هل تصمد الكويت: كيف ولماذا؟
منذ الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي يطرح سؤال جوهري: هل تصمد الكويت أمام الإعصار الجديد المرتبط بالضغط الأمريكي لفرض التطبيع والتحالف مع إسرائيل؟ وهل تستطيع الكويت التمسك بثوابتها بينما دول أخرى تضرب ذلك بعرض الحائط؟ وقد تضخم هذا السـؤال في الأيام الأخيرة منذ تعليق كوشنر صهر الرئيس الأمريكي على موقف الكويت النقدي تجاه الإتفاق. لقد تحدث صهر الرئيس كوشنر أكثر من مرة عن الكويت وذلك في محاولة لإحراجها بسبب التزامها بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
إن جوهر موقف الكويت هو استمرارها على مبادئ العدالة والشرعية الدولية و ما أجمع عليه العرب في المبادرة العربية عام 2002. إن موقف الكويت ينطلق أيضا من كونها لا تملك حدودا مع إسرائيل، وهي ليست دولة مواجهة ولهذا هي غير مضطرة للتطبيع والتحالف مع الحركة الصهيونية. وفعلا ما حاجة الكويت لأجهزة التجسس الإسرائيلية، وما حاجتها لاستفزاز إيران في قلب الخليج، ثم لاستفزاز المجتمع الكويتي في الداخل والمجتمعات العربية من المحيط للخليج، وما حاجتها للاستثمار في إسرائيل او لجلب استثمارات إسرائيلية اليها. فمن بين كل التجارة في العام وكل الاستثمارات المتبادلة بالعالم ما الاضطرار للاستثمار مع الأبارتهايد الإسرائيلي؟
بنفس الوقت ينطلق الموقف الكويتي من أنه لم يقع تطور في المشهد العربي الإسرائيلي يتطلب تطبيعا، فلا إسرائيل انسحبت من الأراضي المحتلة ولا هي رفعت الحصار عن غزة ولا هي بنفس الوقت أوقفت الاستيطان والحفريات والتهويد في القدس ولا نسفت الجدار العنصري الفاصل الذي أقيم على أراض فلسطينية محتلة، كما أن إسرائيل لم تطلق سراح السجناء، ولم تفتح صفحة جديدة مع الشعب الذي تحتل أراضيه ومع شعوب المنطقة. كل الذي تفعله إسرائيل أنها تتمادى في عدوانها، وتتمادى في احتلالها.
ما لا يلاحظه احيانا من هم خارج الكويت أنه في الكويت حياة سياسية، وأن هذه الحياة السياسية تسمح بدرجات من التعبير بين تيارات سياسية وبين قوى مدنية وجمعيات نفع عام. ورغم أن الكويت مرت بأزمات سياسية وأن درجة الحريات اليوم ليست كما كانت قبل عشر سنوات، الا أن الكويت لم تتنازل عن وجود انتخابات دورية وبرلمان يحمل درجة من التمثيل النسبي للمجتمع، كما وحريات تسمح للمواطنين الكويتيين بالتعبير عن آرائهم في الشأن المحلي والإقليمي.
هذا البعد الشعبي الكويتي مرتبط بدستور الكويت، ومرتبط بطبيعة شعبها المتمسك بحرياته، ومرتبط أيضا بتاريخ للعمل السياسي الكويتي بين قادتها وأمرائها من جهة وبين مجتمعها وجمعياتها المدنية وتياراتها السياسية من جهة أخرى. ورغم أن الكثير من الدول المحيطة في الإقليم قامت باجتثاث شامل لكل تيار سياسي أكان إسلاميا أو قوميا أو حقوقيا، إلا أن الكويت لم تمارس الاجتثاث الذي مارسته العديد من الدول العربية في الخليج وفي بقية دول الإقليم. هذا لم يعن عدم وجود ازمات وأحكام قضائية ومطالبات شعبية بمزيد من الحريات، لكن الكويت استمرت بنفس الوقت بالتفاعل مع التيارات الشعبية والحقوقية. فبين التيار القومي الكويتي والتيار الإسلامي بشقيه السني والشيعي وبين التيار الحقوقي السياسي وبين مواقف الأفراد يوجد في الكويت تجربة تستحق المتابعة والبناء عليها. التجربة السياسية الكويتية جعلت من سياسة الكويت تجاه العالم الخارجي وتجاه قضية فلسطين متوازنة وقادرة على مقاومة الضغوط الخارجية.
إن نظرة الكويت تجاه السياسة الإقليمية والخارجية تستند لثوابت تاريخية. فالكويت لم تحد عن استقلاليتها في التعامل مع إيران، ولم تقل يوما بأنها تريد عسكرة العلاقة معها، بل في كل مرة سعت لإبقاء الخليج منطقة خالية من النزاعات. الاستقلالية الكويتية عبرت عن نفسنا في أزمة حصار قطر، كما وفي مؤتمر البحرين الخاص بصفقة القرن المنعقد عام 2019. لم تقبل الكويت أن تكون شاهد زور في اتفاق يحاول تصفية الحقوق التاريخية العربية في فلسطين. وبحكم تجربة أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد تبلور في سياسة الكويت الخارجية إلمام واضح بالتاريخ والتواءاته.
لهذا ليس غريبا أن تقاوم الكويت التطبيع، فهي تعلم خير المعرفة ماذا حصل مع الدول والأطراف العربية التي اضطرت للتطبيع. والكويت تعلم الكويت بحكم التجربة بأن هذا الاتفاق مقدمة لمشكلات أخرى وأنه سيفيد إسرائيل وتمددها وعنصريتها. بنفس الوقت لن تتورط الكويت باتفاق لا يحظى بإجماع عربي شعبي. إن الموقف الكويتي بحد ذاته أصبح أحد أهم رموز رفض الإقليم العربي للخضوع للصهيونية.
إن العلاقة الأمريكية الكويتية لم تعن في يوم من الأيام التبعية للبيت الأبيض أو للسياسة الأمريكية. بعد تحرير الكويت عام 1991 رفضت الكويت التطبيع. كما إنها صوتت مع كوبا ضد الولايات المتحدة في أمور اعتبرتها مبدئية تجاه كوبا، كما أن الكويت قادت موقفا في الجمعية العامة في ديسمبر 2018 منع تمرير قرار في الأمم المتحدة يعتبر حركة حماس منظمة إرهابية وذلك بسبب ردها الصاروخي على القصف والهجمات الإسرائيلية على غزة. بالفعل كان المنطق الكويتي في مكانة، فحماس منظمه تكافح على أرضها ولم تقم بأعمال عنيفة في اي مكان في العالم، بل يعرف عن حماس التركيز على المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي. وبنفس الوقت وقفت الكويت مع السلطة الفلسطينية ولم توقف دعمها عن وكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، كما أنها لم توقف دعمها للبنان. في هذا نموذج لحكمة الكويت ولارتباطها بعمقها العربي وقدرتها على رفض الإملاءات المنحازة وغير العادلة التي سعت إدارة ترامب لفرضها.
إن الموقف الكويتي الرسمي والشعبي، قد لا يغير من موازين القوى المباشرة في فلسطين، لكن هذا التوجه يعطي نسمات أساسية من التفاؤل، كما إنه يترك أثره بين الكثير من الفلسطينيين والعرب المؤمنين بالنضال من أجل العدالة وتحرير الأرض من الأبارتهايد والاحتلال الاستيطاني.
وسوم: العدد 892