فايننشال تايمز: السلام في سوريا سراب طالما ظل الأسد في الحكم
لندن ــ “القدس العربي”:
يرى المعلق في صحيفة “فايننشال تايمز” ديفيد غاردنر أن السلام في سوريا يظل سرابا والسبب هو وحشية بشار الأسد، وأضاف أن الرئيس في مركز عدم الاستقرار لكن الحل يكمن في تسوية أمريكية- إيرانية.
وقال في مقالته إن الانتفاضة المدنية ضد الأسد وطغيانه الوراثي في سوريا بدأت قبل عشرة أعوام هذا الأسبوع، وتحولت إلى حرب أهلية وحشية لا تزال محتدمة وتشيع الفوضى في الشرق الأوسط وأوروبا. وأضاف أن الحرب السورية هي في الحقيقة ثلاثة نزاعات: نظام الأقلية الذي يقوده الأسد ويشن حربا شاملة ضد شعبه، ونزاع عرقي- طائفي والذي يقوده المحور الذي تقوده إيران ضد الغالبية السنية في سوريا وحرب إقليمية والتي تستخدم فيها القوى الخارجية بما فيها روسيا، تركيا، إيران والولايات المتحدة، سوريا كساحة لمتابعة مصالحها.
وقال إن الغزو المتهور الذي قادته الولايات المتحدة على العراق في عام 2003 أدى لزرع بذور حروب الوكالة بين السنة والشيعة في المنطقة ولتكاثر الحركات الجهادية. وكان ضعف القوى الغربية التي حرضت ضد الجماعات السورية المعارضة ثم تركت أمر تسليحها لتركيا ودول الخليج ضامنا لأن تتفوق الجماعات المسلحة على المعارضة الرئيسية.
بشار الأسد في مركز عدم الاستقرار لكن الحل يكمن في تسوية أمريكية- إيرانية
واستخدم الأسد ومن يعتذرون له هذه الذريعة لتقديم أنفسهم على أنهم حاجز علماني يحمي الغرب من التطرف بدلا من كونهم حاضنة للقوى السامة التي يقدمون أنفسهم كمضادين لها. فقد أفرغوا السجون السورية من الجهاديين في 2011 وراهنوا أنها ستقوم باختطاف الثورة، تماما كما أثاروا الطائفية في لبنان وأرسلوا المتطرفين السنة إلى العراق المحتل من أمريكا. ومع ذلك اقتربت المعارضة من الإطاحة بالنظام في 2012 و2013 و2015، وأصبح الأسد عالقا في بقايا دولة، حتى تدخلت إيران أولا ثم روسيا وجاءتا لنجدته. واستطاع الآن استعادة نسبة 70% من سوريا مع أن مناطق واسعة يسيطر عليها حلفاء النظام من أمراء الحرب ومنظمات الجريمة المنظمة.
وكان الثمن باهظا ومريعا. فالغارات السورية والروسية والقصف المدفعي حول المدن السورية بما فيها حلب وحمص إلى أنقاض. ومعظم القتلى في الحرب وعددهم تقريبا نصف مليون شخص من المدنيين، وقتلوا من خلال البراميل المتفجرة والصواريخ الباليستية والتجويع والحصار وغاز الأعصاب وغيرها من الأسلحة الكيماوية التي استهدفت المدارس والأسواق وأكثر من 800 عيادة ومنشأة طبية. وتم تشريد نصف السكان.
ويحب نظام الأقلية الذي لم يعد لديه القدرات البشرية الديمغرافيا الجديدة، ومنح الرخص لتجار الحرب والمتربحين منها لمصادرة ممتلكات اللاجئين، بالإضافة لكوفيد-19 الذي ينتشر في سوريا. فالرضا عن هزيمة تنظيم الدولة وخلافته العابرة للحدود ليس في محله، فسلفه في العراق ولد من جديد في العراق وسوريا وبعدما تراجع عدد قواته لمجرد 600 مقاتل، غير أن الخبراء يرون أن العدد زاد عن ذلك بـ 40 مرة، وهو عدد كاف لإعلان تمرد في دولتين متفككتين. وتعرف أوروبا والشرق الأوسط أن الجهاديين لا ينحصرون في حقول الموت العراقية والسورية.
معظم القتلى في الحرب وعددهم تقريبا نصف مليون شخص من المدنيين، وتم تشريد نصف السكان
وتساءل الكاتب، ما هو مستقبل سوريا؟ ويجيب أن الأسد رغم غروره إلا أن سوريا في عهده أصبحت جزءا من ثلاث دول وهي روسيا وإيران وتركيا فيما يظل الوجود الأمريكي بين بين، أي خارج وداخل. ولكن الأسد هو مركز عدم الاستقرار ويمنع الدستور الجديد الذي دفعت به موسكو الذي قد يحدد قوته وطغيانه، وسيطرت تركيا بحنينها العثماني الجديد على أربعة جيوب لدفع حلفاء أمريكا الأكراد بعيدا عن حدودها.
ولكن روسيا وتركيا في حالة قتال مستمرة. وربما كانت إيران أكثر مرونة. ويريد جوزيف بايدن العودة إلى الاتفاقية النووية التي مزقها سلفه دونالد ترامب والعمل بعد ذلك مع جيران إيران للحد من جهودها في مجال الصواريخ الباليستية والميليشيات لبناء محور من القوة الشيعية في المشرق وحتى الخليج. والمحور هو مجموعة من الدول الفاشلة وهي سوريا ولبنان واليمن والعراق والتي تحاول طهران والجماعات الموالية لها السيطرة عليها. وأي حل يجب أن يكون يحتوي على تقارب إقليمي وبناء أمني يتبعه برنامج إعادة إعمار تستفيد منه دول الخليج وهي تحاول تنويع اقتصادها بعيدا عن النفط، وحتى الآن يبدو هذا كسراب وليس رؤية، وهذا لا يعني أن هناك بديلا قابلا للتطبيق.
وسوم: العدد 920