وعيها ومستوياتها الثقافية والعلمية تفوق مستوى وزير الداخلية ومستوى من يغتصبون السلطة في البلاد من ضباط ومخابرات ، ولا تستقيم ألسنتهم حين يتحدثون بالعربية لأنهم حركيون كما يقول الشعب الجزائري قد رضعوا لغة المحتل .
إن كل المؤشرات تدل على أن الوضع في الجزائر عائد ـ لا قدر الله ـ إلى ما كان عليه خلال عشرية الدماء التي راح ضحيتها ما يقارب من سقطوا شهداء إبان الاحتلال الفرنسي البغيض ، علما بأن جنرالات فرنسا هم من سنوا سنة قمع الشعوب ، فمنهم تعلم السيسي في مصر ، وبشار في سوريا ، ومنهم تعلم حكام العراق الطائفيون وغير هؤلاء من المستبدين الذين يواجهون مطالب الشعوب بحقها في اختيار من يحكمها بالحديد والنار عوض الرحيل عنها .
إلى متى سيتشبث هؤلاء بالسلطة ؟ وإلى متى سيتهربون من محاكمة الشعوب لهم ؟ وإلى متى سيظل الغرب المتبجح برعاية الديمقراطية في العالم وحقوق الشعوب في تقرير مصيرها وحقوق الإنسان يتفرج على الشعوب العربية المطالبة باختيار من يحكمها ، ويدعم ويساند ويعقد صفقات الابتزاز مع الحكام المستبدين؟ ألا يخجل هذا الغرب من نفسه أمام شعوبه وأمام الشعوب العربية وقد سقط قناعه وتبين أنه إنما يذر الرماد في العيون حين يتبجح برعاية الديمقراطية والعدالة في العالم وهو أول ناهب لمقدرات الشعوب المستضعفة ، وهو من ينصب المستبدين فيها ويدعمهم ؟
لقد جرب المستبدون في الجزائر أسلوب قمع الشعب وأهدروا دماءه في العشرية الدموية، ولم يجدهم ذلك نفعا لأن الشعب الجزائري عاد للانتفاض عليهم من جديد ، ولن يخيفه التهديد أو الوعيد ، ولا بد أن يحاكم من ظلموه وما ذلك إن شاء الله تعالى ببعيد .
ولن ينفع تهديد كل من يهددون الشعوب العربية المطالبة بحقها في اختيار من ترضاه ، وبحقها في محاكمة المفسدين من الحكام ، وإن هؤلاء يخشون نجاح شعب عربي واحد في نضاله ،لأن ذلك سيؤذن بنجاح كل الشعوب العربية وبرحيلهم المخزي ، لهذا يصرف حكام فاسدون في الوطن العربي أموالا طائلة حتى لا تنجح تجربة واحدة لشعب عربي واحد يتخلص من الاستبداد والفساد لأن ذلك نذير شؤم بالنسبة إليهم ، وهو شؤم واقع بهم لا محالة ،لأن الشعوب العربية قررت أن تكسر القيود وتطرد الاستبداد ، وتسترجع حريتها وسيادتها وحقوقها المسلوبة مهما كلفها ذلك من تضحيات .
وسوم: العدد 854