هل حقا كانت آخر أيام طالبان في أفغانستان؟
في عام 2001، وضعت مجلة «التايم» الأمريكية على غلافها صورة للملا عمر باللباس الأفغاني التقليدي، وعنونت عددها بـ»آخر أيام طالبان» في تعليق على سقوط حكم طالبان أمام الهجوم الأمريكي، لكن اليوم وبعد عشرين عاما، يبدو أن المجلة الأمريكية كانت مخطئة، ويفترض بها أن تنشر في عددها المقبل الصورة مع عنوان «آخر أيام الأمريكيين».
أرهق الأمريكيون من الحرب بعد عشرين عاما، أنفقوا مليارات الدولارات وآلاف الجنود بين قتيل وجريح، وماذا كانت النتيجة؟ تنامي وجود طالبان وعودتها بقوة، أمام حكومة أفغانية بالكاد تسيطر على العاصمة والمدن المهمة في البلاد، على الرغم من كل الدعم الأمريكي، فالدعم الخارجي عقيم، من دون وضع داخلي يستند إليه.
مفاوضات الأمريكيين مع حركة طالبان، التي فشلت واشنطن في كسرها بعد 20 عاما، مثال اخر على أن أمريكا ليست قدرا لا يرد، وأن قدرتها على المطاولة في نزاع مكلف أولا، وبعيد عن أولويات أمنها القومي ثانيا، هي قدرة ثبتت محدودياتها في أكثر من مناسبة، منذ ايام فيتنام، فلن تضع أمريكا كل اهتمامها وجل قوتها في منطقة بعيدة عن اهتمامها، والأهم أنها كانت وما زالت تحقق نفوذها الخارجي وهيمنتها العسكرية عبر حلفاء محليين، قوتهم من قوتها وضعفهم من ضعفها. فلولا تحالف الشمال في أفغانستان، المكون في أغلبه من طاجيك وأوزبك وهزارة، لم يكن للولايات المتحدة إسقاط طالبان المعتمدة على دعم البشتون، بتلك السرعة والكيفية، ورغم وجود بعض الفصائل من البشتون كجماعة الشورى الشرقية ذات الأغلبية السنية البشتونية، بقيادة حاجي عبد القدير، إلا أنها والجمعية الإسلامية كان يسيطر عليهما الطاجيك السنة، ويقودهما رباني وشاه مسعود، كما كانت هناك قوات عبد الرشيد دوستم ذات الأغلبية السنية الأوزبكية والتركمانية، وقاد آصف محسني وكريم خليلي جماعات للشيعة الطاجيك والهزارة الشيعة. يقول تقرير المخابرات الأمريكية الأخير حول أفغانستان، أن سحب القوات الأمريكية سيترك الرئيس الأفغاني أشرف غني وحكومته المنتخبة، تحت رحمة الميليشيات، وأن حركة طالبان واثقة من قدرتها على تحقيق النصر عسكريا، أمام حكومة أفغانية ستكافح للوقوف على قدميها في مواجهة حركة طالبان «الواثقة من نفسها» كما يصفها التقرير.
وقد يؤدي سحب القوات الأمريكية من أفغانستان إلى حرب أهلية، كما يقول الخبير الأمني الأفغاني في كابول شفيق همدام، فهناك قوميات كالأوزبك والهزارة سيكونون بلا شك من المنزعجين من سيطرة تنظيم بشتوني إسلامي على الحكم مجددا، بعد ان لعبت الجماعات المسلحة الأوزبكية المعارضة وشركائها في تحالف الشمال، لعبوا دورا حاسما في السيطرة على كابول بدعم من القصف الأمريكي عام 2001. ويبدو الأمر مشابها في العراق، عندما استفاد الأمريكيون من الشيعة والكرد المناوئين لحكم صدام ذي الصبغة السنية، ولذلك يقول بريمر في مذكراته، إن الأمريكيين كانوا مضطرين لإلغاء الجيش العراقي، لأن ذلك كان يضمن دعم الأغلبية السكانية من الشيعة والأكراد، الذين وصفوا جيش صدام بأنه جيش من الضباط السنة. الجيش الأفغاني في وضع صعب، فهو يعتمد على دعم الولايات المتحدة ماليا وعسكريا، ولا يمكن له الصمود بوجه طالبان التي تمكنت طوال هذه الفترة من إعادة ترتيب صفوفها. لذلك فالحلفاء المحليون يلعبون الدور الأهم في تهيئة موطئ قدم لأي وجود أجنبي، لأن هولاء الحلفاء هم في الحقيقة يسعون للاستفادة من الوجود الأجنبي للاستقواء بها ضد خصومهم الداخليين كطالبان، ولموازنة قوتهم المحدودة، وفي المقابل، فإن خروج الامريكيين من أفغانستان سيعني في ما يعني، عودة أفغانستان للمشهد الأول، بهيمنة البشتون بجناحهم الأصولي الإسلامي الممثل في طالبان، إذا ما علمنا ان الرئيس كرزاي كان من البشتون، لكنه لا يمثل الميل العام لقبائل البشتون الأكثر ارتباط بطالبان.
ما يحدث في أفغانستان من ذبول للمشروع الأمريكي، هو امتداد لحالة التراجع العامة للدور الأمريكي في الشرق الأوسط ومناطق النزاعات، خصوصا مع دخول أقطاب جديدة حلبة المنافسة، وانتزاعها لحصة من النفوذ، كالصين وروسيا وإيران.
وسوم: العدد 926