بلاد الحرمين على شفا جرف هارٍ
بعد مرور ما يقارب الأسبوع على اعتقال ثلاثة أمراء كبار ، وقرابة عشرين شخصية مسئولة مهمة ، بينها عسكريون ؛ لم يصدر عن الجهات السعودية الرسمية أي بيان عن الاعتقال . وكانت "نيويورك تايمز " أول وسيلة إعلامية تنشر خبر الاعتقال ، وتلتها " وول ستريت جورنال " ، وبعد ذلك صار الخبر عالميا ، ومادة لتساؤلات وتحليلات تركز على السبب والهدف : هل هو استباق لانقلاب كان الذين اعتقلوا خاصة الأمير أحمد بن عبد العزيز والأمير محمد نايف يعدون له ؟! أو هل هو لإجبار هذين الأميرين تحديدا على إعلان الولاء لمحمد بن سلمان ؟! ويرجح معقولية التساؤل الثاني ، على قرب مضمونه من مضمون التساؤل الأول ؛ اشتداد اليقين بأن محمد بن سلمان في جو ضعف صحة والده المسن واحتمال وفاته في أي وقت يريد أن يثب على كرسي العرش قبل أن يمنعه منه مانع من أمراء آل سعود الناقمين عليه ، أو من قوى خارجية مثل أميركا التي ربما بدأت تشعر بأن شخصيته احترقت ، ولم تعد محبذة بين آل سعود وبين شعب بلاد الحرمين ، وأن تحديثاته التي انصرفت إلى أمور قشرية مثل الترفيه لم تجلب له الشعبية الصلبة التي استهدفها بها ، واستهدفتها أميركا وإسرائيل ، وكل الذين يريدون وصوله إلى العرش خدمة لمصالحهم . كان الصمت السعودي الرسمي على الاعتقال وما تبعه من انفجارات إعلامية عالمية صمتا مخيفا موضحا بسطوع فضاح نوعية النظام السعودي الذي يحرم شعبه من حقه في معرفة حقيقة ما يجري في بلاده كأنه لا صلة له بحاضره ومستقبله وكل شئون حياته وهويته الوطنية . أي نظام هذا الذي لا يقول لشعبه لِمَ يحدث هذا الاعتقال لكل هذه الشخصيات المهمة ، ويجعله يسمع خبر الاعتقال من مصادر أجنبية مثله مثل أي مواطن في العالم ؟! ولا نريد أن نتحدث عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي يلزم في أحد بنوده الدولة الموقعة عليه بألا تعتقل مواطنا من مواطنيها إلا بعد موافقة محكمتها العليا على اعتقاله لاقتناعها بشرعية سبب الاعتقال . وفي هذا كتبت مضاوي الرشيد المعارضة للنظام السعودي : " من المؤسف أن يتم تحويل السعوديين إلى محض متفرجين يتابعون وقائع المسلسل الملكي المسرحي " . تجاهل النظام السعودي لشعبه في قضية الاعتقال ، وإن لم يكن هو الأول بالطبع ؛ ضربة قاسية للنظام نفسه في زمن الانفجار الإعلامي الواسع الذي صنعته الشبكة العنكبوتية ، ولولي العهد محمد بن سلمان تخصيصا ، ونتائجه مخالفة لكل ما أراده منه ، وتوابعه القاتلة سترتد عليه مباشرة ، وعلى آل سعود الذين فرق جماعتهم ، ودفع بينهم موجات من الأحقاد والثارات بالضربة الأولى في نوفمبر 2017 حين اعتقل العشرات من أمرائهم بذريعة محاربة الفساد ، وأبرزهم الأمير متعب بن عبد الله ورئيس الحرس الوطني السابق الذي أهين في اعتقاله إهانة رهيبة أبكته ، وبالضربة الجديدة في 7 مارس الحالي ، صباح الجمعة الماضية ، حين تجرأ على اعتقال عمه أحمد بن عبد العزيز نابذا كل احترام لمكانته المرموقة بين آل سعود ولسنه العالية . وأيضا اعتقال محمد بن نايف ولي العهد السابق الذي اغتصب الولاية منه ، وقبل قدميه " تطييبا لخاطره " ، وحرك حسابات سعودية لاتهامه بإدمان المخدرات توكيدا لفقدانه الصلاحية لمنصب الولاية أو الملك . ولاقتناع ابن سلمان ومن يرسمون له خطوط تصرفاته ويوجهونه خلالها أن شعب بلاد الحرمين لا يشغله سوى الوظيفة والراتب والأكل والشرب وسوى هذا من المتع المعيشية ؛ أعلن عن حملة تجنيد للجيش تشمل النساء ( ! ) ، وهدف الإعلان في هذا التوقيت شغل الشعب عن قضية الاعتقال ، والمكر السيء لا يحيق دائما إلا بأهله . ويمكن أن أقول دون غلو إن التاريخ ندر ما عرف شخصا مهد لوصوله للسلطة السياسية بأسوأ مما مهد محمد بن سلمان لوصوله لها : حرب فاشلة هائلة التكاليف في اليمن ، يوميا قرابة 200 مليون دولار ، وهي الآن في آخر سنتها الخامسة ، وتحديث سطحي أهوج يراه كثيرون في بلاد الحرمين مخالفا لقيمهم الدينية وأعرافهم الاجتماعية ، وجريمة قتل متوحشة بشعة لجمال خاشقجي فجرت ردود فعل ناقمة ما فتئت تهز العالم حتى الآن بعد مرور عامين ونصف على وقوعها ، وتقطيع قاصم لأواصر عائلته الحاكمة التي باهت دائما واعتزت بتماسكها ، وتعطيل لنفوذ الهيئة الدينية التي استمدت منها هذه العائلة شرعيتها في الحكم ، وتكفي واحدة من هذه السيئات القاتلات لحرمانه من حلم تولي العرش ، فكيف بها إذا تضافرت عليه في قوة واحدة هائلة ؟! والكارثة الكبرى ليست في حرمانه من العرش ، فليس من خير لبلاد الحرمين في أن يحكمها شخص من صنفه ، الكارثة في ما قد يصيب هذه البلاد بعد كل سيئاته السابقة ، إنها الآن على شفا جرفٍ هارٍ أسفله هاوية عميقة ، وإذا كانت أعظم دولة عربية إسلامية بدأت بمحمد _ صلى الله عليه وسلم _ ففي التاريخ العربي والإسلامي دول كثيرة انتهت على يد حكام اسمهم محمد .
وسوم: العدد 867