التدمير الذاتي للتعاون الأمني مع الصهاينة
نشرت وسائل إعلام تابعة لحركة "حماس" في غزة تفاصيل حول تعاون ضباط مخابرات فلسطينيين مع الصهاينة لاستهداف القائد الميداني بهاء أبو العطا في تشرين ثاني (نوفمبر) 2019. وقد أسفر التعاون عن استشهاد القائد الفلسطيني المجاهد وزوجه، وإصابة ابنه بجراح. وقد خسرت المقاومة الفلسطينية وحركة الجهاد الإسلامي بالتحديد قائدا ميدانيا ذكيا ثأر لشعبه بقوة من الصهاينة.
ملابسات اغتيال أبو العطا
تابعت ما تم نشره من تحقيقات في غزة حول ملابسات الاغتيال، وظهر من خلال الاعترافات التي أدلى بها من قُبض عليهم أن فلسطينيين تابعين لجهاز المخابرات التابع للسلطة الفلسطينية في رام الله قد تعاونوا بشكل مستمر مع قياداتهم في رام الله، وأن القيادات كانت ترسل المعلومات التي كانوا يحصلون عليها مباشرة إلى أجهزة الأمن الإسرائيلية. تحدث المقبوض عليهم عن الأوامر التي كانوا يتلقونها وعن سهر الليالي التي أمضوها يراقبون بيت الشهيد وتحركاته وزائريه، الخ. وتحدثوا عن التوجيهات الريماوية التي كانت تُطلب منهم إلى حد قيام الصهاينة بعمليتهم العسكرية ضد الشهيد.
التنسيق الأمني مع الصهاينة منصوص عليه في الاتفاقيات بوضوح وصراحة، ومطلوب من السلطة الفلسطينية ملاحقة الإرهاب والإرهابيين (أي المقاومة الفلسطينية)، ومحرّم عليها ملاحقة العملاء والجواسيس الذين عملوا لصالح الأمن الصهيوني.
نفت حركة "فتح" ما ورد من اعترافات على شاشات التلفاز واتهمت حركة "حماس" بالكذب والتضليل. وقد كان الفارق واضحا، وكما اعتدنا أن نرى، "حماس" تقدم معلومات واضحة وموثقة وخصومها يقدمون الاتهامات غير المستندة إلى أدلة. وإذا كان ما قدمته حماس من معلومات مزورا أو مدبلجا فإننا ننتظر تعليقا من أهالي المعتقلين الذين تصلهم المعلومات من أبنائهم. ليقف أهالي المتهمين بالخيانة والتعاون مع العدو نافين لما ورد شارحين لما يتم نفيه من معلومات وردت في وسائل الإعلام.
كمتابع للشأن الفلسطيني لحظة بلحظة، وتطور بتطور مهما كان بسيطا، لا أستبعد أصلا تعاون فلسطينيين مع أجهزة الأمن الصهيونية، ومنذ اللحظة الأولى للخبر عن اغتيال أبو العطا قلت لنفسي إن دمه في أعناقنا من زاوية المعلومات. الصهاينة هم الذين نفذوا ولكن استنادا إلى معلومات أمنية قدمها متعاونون فلسطينيون. وهذا ليس دربا من دروب التنجيم وإنما حقيقة قائمة منذ عام 1994 وموثقة في الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني. التنسيق الأمني مع الصهاينة منصوص عليه في الاتفاقيات بوضوح وصراحة، ومطلوب من السلطة الفلسطينية ملاحقة الإرهاب والإرهابيين (أي المقاومة الفلسطينية)، ومحرّم عليها ملاحقة العملاء والجواسيس الذين عملوا لصالح الأمن الصهيوني.
التنسيق ليس سرّيا
التنسيق الأمني ليس سرا، وأقرت به السلطة الفلسطينية مرارا، ونددت به كل الفصائل الفلسطينية في الداخل والخارج، وأشبعه الكتاب الفلسطينيون هجوا وذما، وطالب الجميع بوقفه والعودة إلى المعايير الوطنية الفلسطينية. حتى أن المجلس المركزي لمنظمة التحرير والتابع لحركة فتح قد طالب رئيس السلطة الفلسطينية أكثر من مرة بوقف التنسيق الأمني، لكن كل الدعوات لم تثمر.
أعلنت السلطة الفلسطينية أنها توقفت عن التنسيق الأمني، وتمتنع عن تقديم معلومات أمنية للصهاينة، لكن مجريات الأمور على الأرض لا تشير إلى أن التنسيق الأمني قد توقف. وسبق أن تحدث فلسطينيون عن أن التنسيق الأمني لن يتوقف من قبل السلطة الفلسطينية لأن وجود هذه السلطة مرتبط بالتنسيق الأمني. فإذا توقف التنسيق الأمني، لن تعود هناك فائدة للكيان الصهيوني من بقاء السلطة الفلسطينية، فيخسر بذلك القائمون عليها مواقعهم وامتيازاتهم. وهناك من قال للسلطة ألا تعلن عن وقف التنسيق الأمني لأنها لن تكون صادقة، ولن يغامر المستفيدون منها بوجودها.
التنسيق الأمني هدم لمعنويات الشعب الفلسطيني واعتداء على الانتماء الوطني والوحدة الوطنية وجهود رأب الصدوع الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تنخر الجسد الفلسطيني.
التنسيق الأمني مضر جدا بالجسد الفلسطيني وبالوحدة الوطنية الفلسطينية. وهو سبب أول وأساسي للانقسامات الفلسطينية وبالتدهور الخطير الذي أصاب مكانة القضية الفلسطينية على كافة المستويات. والقائمون عليه يستشيطون غضبا عندما يتهمهم أحد بالخيانة، ويقولون إنه لا يجوز التخوين. فإذا لم يكن التنسيق الأمني مع العدو خيانة، فما هي الخيانة إذن. ونحن ننتظر من بعض عباقرة التنسيق الأمني تقديم تعريف للخيانة لكي نعتمده مقياسا وطنيا لسلوك الأفراد.
التنسيق الأمني هدم لمعنويات الشعب الفلسطيني واعتداء على الانتماء الوطني والوحدة الوطنية وجهود رأب الصدوع الاجتماعية والثقافية والسياسية التي تنخر الجسد الفلسطيني. إنه آفة وطنية تستهلك الانتماء الوطني وتدفع الشباب والشابات إلى الكفر بالوطن والاستهتار بكل ما من شأنه أن يخدم الوطن والمواطنين. وببساطة، يدفع التنسيق الأمني الناس إلى التساؤل حول الهدف من تقديم التضحيات. فإذا كان رب البيت لا يريد البيت ويتعاون مع من يهدمونه للإمعان بالهدم والقتل ومصادرة الأرض وإقامة السكنات اليهودية فلماذا يضحي هو بمصالحه وبمستقبل عائلته وأبنائه وهو يعرف مسبقا أن هناك من يتآمر على إنجازاته وهدم آثارها؟
ما شاهده الشعب الفلسطيني من اعترافات على الشاشة التلفازية خطير ومدمر، وهو يؤكد صناعة التدمير الذاتي التي يمارسها أهل الاتفاقيات مع الصهاينة.
وسوم: العدد 863