هل تشهدُ العلاقات التركية ـ الروسية انفصالًا بسبب إدلب ؟

في خطابه ظهيرة يوم الجمعة: 31/ 1/ الفائت، أمام نواب العدالة و التنمية، ظهر الرئيس أردوغان، و ملامح التوتر و الانزعاج بادية على ملامحه و كلماته، ممّا تشهده إدلب، كمنطقة خفض تصعيد، خاضت تركيا و روسيا من أجل أن تكون تتويجًا للعلاقات المتنامية بينهما في شتّى المجالات، حيث خاضتا " 14 " جولة في أستانا، ناهيك عن اتفاق سوتشي الشهير في: 17/ 9/ 2018، بخصوص الحالة التي ستكون عليها ريثما يتبلور الحلّ السياسيّ لسورية.

لقد وجَّه رسالته الأخيرة إلى بوتين: " لقد أخذ صبر تركيا ينفد بخصوص ما تشهده إدلب، و إنّه إذا لم تتوقّف العمليات العسكرية هناك، فستكون تركيا مضطرة لخوض عملية عسكرية فيها ".

يبدو أنّ الرئيس التركي قد باتَ متيقَّنًا من مراوغة الروسي، و أنّه بات يستغل الضمانة التركية للفصائل بشكل غير مقبول لدى الأتراك، و أنّه قد جعل من بعض بنود اتفاق سوتشي، ذريعة للتصعيد في إدلب، ففتحُ الطرق الدولية، و الفصل بين العناصر الإرهابية و الأخرى المحلية، أمرٌ لا صلة له بما تقوم به روسيا من التصعيد، الذي فاقت فيه القذائف المدفعية و الصاروخية و الجوية " 19 ألف  قذيفة ".

و تشير مصادر متابعة للشأن التركي، أنّ تركيا باتت تأخذ على محمل الجد محتوى الرسالة التي حملها الممثل الأميركي للشأن السوري، و المبعوث الخاص إلى التحالف الدولي، جيمس جيفري، بأنّ واشنطن أوضحت مرارًا للرئيس التركي، أنّه لا يمكن الوثوق بالرئيس الروسي، وذلك على خلفية هجوم روسيا وحلفائها المستمر على إدلب، منذ بداية شهر يناير الفائت.

وقال جيفري في مؤتمر عبر الفيديو: " لقد أوضحنا لأردوغان عدة مرات بأن جهوده لعقد صفقات مع الروس في شمال شرق سورية وشمال غرب سورية، لن تجدي نفعًا، وأنا بنفسي قلت له: لا يمكنك الوثوق ببوتين. وها هو بنفسه يرى نتائج ذلك الآن ".

و كشفت صحيفة " قرار " التركية عن تزايد التوتر بين تركيا وروسيا، وسط خيبة أمل لدى الرئيس أردوغان من التصرفات الروسية والحملة العسكرية على ريفي إدلب وحلب.

ففي مقال له أشار مصطفى كارالي أوغلو، إلى أنّ تصريحات الرئيس أردوغان تشير إلى أنه وصل إلى نقطة لا مفر منها من اتخاذ إجراءات جديدة شمال سورية، ونوَّه إلى أن أنقرة تعيش أزمة كبيرة بسبب التصرفات الروسية في إدلب، و أنّ تهديداته الأخيرة بتحرك عسكري في سورية، كانت الرسالة والنداء الأخيرين إلى روسيا، للتوقف عن عملياتها العسكرية في شمال سورية، و بأنّه يجب الأخذ بعين الاعتبار، أنّه إذا لم تتم الاستجابة من روسيا لنداء تركيا، فإن البلدين على أبواب توتر في العلاقة بينهما.

و في مقال له في صحيفة " صباح " الموالية للعدالة و التنمية، أشار د. كمال عنات، أستاذ العلاقات الدولية في جامعة سقاريا، إلى أنّ أحد الأسباب الرئيسة في التقارب التركي- الروسي، كان انعدام الثقة بالولايات المتحدة بسبب سياساتها في سورية، ليتبيَّن لاحقًا أنّ سياسة موسكو فيها لا تختلف عن واشنطن.

لقد أرادت أنقرة من التقارب مع موسكو، من خلال المزيد من التعاون الوثيق في المجالين الاقتصادي والأمني، خلال السنوات الماضية، أن تجعل من نفسها بيضة القبان في علاقات الناتو مع روسيا، و أن توصل رسالة إلى أمريكا، بعدم الضغط عليها أكثر، فالبديل الروسي بات في متناول اليد.

ففي لقاءاته ومحادثاته، مع نظيره الروسي منذ 2016، التي زادت على " 16 " لقاء، و هو الأمر الذي لم يحصل مع أيّ من الرؤساء الآخرين، سعى الرئيس أردوغان لأن يتجاوز مفهوم " المصلحة " في العلاقات الدولية إلى مرحلة " الثقة "، ليتبيّن له لاحقًا أنّ هذا الخاطر لم يكن في ذهنية الرئيس بوتين، الذي نسف جميع تعهداته بخصوص إدلب، و ضرب بها عرض الحائط، على غرار ما كان منه في التفاهمات الأخيرة حول انسحاب الوحدات الكردية من منبج و مناطق تل رفعت، و تسليمها إلى القوات التركية و الفصائل الموالية لها من الجيش الوطني.

و هو يرى أنّ المصلحة المشتركة لا تعني خرق الاتفاقات بين البلدان، وهو ما تفعله الآن موسكو في سورية، بانتهاكها التزاماتها في أستانا و سوتشي.

و عليه فإنّ على روسيا التقاط رسالة أردوغان جيدًا، و ألّا تستمرئ اختبار صبر تركيا، وعليها التعامل معها بشكل مختلف، و حملها على محمل الجد.

فأنقرة تولي اهتمامًا كبيرًا للحفاظ على الشراكة مع روسيا في المسألة السورية، غير أنّ تصرفات موسكو في إدلب باتت تزعج أنقرة كثيرًا، و غير مستبعدٍ أن تصل إلى مرحلة الانفصال الجدّيّ، بعد تلويحها بعمل عسكريّ في إدلب.

إذْ كيف يمكن لروسيا أن تكون شريكًا موثوقًا به لدى تركيا؛ إذا لم تمتثل للاتفاقات الموقَّعة معها بخصوص إدلب؟

و عليها أن تأخذ الاتصالات المكثفة بين الرئيس التركي ونظيره الأمريكي، والمستشارة الألمانية، على محمل الجِدّ بعد الآن، و تقرأها بشكل مغاير عمّا سبق.

وسوم: العدد 862