العالم مقبل على ولادة جديدة بعد زوال كورونا (مختصرا)
قال رئيس منتدى الشرق والمدير السابق لشبكة الجزيرة، الدكتور وضاح خنفر، إن العالم مقبل على ولادة جديدة، بعد الأزمة التي تسبب بها فيروس كورونا، وأغلق معها دولا بأكملها وضرب الاقتصادات.
وفي ما يأتي مختصر لكلمته
اللحظة التي يعبرها العالم اليوم بالغة التأثير عميقة الأثر، وسوف تدخل التاريخ نقطة تحول جذرية، تؤسس أنماطا جديدة، وتعزز أخرى موجودة بالفعل في عوالم الاجتماع والاقتصاد والسياسة.
تأثير فيروس كورونا الصحي سوف يزول مع الزمن، وسوف تتجاوز البشرية خطره كما تجاوزت أوبئة وطواعين وحروبا سابقة، لكن الأثر الذي سيتركه لن يزول بنفس السرعة، وبعض تأثيره سيستمر أزمنة طويلة.
الواقع الذي نعيشه اليوم لم يسبق له مثيلٌ من حيث تواصل العالم دولا وأفرادا واعتماد الناس على بعضهم البعض، فالاقتصاد العالمي المتداخل، والتكنولوجيا العالمية التي تصل الكوكب ببعضه، صنعتا واقعا لم تشهده البشرية من قبل
كورونا تُلقن العالم درسًا في التواضع!
قبل سنتين، صدر كتاب "التنوير الآن" الذي أوصى بيل غيتس النّاس بقراءته، كان المؤلف ستيفن (Steven Pinker) متفائلا جدا إذ يقول إنّنا نعيش اليوم أفضل حالة بشرية، فقد استطعنا التغلب على الكثير من الأمراض والمجاعات، ووصلنا بالإنسان إلى مستوى من الوعي والتواصل والرخاء والحالة الإنسانيّة الراقيّة لدرجة غير مسبوقة .
لقد كشف فيروس كورونا عن عجزٍ عالميٍّ غير متوقع في محاربة الوباء وقد ظنت البشرية أنّها قد تجاوزته، لأنّنا احتفلنا منذ عقودٍ من الزمن بأنّ الإنسان استطاع أن يهزم الأمراض والأوبئة والطواعين.
يوجد تيار تفاؤليّ خاصةً عند أولئك الذين يفاخرون بعالم العلم والتكنولوجيا، لكن تبيّن لنا أنّ البيولوجيا ما زالت تعود مرة أخرى لكي تثبت عجزنا وضعفنا، وأن الإنسان كما وصفه الله سبحانه وتعالى خُلِق ضعيفًا، ويقف عاجزًا أمام فيروس لا يُمكن أن يُرى بالعين المُجردة.
يحمل واقع اليوم درسا مهما جدا وضروريّا، إن لم نمعن النظر فيه فإننا سنقع في حومة عمى حضاريّ ، فلنستحضر الآية الكريمة التي تُلح علينا دومًا، نقرؤها ولكن لا نعي أشكال وقوعها إلا عندما تنجلي أمامنا كما هو الحال اليوم؛ (حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) [يونس:24 لذلك ينبغي أن يعتبر الجميع بهذا الذي قد وقع، لأنّ الله لم يخلق شرٍا مطلقا، وأنه مع كل عسرٍ يسران، وينبغي أن نتيقن من ضعفنا ونتوكل على الله سبحانه ونواصل حياتنا على اعتبار أنّنا كائنات بشريّة لا آلهةً ولا أنصاف آلهة، بل لسنا قادرين على فهمِ كثيرٍ من الأقدار التي تجتاح أحوالنا وتُغيّر من معادلات وجودنا وبقائنا.
الأوبئة العالميّة التي اجتاحت الإنسانية معدودة، لأنّ الوباء العام هو الذي يجتاح العالم أجمع أو معظم الكرة الأرضيّة، ويصل إلى معظم التجمعات السكانيّة ويصيبها في مختلف جوانب حياتها، وهذا الوباء العالميّ الذي نعيشه حاليًا ينبغي أن ُيوضع في سياق الأوبئة العالميّة الأُخرى، فالحقيقة أنّ البشريّة عانت من الأوبئة منذُ زمنٍ بعيدٍ.
الطاعون الأنطوني
أول وباءٍ وصلتنا أنباؤه ، كان الوباء الذي وقع عام 165م في معظم البلدان الرومانية، إذ كانت تُسيطر الدولة الرومانية على البحر الأبيض، شمال أفريقيا وجنوب أوروبا وإسبانيا وكذلك بلاد الشام، واجتاح الامبراطورية طاعون قاتل، أطلق عليه لاحقا الطاعون الأنطونيe، و كان أحد الأسبابِ التي أضعفت الدولة الرومانية حيث بدأت القبائل الجرمانية باجتياحها، ثم سقطت بشكلٍ كاملٍ في القرن السادس الميلادي.
طاعون "جستنيان" لا يُنهي البَشَر فحَسب!
الطاعون الثاني الذي له أهمية تاريخية لنا نحن المسلمين، هو طاعون جستنيان . لقد كان جستنيان إمبراطورًا من أهم أباطرة الدولة الرومانيّة الشرقيّة (البيزنطينية).فقد اجتاح طاعونٌ مميت الدولة ابتداء من عام 541م إلى 543م، بدأ بمصر وانتقل إلى القسطنطينية والأناضول وبلاد الشام وعدد من المناطق التابعة لها، وأصاب كذلك الدولة الساسانية.
وانتقل الطاعون إلى الموانئ الأوروبية ، وأصاب الإنسانيّة في مَقتَل، وكان عدد البشرية في ذلك الوقت لا يزيد على مئتي مليون، وقُتل منهم عدد كبير.
امتدادا لطاعون جستنيان ظهر طاعون عمواس سنة 630م في بلدة عمواس في فلسطين، واستمر يُعاود قتل النّاس في أنحاء العالم مرات عديدة وصولا إلى أكبر طاعون عرفته البشرية على الإطلاق وهو طاعون الموت الأسود بعد 800 عام.
الموت الأسود وميلاد العقلانية الأوروبية
عام 1348م، أصاب البشرية طاعون مدمر يسمى بالموت الأسود أو الطاعون الكبير، اجتاح العالم بأسره، وقتل في الصين 40% من سكانها، ونسبة الوفاة كانت تزيد على 90% من المصابين.
يقدر عدد ضحايا هذا الطاعون بمئة مليون، وكان عدد سكان العالم وقتها 475 مليونا، ثمّ استمر بعد ذلك يقتل النّاس سنواتٍ طويلة، إلى أن بلغ عدد ضحاياه مئتي مليون إنسان وفق تقدير الباحثين.
مع نشوة النصر لوعة الأنفلونزا!
الوباء الرابع هو الأنفلونزا الإسبانية، الذي سببه فيروس H1N1، من سنة 1918م إلى 1920م، أي بعد الحرب العالمية الأولى، ويسمى بالانفلونزا الإسبانية. و كان من أسباب انتشاره الجنود الذين عادوا إلى بلدانهم بعد قتالهم في مختلف أنحاء أوروبا، فانتشر انتشارا مُريعًا. ويقدر عدد الذين أصيبوا به 500 مليون، وقتل ما لا يقل عن70 مليون إنسان في مختلف أنحاء العالم.
ثم شهد العالم أنفلونزا الخنازير سنة 2009م،ثم ظهور فيروس كورونا المستجد، وهو ليس الجيل الأول بل الجيل السادس من فيروسات كورونا التاجيّة، نسبة الموت فيه قليلة مقارنة بالأوبئة الكبرى التي اجتاحت البشرية، لأن قدرة الإنسانية على التعافي حاليا أفضل مما كانت عليه في السابق، كالنظافة، وتطور الدواء وازدياد المناعة والغذاء.
ما الذي يعنيه الواقع؟ وما السيناريوهات المتوقعة للمستقبل؟
تنبئ مختلف الدراسات بأنه لا وجود لحلٍ سريع ينهي تقدم الفيروس، لذلك فالكوكب حاليا في حالة الإغلاق، والدولة التي لم تغلق بعد ستفعل قريبا، والتي لم تفرض حركة مشددة على الناس والأسواق ستفرض قريبا، لأنّ هذا المرض ينتقل بسرعة هائلة، لذا ينبغي على العالم أن يُغلق أبوابه، فالكرة الأرضية كلها ستدخل في وقت متزامن حالة الجمود والانعزال، حالة لم يسبق لها مثيل أبدا
تعليق الحرية الفردية إلى إشعارٍ غير معلوم!
اليوم نرى ما لم نكن نتصوره : تغلق المساجد والكنائس، ويجلس الناس في بيوتهم وتغلق المحلات التجارية، والحدود والمطارات، وهذا شيء غريب على الإنسانية، لأن حرية السفر والتنقل من الحريات التي شعر الإنسان المعاصر أنه قادر على أن يمارسها متى ما شاء، واعتُبرت من الحقوق الإنسانية الأساسية.
حتى إذا ظن الإنسان على أنه قد سيطر على الأمر، وأنه قادر على أن يأخذ أقرب طائرة إلى أي مكان يريده في العالم، جاء أمر الله بأن لا يتحرك من بيته، بل بأن يحد من التواصل مع الناس حتى مع من هم في بيته.
كل هذا شيء غير متوقع ولا نعرف بالضبط متى سينتهي، والدراسات تشير إلى أننا نحتاج على الأقل إلى حزيران،ويذهب بعضها إلى أننا نحتاج إلى ستة عشر شهرا أو أكثر حتى نستطيع أن نحتوي هذا الفيروس.
ولادة عالم جديد!
العولمة كانت اقتصادية بالدرجة الأولى، ثم صارت تقنية وثقافية، والاقتصاد اليوم هو الضحية الأكبر بعد الإنسان لفيروس الكورونا.
الإنسانية اليوم تعبر انهيارا اقتصاديا غير مسبوق.اليوم نرى أن مؤشرات الأسواق العالمية وصلت إلى درجة مماثلة للأزمات التاريخية الكبرى مثل الكساد العظيم عام 1929م وأزمة 2008م. ويتوقع الكثير من الاقتصاديين أن ما سيحدث الآن أسوأ بكثير، والسبب في ذلك أن الاقتصاد العالمي يعتمد اليوم على حالة من التواصل المركب، حيث إن الكل يتأثر بالكل؛ فمنذ أن بدأت الأزمة في الصين وانتشرت تدريجيا ، بدأت الأسواق في الانهيار في باقي أنحاء العالم.
سوق النفط على سبيل المثال بدأ يتدهور عندما بدأ الصينيون يغلقون مصانعهم، حيث وصل سعره إلى 28 وقد يصل إلى 20 دولارا في وقت ما، قبل أن تعود المصانع إلى فتح أبوابها.
المتضرر الأول والمستفيد الأخير.. استعادة العافية الاقتصادية والاستراتيجية!
كانت الصين متضررة بشكل كبير ولكنها تستعيد عافيتها قبل العالم أجمع، مما قد يؤدي إلى معدلات نمو أفضل، فقدرتها على التعافي أكبر من قدرة أوروبا أو الولايات المتحدة، فهي حكومة حزب واحد، حكومة مركزية، تتحكم بشكل كامل في مصير الناس وحياتهم، بينما الدول الأوروبية لا تستطيع ذلك لسبب متعلق بطبيعة المجتمعات وحياتها. فالصين الآن تقوم بتصدير المواد والمعدات الطبية،كما تزود دول العالم بالخبرات والقدرات لمكافحة الفيروس.
أوروبا.. تأزم الاقتصاد وبروز النزعة القومية
الفقر الذي رأينا بداياته في السنوات الماضية سوف يتفاقم، ربما سيؤدي إلى انهيارات أكبر في منطقة اليورو، وسيؤدي إلى نزعة قومية جديدة في أوروبا. النزعة القومية منذ 2008 تتصاعد وصولا إلى تفاقمها بعد أزمة اللاجئين في السنتين الماضيتين، والأحزاب القومية اليمينية المتطرفة بدأت تنمو، وسيطرت على الحكومات في بعض الدول، وإغلاق الحدود اليوم بسبب الفيروس مقترنا بالانهيارات الاقتصادية سيجعل الناس يفكرون بأنفسهم أولا، بعيدا عن الآخرين.. وهذا سيكون له تأثير على المسلمين بحكم صلة العالم الإسلامي بأوروبا وبالذات الأقليات المسلمة التي تعيش هناك.
المعاني الوجودية الجديدة!
تياران في العالم يسيطران على الإنسانية في الأزمات الكبرى؛ وهما التيار الإنساني، والتيار المادي. التيار الإنساني يضع الإنسان في مقام المساواة مع أخيه الإنسان، والتيار المادي يعتبر أن الإنسان القوي هو الجدير بالحياة وأن الضعيف إن مات فهذا منطق الطبيعة، منطق 'البقاء للأصلح'، وهذا مبني على المنطق الدارويني المادي البحت المجرد.
وكانت إيطاليا التي بدأت عهد النهضة Renaissance في أوروبا، قد نشرت وثيقة لمركز SIAARTI فيها توصيات للأطباء تمنع المريض الذي يزيد عمره على 65 سنة من الدخول للمستشفى، حتى لو كانت لديه أعراض سيئة أخرى غير فيروس الكورونا "فيُترَك لِيَموت" هذه التوصيات جاءت لتساعد الطاقم الطبي على فك المشكلة الأخلاقية التي سيواجهونها.
هذه الإشكالية الإنسانية طُرحت في كل الطواعين، فقد قرأت في كتب التاريخ عن الطاعون الذي اجتاح أوروبا، بأن السلطات كانت تأمر بإغلاق بيت المريض بالطين والحجارة لكي يموت ولا تنتقل العدوى منه. وهذه الثقافة ثقافة أن القوي ينبغي أن يعيش وأن المريض الضعيف ينبغي أن يموت، ثقافة مادية بحتة انتشرت في القرون الوسطى، والآن نراها تنتشر مرة أخرى في بعض الدول الأوروبية، وهذا مناف تماما للنظرة الأخلاقية الإسلامية، التي ترى أن من واجب الإنسان أن يقوم على شأن الضعفاء وكبار السن، واعتبر أن البر بالوالدين على سبيل المثال قرين بالإيمان بالله سبحانه وتعالى.
على حافة حضارة الجشع! :البحث عن نموذج اقتصادي عالمي أكثر استقرارا وعدالة.
إن النموذج الاقتصادي الذي نعيشه حاليا وصل بنا من الجشع إلى درجة لم يسبق لها مثيل، فمنذ 1929م إلى اليوم نعيش حلقات من الأزمات، لكن الجشع يزداد و1% من البشر يسيطرون على ما يعادل أملاك 3.8 بليون شخص في العالم. وهذه حالة غير قابلة للاستمرار، فكيف يمكن أن نخرج بأفكار جديدة لاقتصاد عالمي جديد؟ هذا جدل إنساني عالمي سوف يحتدم في قابل الأيام لمحاولة الإجابة عليه.
تأمل معي في أن 20 مليون طالب في مدارس أمريكا، الدولة الأغنى عالميا، لا يستطيعون ألا يذهبوا إلى المدارس لأنهم يعيشون على الوجبات التي تعطى لهم في المدارس، ذهابهم للمدرسة ضرورة من أجل الطعام. هذا في دولة متقدمة تنفق تريليون دولار سنويا على السلاح.
التعدي على سنن الله في الخلق والوجود
هناك سنن خلقها الله سبحانه وتعالى لحفظ الميزان الطبيعي، فإذا أهملها الإنسان فإن آثارها تكون مدمرة. يقول الله سبحانه وتعالى: «وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ» [ سورة النحل: 112] فهذا يقع عندما تختل علاقة الإنسان بالإنسان وعلاقته بالطبيعة.
البشرية عتت عتوا كبيرا في مجال الطبيعة. ففي مقال عن الحرائق في أستراليا وقبلها الحرائق في الأمازون، يقول: إن رئة الكرة الأرضية تفسد، فهذه الغابات تنتج الأكسجين اللازم للكائنات الحية بما فيها الإنسان، واحتراقها كان بسبب التغير المناخي وهو مظهر آخر للجشع الإنساني واللهاث المحموم خلف سراب النمو الاقتصادي المتواصل الذي يسبب للبشرية معيشة ضنكا وسوء عاقبة.
عندما قرأت أن فيروس كورونا يصيب الرئة البشرية قلت: سبحان الله، دمرنا رئة الأرض، ورئتنا الآن تتدمر عقوبة على ما فعلنا.
ينبغي لنا أن نعترف أننا الأسوأ في تاريخ الإنسانية من حيث اعتداؤنا على سنن الله تعالى في التوازن الطبيعي، وتغييرنا لخلق الله، وإضرارنا بمصالح الخلق عامة. لقد أودينا بعشرات الآلاف من أنواع الكائنات الحيوانية والنباتية التي انقرضت بسبب طمع الناس غير المحدود.
تغيرات جيوسياسية
إذا استمرت حالة الانهيار الاقتصادي الحالي وصولا إلى ركود عالمي كبير، فإن الكثير من دول العالم ستتضرر ضررا غير قابل للإصلاح، وسيصاب النظام الاقتصادي في مقتل. وستعاني الدول الصناعية التي يعتمد اقتصادها على التصدير، ومن بينها الدول المنتجة للنفط. وواقع الولايات المتحدة الأمريكية في ظل رئيس مهووس بذاته ليس مبشرا بالخير، وصورة أمريكا ستهتز. داخليا ستعاني من اضطراب النظام الصحي فهو ليس مهيأ لاحتواء تداعيات كورونا، وقد ينهار. وهناك نسبة هائلة من السكان ليس لديهم القدرة على دفع تكاليف العلاج، مما قد يؤدي إلى تفشي المرض سريعا وإلى حالة لا تستطيع المستشفيات احتواءها، وهذا سيعزز من الركود الاقتصادي.
الأموال التي تضخها أمريكا في الأسواق بمئات المليارات لمقاومة الانهيار الاقتصادي الحالي مذهلة، ومع هذا تواصل الأسواق هبوطا مدويا كل يوم حتى بعد انخفاض نسبة الفوائد من قبل البنك الفدرالي في أمريكا إلى الصفر.
مكانة أمريكا العالمية تتراجع منذ سنوات، وكورونا سيسرع في تراجعها وانحسار أهميتها القيادية العالمية لحساب أقطاب دولية أخرى قد تقف الصين على رأسها.
قال ترمب في خطابه يوم الإثنين إن الأسواق ستتعافى سريعا، لكن هناك ضرر حقيقي يقع على الناس خصوصا الفقراء الذين يضطرون إلى ترك وظائفهم ولا يحصلون إلا على جزء من رواتبهم أو لا يحصلون عليها، وهذا ليس إلا البداية.
سيستفيق الناس بعد كورونا وقد خسروا أموالا كبيرة جدا: المطاعم والمقاهي وقطاع السياحة وقطاع الطيران والقطاعات الخدمية الكبرى والموظفون المؤقتون والعمال المستقلون ومن ليس لديه قدرة مالية على الاستمرار، حدوث حالة من الركود الاقتصادي العالمي وعدم قدرة الناس على الشراء سيؤدي إلى تفاعلات اجتماعية وسياسية خطيرة في أماكن كثيرة ،وستكون المعاناة الاقتصادية الأكبر في أوروبة أشد مما في أمريكا.ولم نتحدث عن الوضع الاقتصادي في الشرق الأوسط وإفريقيا لأنه سيء أصلا، ولكن الضرر الأكبر نسبيا سيقع على الدول المتطورة لأن اقتصادياتها هي الأكبر واعتمادها على الأسواق والبورصات أكبر بكثير من اعتماد الدول الأخرى.
انتهاء عالم كنّا نعرفه!
ما يحدث اليوم هو موت للقديم وإيذان بولادة الجديد، فإذا عملنا بجد واجتهاد فإن الجديد سيكون أفضل، أما إن استسلمنا لغلبة الهوى وأوهام الجشع فإننا سندخل عصور ظلام جديدة.
الأزمات تسرِّع حركة التاريخ وتكثف تحولاته، ونحن نعبر أزمة من هذه الأزمات النادرة في التاريخ ، وعلى العموم فالبشرية اليوم أمام خيارين: إما أن يتضامن الناس ويصلوا إلى حالة من الارتقاء الإنساني العالمي، أو أن ينكفيء كل على مصلحته الضيقة، فتتعاظم الأنانية ويزداد الجشع. الذي أتنبأ به أن النزعة المادية القومية سوف تغلب، وأن كل دولة ستحاول أن تسيطر على مواردها وموارد غيرها، في سباق محموم جديد، وربما وصولا إلى صراعات دموية، وهذا لن يكون خيرا على البشرية ، لكن سرعان ما سيكتشف الناس أن لا مناص من الارتقاء إلى التضامن الإنساني العالمي، والعودة الى الرشد الكفيل بحياة طيبة للجميع، وأرجو أن لا يطول ذلك.
وسوم: العدد 871