مقتل رفيق الحريري والمحاكمة السياسية الدولية

خالد عبد الله شبيب

في الوقائع

نشد بكم  الرحال من بيروت التي قال عنها قباني قبل أن تستولي على شوارعها ميليشات ساسان الفارسية ، بيروت ست الدنيا ومدينة الجمال و الحب، وخيمة السياسيين وملجأهم،  إلى ساحل بحر الشمال في هولندا، حيث تحط لاهاي بجانب قصر نور الدين وشارعه العريق  ، إلى حيث اختار العالم المتحضر مقرات العدالة الدولية العالمية المليأة بكل شي سوى العدالة وإنصاف الضعفاء والفقراء،

هناك تجثم مقرّات محكمة العدل الدولية التابعة لهيئة الأمم المتّحدة أو ما يسمّى بقصر السلام،  والمحكمة الدوليّة لجرائم الحرب في دولة يوغسلافيا السابقة، ومحكمة التحكيم الدائمة واليوربول Euro pol؛  مكتب الشرطة الأوروبية، و منظّمة الأمم و الشعوب غير الممثّلة في هيئة الأمم المتّحدة ومنظّمة حظر الأسلحة الكيميائيّة ، والمحكمة الجنائية الدولية والمحكمة الخاصة بلبنان بمقتل الحريري

بتاريخ 20/فبراير من عام 2005

تم اغتيال رئيس وزاراء لبنان رفيق الحريري ، الذي يعيش خلافا عميقا مع بشار الأسد وحسن نصر الله ، اغتيل مع 21 شخصًا من مرافقيه ، بتفجير موكبه بألف 1000 كيلو غرام من مادة TNT ا أثناء مرور الموكب بالقرب من فندق سان جورج في بيروت ، في المنطقة التي تسيطر على كل تفاصيلها ميليشا حسن واستخبارات بشار الأسد سيطرة كاملة ،

دفن الحريري مع حراسه في موقع قريب من جامع محمد الأمين ، بعد أن اجربت التحقيقات الأولية، وأرسلت إلى المحكمة الخاصة في لاهاي ، ..

وهناك وبعد خمسة عشرة سنة ، صدر قرارا قضائيا ، جنائيا هزيلا  مبتورا ، يدين عناصر من الميليشيات الإيرانية ويبرؤ ساحة الشركاء و الممولين و القادة والمسؤولين عن الجريمة ، قرارا يدين العناصر المأمورة, ويبرء ساحة القادة الآمرين والشركاء والمتدخلين المسؤولين فعلا عن الجريمة،

ن

            في الأسباب والأدلة

يعتبر القرار مخالفا لصريح القانون و مجافيا للعدالة للأسباب التاليه :

اولا: صدر القرار بإدانة المجرم حسن عياش القيادي في حزب نصر الله ورفاقه , ونفي مسؤولية الحزب ورئيسه عمّا اقترفه المحكوم عليه بموجب الفقرة 2 من  المادة الثالثة من النظام الاساسي للمحكمة الخاصة ، مع تجاهل تام لتفعيل نص المادة الذي يطال الشركاء والمساهمين والمتدخلين في الجريمة !!!! والذي يؤكد على مسؤولية الرئيس مسؤولية مباشرة عن اعمال مرؤوسيه اذا كان العمل بأمره،  ومسؤولية جنائية غير مباشرة إذا كان العمل بدون علمه ولكنه اهمل وقصر في المتابعة،  وخاصة مثل هكذا عملية تستغرق عملا لوجيتسا واستخبارتيا لمدة شهور من التحضير و التخطيط والمراقبة

ثانيا : القرار اغفل استجواب أشخاص أساسيين و مؤثرين في القضية وأهمهم

بشار الأسد وحسن نصر الله المسؤولان الرئيسيان عن حزب الضاحية التابع لإيران  وفقا للقانون الدولي .

ثالثا: القرار لم يكن قرار  قضائيا جنائيا مستقلا  لإهماله قصدا البحث في الدافع الجنائي ، بقدر ماكان سياسيا ، مراعيا مصلحة ايران ونفوذها في المنطقة ونظام أسد حليفها الاستراتيجي ، وهما الوحيدان اللذان لهما دافع التخلص من الرئيس الحريري ,

      الحيثيات والمناقشة القانونية

حيث أن تفجير موكب الرئيس الحريري  تجاوز حالة الرعب والهلع في المجتمع اللبناني الى وقوع ضحايا وتدمير منشأت و التسبب بالخراب بواسطة " المواد المتفجرة " التي تعتبر من وسائل تهديد السلم والامن الدوليين ،  فإن الجريمة تعتبر جريمة إرهابية دولية  تهدد السلم والأمن الدوليين .

- وحيث أن الجرائم الإرهابية التي يتوفر فيها تعدد الفاعلين ، يُسألون جنائياً جميعا عن نفس الجريمة التي اشتركوا بها أو ساهموا أو تدخلوا ، او وقعت بناءً على إغرائهم وتسهيلهم لإرتكابها ويوصف هؤلاء بالشركاء في الجريمة.

فالشخص الداخل في جماعة منظمة تنظيماً عسكريا كقائد  مسؤول جنائياً بطريقة أو بأخرى  عن الجربمة تلقائياً عن الجريمةالتي يقوم بها شركاؤه وزملائه ومرؤوسيه، 

- وحيث أن الاغتيال جريمة يقع فيها الاعتـداء بالتخطيط سرا، أو على حين غرة، بحق فرد أو جماعة، لتحقيق أهداف سياسية ، فعملية الاغتيال تصدر عن تصميم مسبق، بهدف التخلص من الطرف الآخر، ينفذه نظام مستبد أو ميليشيات أو رجال عصابات، متجاهلين أن حكم القانون فوق الجميع.

- وحيـث أن جرائم الاغتيال السياسي تعتبر مخالفة واضحة وفاضحة وانتهاك صريح لكافة قواعد وأحكام القانون الدولي الإنساني العرفي والتعاقدية، والقانون الدولي لحقوق الإنسان بكافة مبادئه.

- وحيث أن عملية اغتيال الرئيس الحريري هي جريمة مركبة " سياسية إرهابية " لا يمكن للمحكمة اغفال دور الدافع السياسي من وراء هذا العمل الإرهابي ،و عليها التوسع في البحث فيه والوصول الى الفاعلين والشركاء والمتدخلين في هذه الجريمة .

لذلك وإنطلاقاً من القرائن القضائية المتوفرة في ملف الدعوى وهي:

1- قرينة ارتباط المحكوم عليه سليم عياش بحزب الله ارتباطاً تنظيميا وعسكرياً.

2- قرينة ثبوت الدافع السياسي للتخلص من الرئيس رفيق الحريري لدى كل من حزب الله والنظام السوري على اعلى مستويات القيادة السياسية والعسكرية.

3- قرينة كمية المتفجرات الكبيرة ونوعها المستخدمة في عملية الاغتيال التي لا يمكن لشخص واحد تأمينها.

4- قرينة استحالة تنفيذ عملية الاغتيال دون وجود نظام مراقبة لتحركات موكب الرئيس الحريري الذي يتطلب وجود أكثر من شخص وإمكانيات لوجستية تفوق قدرة الشخص العادي وخصوصاً مراقبة منظومة الاتصالات وحركة المرور.

5- قرينة التهديدات السابقة لعملية الاغتيال الثابتة والصادرة عن النظام السوري وحزب الله للرئيس رفيق الحريري.

6- قرينة عمليات التحريض السياسي والإعلامي ضد الرئيس الحريري من قبل حزب الله وحلفائه والنظام السوري التي سبق عملية الاغتيال.

7- قرينة إخفاء وعدم تسليم المتهمين للمحكمة الجنائية الدولية , من قبل حزب الله والنظام السوري.

- ولما كانت تلك القرائن لا يمكن أن تكذب مثلما يكذب الشهود , إذ أن كثيراً ما تكون القرائن في الواقع اصدق دليلا من الشهود باعتبارها وقائع صامتة لا تعرف الكذب ,

لذلك فإن اغفال المحكمة البحث في الدوافع السياسية لحزب الله والنظام السوري ومدى علاقتها في عملية الاغتيال ومدى مشاركتهما في تنفيذها يعتبر خطأ مهنيا جسيما منافيا لروح القانون والعدالة المرجوة من نصوصه ،

  الامر الذي يوجب عليها إعمال القرائن المذكورة في ادانتهما لاسيما انها تستند الى أصل ثابت في الدعوى وهو العلاقة التنظيمية والعسكرية للمحكوم عليه سليم عياش والتهديدات المسبقة ضد الرئيس الحريري من قبل بشار الأسد وقيادات حزب الله.

ونختم بالقول :

تبين لنا من تلك المحاكمات الدولية السياسية انه ، لا منظمات حقوقية ولا محاكم دولية او اقليمية تسعفنا في الوصول الى حقوقنا بالقصاص من قتلتنا .

و لايحقق العدالة إلا قضاء وطني نزيه ومستقل , ولا يوصل اليها إلا قانون عادل وصارم , ولا يضمن تنفيذ قراراته إلا قوة تنفيذية شريفة.

وكما قال الشافعي رحمه الله

‏ما حكَّ جلدكَ مثلُ ظفركَ

                  فَتَوَلَّ أنْتَ جَميعَ أمركْ

وإذا قصدْتَ لحاجَة ٍ

                  فاقْصِدْ لمعترفٍ بقدْرِكْ