دعوة لمؤتمر إسلامي جامع في ظل المحنة العالمية
محنة عالمية جديدة تهدد استمرار الوجود البشري علي الأرض ، تحتاج تضافر كافة الجهود الإنسانية لإنقاذ العالم من الفناء المحقق ، وقد وقفت كافة المؤسسات العلمية اليوم عاجزة بكل ما أوتيت من العلم علي مواجهة تلك الجائحة ، ووقف العالم حائرا بحضارته وقيمه وعاداته لا يجد أمامه سوي أن ينادي السماء أن تنقذه بعقائد فاسدة وشرائع وضعية ، بينما المسلمون الذين ظلوا عالة علي الحضارة العالمية الجديدة لحقب طويلة ما زالوا يكتفون بالانتظار والمشاهدة ، نسوا حضارتهم وريادتهم للعالم لعشرات من القرون المتتالية دون منافس مقدمين للبشرية حضارة من أعظم الحضارات المتوازنة ، ورضوا اليوم بعد تخليهم عن ثوابت دينهم بأن يكونوا مجرد سوق استهلاكي لمنتج غربي حضاري تسبب في جلب التعاسة علي الإنسان بل ويكاد أن يهلكه
والفرصة الآن سانحة للمسلمين ليقوموا بمهامهم التي أرسل فيهم نبيهم من أجلها ، وهي أسمي مهمة عرفتها البشرية منذ نشأتها ، مهمة التبليغ عن الله والتعريف به ، مهمة الشهادة للأمة الوسط التي ميزها الله عن سائر الأمم لضمان استمرار الإنسان ، ورفع راية التوحيد ، والسعادة الإنسانية في الدارين
وانطلاقا من تلك المهمة أدعو هيئات علماء المسلمين علي مستوي العالم ، لعقد مؤتمر إسلامي عالمي لتقديم صورة واضحة عن الإسلام وما يحمله من منهج مستقبلي يضمن العدالة المطلقة بين البشر ، تتبناه تلك المنظمات والقنوات المعنية ، وتصدر منه توصيات ولجان عملية تجوب العالم بترجمة كاملة وشافية لكل التساؤلات المشروعة للآخر ، تتضمن فقرات ذلك المؤتمر تعريفا بنظام التكافل في الإسلام ، وتعريفا بنظام العبادات والطهارة وفوائدها وقدرتها علي حماية المسلم الفرد والمجتمع من انتشار العدوي وانتقالها بهذا الشكل الغير مسبوق ، كذلك تعريفا بدور الدولة ( النظام ) في الإسلام أثناء المحن والأوبئة تجاه مواطنيها .
ماذا يريد العالم اليوم من المسلمين
هل هي حالة صراع حضاري بين المسلمين وغيرهم لإثبات أيهم أحق بريادة العالم وحمل مسئوليته ؟ ، إن الإسلام لم يأتي لصنع حالة صراع بشري بين فصيل يحتكم لشرائع سماوية محرفة ، أو يدين بأديان أرضية صنعها لنفسه رغبة منه في خلق إله يحتاج لوجوده الفطري ، وفي ذات الوقت لا يكلفه هذا الإله بعبادات تحرمه من بعض انحرافاته الأرضية ، وبين من يمثل الدين الخاتم للأرض ، فالإسلام لا يصارع ، إنما يصنع السلام العالمي علي مستوي النفس والمجتمعات المسلمة وعلي مستوي الدول بعضها البعض ، والعلم ليس هو ما ينقص البشرية اليوم ، فقد بلغت من العلم ذروته ، ولا ينقص البشرية صناعة أعظم سيارة ، ولا إلي أسرع قطار ، ولا إلي طائرة تتخطي حاجز الصوت ، ولا يحتاج لبناء أعلي ناطحات السحاب
إنما يحتاج العالم لشق آخر افتقده طويلا ، ذلك الشق هو الإيمان ، الإيمان الذي لا يعرف اعوجاج البشر وتدخلهم بالتحريف لصالح أهوائهم ومصالحهم الشخصية دون اعتبار لمصالح الآخرين ، الإيمان الذي يحض علي التكافل وحسن الخلق والنظافة ، وإتباع سنة النبي محمد صلي الله عليه وسلم الذي قال في حديث أخرجه البخاري : إذا سمعتم بالطاعون بأرض فلا تدخلوها وإذا وقع بأرض وأنتم بها فلا تخرجوا منها " ، يحتاج العالم لمعرفة واحترام حق الكبير وتقديره ، وفضل القيام عليه ، وقضاء احتياجاته ، والسعي علي خدمته ، يحتاج لليقين بأن ما بعد الموت حياة أخري ، ولا ينفعه فيه إلا عمله الصالح وإيمانه واعتقاده بأن الله واحد ، وبأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه ، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه ، وأن كل ما يدور هو مقدر ومسطر في كتاب عند الله الذي لا يخطئ ولا يغفل ، يحتاج العالم لمعرفة أن إعادة الحقوق لا يحتاج لقانون وعقاب ، إنما يحتاج للإيمان بأن كل إنسان مجازي ومحاسب علي ما قدم في خدمة عباده تحت راية التوحيد ، يحتاج العالم لأن يعرف أن الله عز وجل ليس في خصومة مع البشر ، وإنما يريد بهم خيري الدنيا والآخرة ، لقد انتهت كافة التجارب البشرية بالفشل الذريع ، بل كادت أن تودي بحياة الإنسان ووجوده علي الأرض ، وآن له أن يدخل في حيز تنفيذ تجربة أخري ، تجربة تطمئن الإنسان علي مصيره في الدنيا والآخرة ، وتعيد التوازن للنفس البشرية من جديد ، وفي هذا الخضم يقول مالك بن نبي المفكر الجزائري الكبير وكأنه كان يستشرف المستقبل ، أو يقرأ النتائج وفق المعطيات الآنية وقتها " يجب أن ينتهي التاريخ في نقطة ما ، كي يتجدد من نقطة جديدة " ، يعلن العالم إفلاسه ، وفشل كل تجاربه ، وأنه في حاجة للتغيير الذي لا يعلم ماهيته ، وتلك وظيفة المسلم اليوم وهي فرصة كبيرة ليعرف العالم دينه وقد انقطعت الفرص من قبل في وقت لم يكن العالم يستمع للضعفاء ، الآن حانت الفرصة لينشر فكرته ويعرف بها بسلوكه الذي يمكن أن يتفادي به انتقال العدوي ويقلل من خطورة المرض ، ليس فقط بنشر تعاليم النظافة والعلم ، وإنما بممارسة قيم الحق والعدل والحرية والتكافل ، وها هو وقت التجدد قد حان ، تجدد يهيئ العالم لأمر جلل ، أمر يضبط الموازين ، ويعيد البشرية لرشدها كفرصة أخيرة .
رسالة المسلم الكبري
إن رسالة المسلم اليوم تتلخص في إنقاذ البشرية من الفناء والاندثار ، غير أن فاقد الشئ لا يعطيه ، والذي يحتاج لإعداد لا يمكن أن يعد غيره ، إن علي المسلم أن يدرك ويعي مفهوم " الخيرية " وأنها ليست منحة أو هبة وهبتها له الأقدار ، إنما تعني المسئولية الكبري تجاه العالم ، هي حمل رسالة وتبليغها والسير بها والعمل بمقتضاها كي يستحق التأهيل لها ، يقول الله تعلي " كنتم خير أمة أخرجت للناس ، تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر ، وتؤمنون بالله " ، فالخيرية ليست منحة أو هبة ، وليست صكا مملوكا بغير أجل ، إنها عمل مستمر ، ودعوة وتبليغ ، وحمل رسالة عملية بحقها ، أمر بالمعروف ونهي عن المنكر بالفعل وليس بمجرد القول ، وكي يستطيع المسلم أن يؤدي رسالته بشكل صحيح ، فعليه أولا أن يتخلص من مشاكله الخاصة ، ومحنته الداخلية ، وينتفض ليعلو فوق جنوحه وتثاقله إلي الأرض ، عليه أولا أن يكون علي قدر الرسالة التي يحملها ، ومن الأهمية بمكان ، أن يكون علي قدر من يحمل إليه الرسالة حتي يكون جديرا للاستماع .
وسوم: العدد 871