البقرة الإماراتية الحلوب: تطبيع وتضليل وتمويل
لم يمض وقت طويل على توقيع اتفاقيات التطبيع بين كل من الإمارات والبحرين مع دولة الاحتلال الإسرائيلي حتى أخذت تتكشف تباعاً الأكاذيب التي روجت لها أبو ظبي والمنامة على سبيل تبرير تلك الاتفاقيات. ولم يكن مستغرباً أن تكون الجهات التي فضحت زيف تلك الاتفاقيات وتناقضاتها وأضاليلها هي سلطات الاحتلال ذاتها، ومعها الإدارة الأمريكية التي كانت وراء استدراج التنازلات الإماراتية والبحرينية وإنضاج صفقات التطبيع المذلة.
وبالأمس وصل إلى مطار بن غوريون وفد إماراتي يترأسه وزيرا المالية والاقتصاد، صحبة وزير الخزانة الامريكي ومستشار البيت الأبيض لشؤون الشرق الأوسط، حيث حرص نتنياهو على استقبال الوفد بنفسه وألقى خطبة عصماء أعاد فيها التبشير بالأكذوبة الأصلية عن سلام بين دولتين لم تكن بينهما أي حالة حرب. كما شدد على ما تعتبره دولة الاحتلال درّة مكاسبها من التطبيع مع الإمارات والبحرين، أي مبدأ «اقتصاد مقابل اقتصاد».
وهذا بالضبط هو دور البقرة الحلوب المناط بالإمارات تحديداً، إذ تفاخر وزير الشؤون المالية الإماراتي بإنشاء «صندوق أبراهام» بقيمة ثلاثة مليارات دولار، يكون مقره القدس المحتلة ويستهدف إنعاش اقتصاديات الشرق الأوسط، ولا يخفى بالطبع أن دولة الاحتلال هي الطرف الأكثر استفادة من هذا الاستثمار الجديد، ولهذا فإن السفارة الأمريكية في القدس المحتلة لم تتأخر في المشاركة بمديح المشروع.
ولقد تباهى نتنياهو بأن الوفد الإماراتي، وخلال مكوثه أربع ساعات فقط في منطقة المطار حصرياً، سوف يوقع مع دولة الاحتلال 14 اتفاقية يتصدرها بروتوكول إلغاء تأشيرة الدخول للأفراد بين البلدين، في سابقة هي الأولى بالنسبة إلى أي اتفاقيات سلام مسبقة أبرمتها دولة الاحتلال مع نظام عربي، كما تتضمن اتفاقاً بتسيير 28 رحلة تجارية أسبوعياً بين مطارات بن غوريون وأبو ظبي ودبي. في الوقت ذاته كانت دولة الاحتلال تلغي تأشيرات الدخول والعمل للعشرات من موظفي مفوضية حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة، وهي المنظمة الوحيدة التي كان مسموحاً لها مراقبة أوضاع حقوق الإنسان في الضفة الغربية وقطاع غزة. كذلك كانت الإمارات تواصل سياسات فرض التأشيرة على مواطني عشرات الدول العربية والإسلامية، كما تفرض الحظر على تحليق طيران دولة قطر ودخول مواطنيها.
وأما أكذوبة التراجع عن ضم أراض فلسطينية محتلة ومستوطنات إسرائيلية في الضفة الغربية والغور، أو حتى تجميد الخطط، فقد فضحتها قرارات سلطات الاحتلال وهيئات الاستيطان بالإعلان عن مشاريع لبناء 2126 وحدة سكنية استيطانية جديدة في مناطق مختلفة من الضفة الغربية، هي الجزء الأول من مخطط أكبر لإنشاء 5000 وحدة استيطانية مماثلة. هذا عدا عن تدشين مستوطنة «مرتفعات ترامب» في الجولان السوري المحتل، من قبيل تكريم الرئيس الأمريكي راعي اتفاقيات «السلام» ذاتها.
وكأن هذا كله لا يكفي، إذ تعهدت الإمارات بمبلغ 600 مليون دولار لتمويل مشروع «وادي سيليكون» استيطاني في القدس المحتلة، ضمن منطقة صناعية سوف تسفر عن هدم 200 منشأة تجارية فلسطينية، وهدفها الأبرز هو فرض أمر واقع على القدس الشرقية التي ما يزال القانون الدولي يعتبرها محتلة.
وهكذا فإن البقرة الإماراتية الحلوب لا تساهم في صناعة الأكاذيب فقط، بل تمول الاحتلال وتخرق القانون الدولي وتسد رمق الكيان الاستيطاني العنصري.
وسوم: العدد 899