كورونا العربيّ: تخوين واعتقالات وعمليات سرّية!
قدّمت الأخبار المتعلقة بفيروس كورونا المستجد مفارقات هائلة عالميّا بحيث فضحت التصدّعات في البنى التحتيّة الطبيّة تحت وطأة آليات الخصخصة الرأسماليّة، والبيروقراطية، والاستهانة ببعض الفئات العمريّة كالمسنّين، والعرقية كالسود والأقليات، في بعض بلدان العالم الأكثر تطوّرا بحيث شهدنا ارتفاعا مهولا في أعداد الإصابات والوفيّات في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا واسبانيا وإيطاليا.
شهدنا في المقابل أشكالا من النجاح الكبير في احتواء الوباء وتخفيف آثاره في بعض البلدان والمجتمعات، كما حصل في ألمانيا ونيوزيلندا وكوريا الجنوبية، أما في بعض البلدان الشموليّة أو الدكتاتورية، فقد بدت الأرقام مثيرة للشك، مقارنة بالبلدان الأخرى، حيث التبس الأمر حول أوضاع الصين، وهل نجحت فعلاً في إيقاف شبه تامّ للوباء، أم أن الأمر يتعلّق بآلة السيطرة والدعاية العملاقة، وهو الأمر الذي ينطبق أيضا على روسيا التي قدّمت أرقاما كبيرة للمصابين تقابلها أرقام ضئيلة للوفيّات.
أما في البلدان العربية فقد كان صعبا فصل آليات البطش والقمع عن «الإجراءات الصحيّة»، واختلطت السياسة، بمعناها التسلّطي، بقضايا الصحة والطبّ، بحيث عومل المشتبه في إصابتهم في بعض البلدان العربية، لا كضحايا يجب الحرص على سلامتهم إلى أن يشفوا، بل كمجرمين يجب القبض عليهم (كما في العراق) وحتى التخلّص منهم (كما وردت من أنباء عن طرق معاملة الحوثيين للمرضى)، وعوملت عائلاتهم بطريقة مروّعة، بل إن بعض المراكز الصحّية التي تعالج الوباء تعرّضت للرجم والاعتداءات.
وفي بعض البلدان، كالمغرب والجزائر، على سبيل المثال، قامت السلطات بإطلاق سراح الآلاف لمنع اكتظاظ السجون، ولكنّها قامت، من جهة أخرى، باعتقال أعداد أكبر بكثير بسبب مخالفتهم لإجراءات العزل المنزلي والحظر!
أما في مصر، التي واجهت فيها السلطات أمر الوباء بالنكران بداية، ثم باتهام «الإخوان المسلمين» بنشره، فقد تُرك العاملون في قطاع الرعاية الصحية من دون حماية بحيث شكّلوا نسبة 11٪ من عدد المصابين، وحين أعرب الأطباء والعاملون الصحيون عن قلقهم من عدم الحصول على الوسائل اللازمة لمحاربة الوباء، أو استنكروا إرسال سلطات بلادهم هذه الوسائل، ومنها الكمامات، إلى بلدان غنيّة كالولايات المتحدة وكندا، وبدأوا بالاحتجاج، ووجهوا بتهم الخيانة والعمالة للإخوان (مجددا!)، وقام الرئيس عبد الفتاح السيسي بنفسه بتهديد من «يشككون» في أداء سلطات بلاده تجاه كورونا، وتزامن ذلك مع بدء حملة اعتقالات ضد الأطباء.
كان مثيرا في هذا الصدد، المزج الذي حصل بين قضية الوباء والتطبيع مع إسرائيل، مع انتشار المعلومات عن عمليات الموساد الإسرائيلي لتأمين مستلزمات الوقاية عبر دول خليجية عربية عُرف بعد ذلك أنها الإمارات، ثم قيام أبو ظبي أيضا بمحاولة اللعب على هذه الورقة بإنقاذ سياح إسرائيليين عالقين في المغرب، ثم إرسالها طائرة تابعة لشركة «الاتحاد» إلى مطار بن غوريون بدعوى إيصال مساعدات «إنسانية» إلى الفلسطينيين.
لكن أغرب تعبير عن هذا الاتجاه جاء مع إعلان قناة (13) الإسرائيلية عن تفاصيل عملية «سرّية» قامت بها إسرائيل في السودان في محاولة لعلاج السفيرة السودانية ومستشارة الرئيس الأوغندي يوري موسيفيني نجوى قدح الدم، وهو ما ترافق مع اتصال رئيس الحكومة الإسرائيلي بنيامين نتنياهو برئيس مجلس السيادة الانتقالي عبد الفتاح البرهان «لتهنئته» بعيد الفطر، لنكتشف أن جزءا من المكالمة كان بخصوص قدح الدم، وأن الطاقم الطبي والذي كان على متن الطائرة لم يتمكن من إنقاذ «مهندسة» العلاقات السودانية الإسرائيلية.
مع امتلاء «قدح الدم» العربيّ بالاعتقالات والاتهامات والتطبيع والعمليات السرّية يبدو أن «العالم العربي» أصبح «مريض العالم».
وسوم: العدد 879