رفقا بمن اضطره الهلع من جائحة كورونا إلى الجشع في اقتناء السلع
نشرت فيديوهات ومقالات انتقدت بقسوة من اضطرهم الهلع من جائحة كورونا إلى الجشع في اقتناء السلع . ويلتقي الهلع مع الجشع في صفة الشدة ، فالأول خوف شديد ، والثاني نهم وشره شديد. وعلى حجم الهلع من الجائحة جاء حجم الجشع .
ومن المؤسف أن يكثر انتقاد الناس الذين بالغوا في اقتناء حاجياتهم لأنهم أمروا بالحجر اتقاء عدوى الفيروس . ومن الطبيعي أن تفكيرهم في الحجر ذهب بأذهانهم بعيدا في الخوف من أنه ربما لا قدر الله استفحل الوباء ، وحال دون السير الطبيعي للحياة ومنع ذلك المنتجين من الانتاج والمسوقين من التسويق خوفا على أنفسهم من الإصابة ،فتسبب ذلك في اقتناء كميات كبيرة من الأطعمة والأشربة احترازا من نقص متوقع أومحتمل فيها .
وبالرغم من بلاغ الجهة المسؤولة المطمئنة للناس بأن المواد الاستهلاكية متوفرة وكافية لشهور، فإنهم هرعوا إلى التسوق لتخزين أكبر كميات ممكنة من المواد الاستهلاكية ،و كان سبب هذا السلوك هو ما نقلته وسائل التواصل الاجتماعي من فيدوهات عن أمم غربية أصابتها الجائحة ، وفرض عليها الحجر، فشوهدت وهي تسرف في التبضّع بل و شوهدت والعراك ينشب بين أفرادها تهافتا على السلع مخافة نفادها .
ومعلوم أنها تسود لدى الكثيرين منا فكرة تفوق الأمم الغربية علينا في كل شيء إلى حد اعتبارها قدوة . فماذا ينتظر الناس في دول الجنوب وهم يرون سكان الشمال يتسوقون بتلك الطريقة بسبب الهلع من جائحة ألمت بهم ، ودولهم تصنف على رأس الدول الراقية والمتقدمة والغنية ؟ ألم يكن جشع دول الجنوب وبلدنا واحد منها مجرد اقتداء بما حصل في دول الشمال ؟ فلماذا إذن يعيب البعض على المغاربة ذلك ؟ كما جاء في مقال للمدعو سعيد لكحل حيث قال :
( خلفت الإجراءات الاحترازية المتتالية التي اتخذتها الحكومة المغربية إغلاق المؤسسات التعليمية ،وقفت الرحلات الجوية من وإلى عدد من الدول الأوربية ، منع التجمعات والمواسم ... ذعرا لدى فئات من الشعب تحول إلى هستيريا شراء وتخزين المواد الغذائية لدرجة نفاذها من الأسواق الممتازة والمحلات التجارية في أجزاء من الساعة . سلوك مرفوض من أساسه لأنه يعبر عن خلفية ثقافية ارتبطت بفترات المجاعة والسيبة حيث تتعطل قيم المواطنة وتغيب المصلحة العامة )
والحقيقة أن الأمر لا يتعلق هنا كما زعم لكحل بخلفية ثقافية مرتبطة بفترات الجماعة والسيبة ، وهو يقصد أنها خلفية ثقافة مغربية ،وإنما هو واقع تسبب فيه هلع من وباء اقتضى الحجر الذي لا يعلم مداه ، كما أنه سلوك لا يقتصر على المغاربة وحدهم بل سبقتهم إليه شعوب أوربية تدين بالعلمانية التي يتشدق بها دائما بها في مقالاته ، ويطالب أن تكون بديلا عما هي عليه قيمنا التي تنهل من ديننا الحنيف الذي يعتبره مجرد موروث عفا عنه الزمن .
ومما حمل الناس على هذا السلوك هو التهويل الإعلامي من شأن الوباء وما يتطلبه من احتياط على رأسه الحجر الذي قد يعطل وتيرة الحياة العادية ويطول عطلها .
ولا يستبعد أن الذي انتقد جشعا سببه الهلع هو أول هلوع جشع ولو فتش بيته لوجد أنه ربما قد تحول إلى مخزن للمواد الغذائية . وما أكثر الذين انتقدوا تسوق الناس مخافة طول زمن الحجر ممن يصدق عليهم قول الشاعر أبي الأسود الدؤلي :
ومقابل المنتقدين العاتبين على سلوكات سببها الهلع من الجائحة ، يوجد ناصحون فضلاء من أهل الخبرة والعلم تحدثوا عن الجائحة حديثا واقعيا لا يستهين بها ، وفي نفس الوقت لا يهول من شأنها ، وبينوا للناس كيف يمكن التقليل من خطورتها من خلال سلوكات معينة تغيب فيها الأنانية والأثرة ويسود فيها الإيثار والتضحية من أجل السلامة العامة . وعلى رأس تلك النصائح الانتقال من سلوك التفكه بالجائحة استخفافا بها ، و في نفس الوقت الانتقال من سلوك التهويل من شأنها وترويج الأراجيف عنها إلى سلوك متزن وواقعي قوامه اتباع نصائح أهل الاختصاص، ومنها تجنب التجمعات بحيث ينطلق كل فرد من قناعة مفادها أنه ربما يكون هو حامل الفيروس ، وأنه يجب عليه حفاظا على السلامة العامة أن ينأى بنفسه عن نقل العدوى إلى غيره ، فبهذا ينصح الخبراء لمحاصرة الوباء في أضيق حيز ممكن . وإلى جانب هذا الاحتياط وهو الأهم خصوصا مع قلة الإمكانيات الطبية مقارنة بإمكانيات الدول المتقدمة ، تأتي احتياطات أخرى من قبيل النظافة والتعقيم المستمرين ، والمحافظة على المسافة المطلوبة لمنع انتقال العدوى ، وتكون النصيحة كما يأمر بها ديننا هي سيدة الموقف .
ولا بد من تآزر وتكافل يفرضهما علينا ديننا الحنيف ،لأننا كأمة مسلمة عبارة عن جسد واحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائل الأعضاء بالسهر والحمى كما جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم . وأول مؤازرة تكون مادية من جود أهل الإحسان ممن وسع الله عز وجل عليهم في أرزاقهم لتوفير المال الكفيل بمواجهة الجائحة . وتكون المؤازرة في منتهى الروعة إذا ما أقبل عليها الجميع كل حسب وسعه وطاقته ، ولا يقف الأمر عند حد تطوع الوزراء والبرلمانيين ، ذلك أنه ربما يكون أجر التطوع بثمن كمامة عند الله عز وجل عظيما لأن شعار الإسلام هو : (( من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيى الناس جميعا )) .
ولقد شهد بلدنا صورة تآزر في منتهى الروعة حين وقع زلزال مدينة أكادير في الستينات من القرن الماضي ، والمعروف عن شعبنا العظيم الكرم والجود والأريحية والشهامة خلاف ما يراد إلصاقه به اليوم من أثرة وأنانية وشجع .
وأخيرا نتمنى أن يضرب شعبنا العظيم مثلا رائعا لكل شعوب المعمور في التماسك والتآزر، وأن يستعين بالله عز وجل في مواجهة هذه الجائحة معولا على عونه ولطفه سبحانه بالدعاء والضراعة إليه جل في علاه .
وسوم: العدد 868