عمالة الأطفال في حماة: البحث عن البقاء على حساب المستقبل
حماة- “أصبح تعليم أطفالي رفاهية يمكن الإستغناء عنها”، يقول أبو كريم، عامل النظافة في مدينة حماة، إذ “لم يعد بإستطاعتي مجاراة أدنى متطلبات عائلتي”. موضحاً: “كيف لي أن أؤمن طعامهم وشرابهم وراتبي الشهري بالكاد يصل إلى 60 ألف ليرة [19 دولاراً أميركياً، وفق سعر الصرف البالغ 3200 ليرة للدولار في السوق الموازية]، ومنزلي بحاجة إلى أكثر من 120 ألف ليرة بين أجرة منزلي البسيط في أكثر منطقة شعبية بحماه ومتطلبات الطعام والشراب من الخبز والأرز؟”، يضاف إلى ذلك “متطلبات المدارس والتعليم التي لا تنتهي من حقائب ودفاتر وأقلام”.
فرغم أن “كلّ أب يحلم بتعليم أطفاله وتخريجهم من أفضل الجامعات لتأمين حياة ومكانة اجتماعية تليق بهم وليس كحياة آبائهم”، كما يضيف الأب لثلاثة أولاد، إلا أنه اضطر مع تفاقم الازمة الاقتصادية في سوريا، والتي أدت إلى انهيار حاد في قيمة الليرة السورية إلى إخراج اثنين من أبنائه من المدرسة وزجهم في سوق العمل.
“إبني الأكبر ذو الإثنا عشر عاماً وبعد أن نجح في الصف السادس الإبتدائي قمت بإيقافه عن دراسته ووضعه في مهنة ميكانيك السيارات في المنطقة الصناعية في حماة، براتب شهري يقارب 35 ألف ليرة [11 دولارات] أي ما يقارب نصف راتبي الحكومي”، كما أوضح، فيما ولدي الآخر إبن العشرة أعوام أقنعته بأن تعلمه لصنعة الحلويات أفضل وأربح مادياً من دراسته التي بالكاد يكون مستقبلها موظفاً في مؤسسات الدولة ورواتبها الشهرية لا تغني ولا تسمن من جوع، فيما راتبه الشهري [حالياً] يقارب 20 ألف ليرة [6.25 دولارات]”.
ظاهرة متفاقمة
قصة أبو كريم وولديه “ليست سوى غيض من فيض قصص تدمع لها العيون تشهدها المدارس في محافظة حماة وسوريا بشكل عام بشكل يومي”، بحسب حامد، المدرس في المدارس الإعدادية بالمحافظة. لافتاً إلى أن العام الدراسي الحالي “شهد تسريباً كبيراً للطلبة، خاصة في المرحلتين الإبتدائية والإعدادية، لأسباب مختلفة، أهمها الأسباب اقتصادية التي تتركز في ضعف الحالة المادية لأهل الطلبة ما يدفعهم للبحث عن أي عمل يتقاضى منه أجراً وإن كان زهيداً وعلى حساب مستقبله”.
ويقدر حامد حاجة الأب لطفل واحد ملتحق بالمدرسة بما لا يقل “عن عشرة آلاف ليرة للدفاتر، علاوةً عن سعر الحقيبة التي تتراوح بين خمسة آلاف ليرة وصولاً إلى خمسين ألفاً، بالإضافة إلى اللباس المدرسي والأقلام والحاجيات التي يتمناها كلّ طفل، دوناً عن حاجته اليومية من المصروف اليومي الذي بالكاد تكفيه مائتا ليرة يومياً”.
وقد شهد الفصل الأول من العام الدراسي 2020/ 2021 زيادة في التسرب من المدارس الإبتدائية إلى نسبة 15%، فيما بلغت النسبة في المدارس الإعدادية والثانوية حوالي 12%، بحسب مصدر في مديرية التربية بحماة طلب عدم الإفصاح عن هويته. مضيفاً أن النسبة الأكبر للطلبة المتسربين كانت بين الفتيات، وهو ما يعزى بالإضافة إلى الفقر، إلى عزوف كثير من أهالي بعض المناطق والأرياف بالمحافظة عن تعليم بناتهم، وكذلك استشراء ظاهرة الزواج المبكر في سوريا ككل.
بالنتيجة، “تبددت اليوم أحلام الطفولة والأقاويل المختلفة التي كانت تسمع من أفواه الأطفال في مدارسهم رداً على سؤال: ماذا تحلم أن تصبح غداً؟”، بحسب المدرس حامد، إذ “كانت الإجابات تذهب إلى أحلام وردية من مثل طبيب أو مهندس أو طيار، فيما أصبحت حدود أحلامهم اليوم صنعةٌ بين أيديهم تقيهم عوز الحياة هم وعائلاتهم”.
بديل أسوأ
عقب مقتل والده بقصف طال منزله، واضطراره تالياً إلى النزوح من قريته كفرزيتا بريف حماة، اضطر عبد الله، ابن الأربعة عشر عاماً، إلى ترك مدرسته، منذ ثلاثة أعوام، والعمل في مهنة الحدادة في المنطقة الصناعية بمدينة حماة، لمساعدة والدته التي تعمل في تنظيف المنازل في حمل عبء إخوته الأصغر سناً.
“اضطررت إلى ترك مدرستي رغم حبي لها وعدم رغبتي في تركها”، يقول عبدالله بصوت طفولي حزين، “لكن لم يعد باستطاعة أمي تأمين طعام يومنا، ما دفعها لإجباري على العمل مع صاحب أحد المنازل التي تعمل فيها، رغم أني لا أحب هذه المهنة”. واصفاً نفسه بأنه “رجل المنزل ويجب أن أقف مع والدتي في تربية إخوتي”.
لكن على صعوبة عمل الأطفال، قد يكون البديل أسوأ، إذ يُلاحظ أيضاً تزايد نسبة الشبّان اليافعين ممن لم تتجاوز أعمارهم الثمانية عشر عاماً، في سجون الأحداث، بسبب قضايا سرقة ونهب وخطف، بل وحتى قتل في مناطق من أرياف حماة، بحسب المصدر في مديرية التربية بحماة، بالإضافة إلى قضايا التسول التي أخذت بالانتشار بشكل كبير في المدينة، وعلى نحو غير مسبوق.
وبحسب المصدر ذاته، فإن ما يجنيه الأطفال من التسول يعود لصالح شبكات أمنية يملكها ضباط ومسؤولون في مخابرات نظام الأسد. مستدلاً على ذلك برصد عدّة سيارات مظللة النوافذ سوداء اللون ذات لوحات أمنية وعليها صور لمجموعات ومليشيات المخابرات الجوية تقوم بإنزال أطفال ونساء على إشارات مرور ساحة العاصي ودوار عين اللوزة بحماه الذي يشهد التجمع الأكبر لأهالي المدينة، وتعود هذه السيارات لأخذهم حوالي الساعة الخامسة عصراً. وهو ما يفسّر عدم مواجهة هذه الظاهرة من قبل عناصر الشرطة والأمن الجنائي، كما أضاف.
وإضافة إلى استفادة أجهزة النظام من تسول الأطفال، بما في ذلك استغلالهم “كمخبرين للوشاية للضباط عن جميع ما يحصل داخل المدينة”، كما يضيف المصدر، فقد أصبحت الظاهرة “واقعا مفروضاً على الأهالي في ظل غياب المساعدات الحقيقية للطفل والبيئة الملائمة لتعليمه وسط زيادة معدلات الفقر يوماً بعد آخر في سوريا”.
لكن عبد الله ما يزال يأمل بغد أفضل، إذ “سأعود يوماً إلى تعليمي”، كما يقول، “فحلمي أن أصبح مهندساً معمارياً لإعادة بناء منزلي في كفرزيتا”.
وسوم: العدد 926