حماية إسرائيل للدول الخليجية .. الاستجارة بالنار من الرمضاء
تكاد إسرائيل أن تكون مصدر كل الأخبار المهمة في المنطقة ، وهي دائما أخبار سارة لإسرائيل ، محزنة للمواطن العربي . يلمح مسئول إسرائيلي أو وسيلة إعلام إسرائيلية إلى قرب التطبيع مع دولة ، فيتم التطبيع . وتكشف وسيلة إعلام إسرائيلية عن زيارة سرية سابقة لمسئول إسرائيلي إلى دولة عربية ، فتتأكد صحة الكشف . ومن هذه الأخبار ما ألمح إليه أمس ، الثلاثاء ، موشيه باتيل رئيس منظمة الدفاع الصاروخي الإسرائيلية التابعة لوزارة الدفاع ، وهو أن إسرائيل مستعدة لتعاون مستقلي في الدفاع الصاروخي مع دول الخليج العربية التي ، مثلما قال ، تشارك إسرائيل مخاوفها من إيران . وفي أخبار قديمة أن إسرائيل تحمي آبار البترول والغاز في بعض الدول الخليجية . وقد تكون هذه الحماية مباشرة ، أي تقوم بها قوات تابعة للجيش الإسرائيلي ، أو غير مباشرة ؛ بشركات أمنية إسرائيلية لها اتصال وثق بالجيش الإسرائيلي . إسرائيل وثلاث دول خليجية هي بلاد الحرمين والإمارات والبحرين لا تتوقف عن " استنزاف " الخطر الإيراني وسيلةً للتقارب والتطبيع والتعاون الأمني والاستخباري والعسكري حتى بات الناظر في هذا الاستنزاف يتساءل : ماذا سيحدث لعلاقة إسرائيل بهذه الدول إذا زال الخطر الإيراني المضخم ؛ بطريقة ما حاسمة ؟! بداهة لن تعجز هذه الأطراف عن اختلاق خطر مشترك آخر بينها . وإذا كان تضخيم الخطر الإيراني والتهويل منه يفيد إسرائيل في تبرير الارتباط بهذه الدول ، فما فائدته لهذه الدول ؟! لا فائدة البتة إذا كان الهدف هو فائدة الوطن والمواطن ، أما إذا كان فائدة النظام الحاكم فالفائدة مؤقتة عابرة . الأنظمة لا يحميها حماية باقية إلا ارتباطها بشعبها النابع من ثقة الشعب بها ، وهي الثقة التي تفتقدها الدول الثلاث ،والشاهد تطبيع الحكم في الإمارات والبحرين مع إسرائيل في الوقت الذي يرفضه شعبا البلدين ، ولولا الكبت والقمع لكان تعبير هما عن رفضهما أشد وأعنف . وشعب بلاد الحرمين يرفض تطبيع بلاده مع إسرائيل . أوباما في آخر أيام رئاسته نبه الدول الخليجية ناصحا بأن مشكلاتها في داخلها وليست مع إيران مركزا في نصحه على بلاد الحرمين ، ومضى في توقيع الاتفاق النووي مع إيران في 2015 . أمن الدول الحقيقي والباقي والمشرف يأتي من داخلها . وفي حالة الدول الخليجية فإن أي بحث عن الأمن بالارتباط بإسرائيل هو خيانة كبرى للعقيدة وللأمة ولا شرف فيه ، وهو استجارة من الرمضاء بالنار ، الرمضاء التي تصنع حرارتها أنظمة حكم هذه الدول . بلاد الحرمين كانت قبل تدخلاتها السلبية الشريرة في سوريا وليبيا ، ومصر بالمساعدة في القضاء على حكم مرسي الرئيس المنتخب ،وعدوانها على اليمن بدعوى حماية الشرعية ؛ أكثر بلاد الدنيا أمنا وأمانا ، وكل هذا اختفى خاصة بعد عدوانها على اليمن الذي يقترب من إكمال سنته السادسة في شائنة وطنية وقومية وأخلاقية وإنسانية وعسكرية ،وقبل كل ذلك عقيدية . إسرائيل منذ أن اختلقت اغتصابا وعدوانا في المنطقة العربية تقاسي من مشكلات أمنية مصيرية ، وستظل تقاسي منها حتى تختفي من هذه المنطقة ، فلم تربط الدول الخليجية نفسها بها ؟! وهي ، إسرائيل ، لن تحمي هذه الدول ، ومشهود أنها لم تحمِ أمنها الذاتي أمام حزب الله الصغير الكثير الأعداء في لبنان وخارج لبنان ،ومن أعداء الخارج هذه الدول الثلاث ، ولكل عدو أسبابه ، ولم تحمٍه أمام غزة الصغيرة والفقيرة والمحاصرة ، وخُلِق بين الطرفين توازن ردع غريب بالمقاييس العسكرية التقليدية . وكل اقتراب لهذه الدول من إسرائيل في أي بعد من أبعاد الاقتراب ، وأكشف هذه الأبعاد وأوضحها الاقتراب العسكري ؛ سيزيد من أعداء هذه الدول عربيا وإسلاميا ، ويساويها في نظر العرب والمسلمين بإسرائيل ،وتلك منزلة ما أسوأ عقباها على أنظمة حكم هذه الدول ، ومفاجآت التاريخ كثيرة ، وأحيانا خطيرة مأساوية ، وهي التي يسمونها مكر التاريخ . والعالم الآن مقبل على إحدى تجليات هذا المكر بعد محنة الانتخابات الأميركية التي فجرها معتوه مجنون استحب القفز فوق سياج الدستورية التاريخية المتينة للنظام الانتخابي الأميركي هو ترامب ، وأنزل بلاده منزلة رديئة محتقرة في عيون العالم باستثناء عيون إسرائيل وحكام الطغيان والاستبداد العرب . أميركا بعد هذه المحنة لن تكون أميركا التي عرفها العالم منذ الحرب العالمية الثانية ، والمقدر أنها ستتجه نحو الأسوأ . وإذا كان مكر التاريخ يفعل بدولة في قوة أميركا هذه الأُفعولة المنذرة بالانحدار ، فما عساه يفعل بدول من صنف دول الخليج وصفها الراحل هيكل محقا مشخصا لهويتها ب " قبائل تتخفى في أزياء دول " ؟! عاشت كل عمرها في ظل حراب بريطانيا وأميركا ،وتريد الآن العيش في ظل حراب إسرائيل التي تصارع من أجل البقاء صراعا ميئوسا منه ولو بدت ذات قوة ورغبة في الهيمنة وحماية من تزعم أنها تواجه معهم خطرا واحدا.
وسوم: العدد 907