تنياهو وبن زايد والتحالف العسكري الجديد في شرق المتوسط
تحالف عسكري جديد على الطريق يجري الإعداد لإطلاقه رسميا باتفاق بين إسرائيل واليونان وقبرص ودولة الإمارات برعاية أمريكية. المشاورات لتكوين التحالف بدأت قبل أكثر من عامين، وتبلورت في الاجتماع الرباعي الأخير الذي عقده وزراء الدول الأربع في مدينة (بافوس) القبرصية يومي 16 و17 من الشهر الحالي، واتفقوا فيه على أن «مصير هذا الإقليم يجب عدم تركه لدول من خارجه» وأعلنوا إقامة منظمة هدفها «التعاون في الطاقة والأمن» تكون عضويتها مفتوحة للدول من داخل الإقليم بشروط احترام علاقات حسن الجوار، وصيانة سيادة ووحدة أراضي كل دولة، والالتزام بقواعد القانون الدولي، وتسوية النزعات بالطرق السلمية.
وزير خارجية الإمارات عبد الله بن زايد كان من المقرر أن يشارك عبر دائرة فيديو مغلقة، لكنه فضل إرسال الوزير أنور قرقاش المستشار الدبلوماسي لرئيس الإمارات لتمثيل الدولة حضوريا في الاجتماع الذي شارك فيه وزراء خارجية إسرائيل وقبرص واليونان. وكانت الدول الأربع قد قطعت خلال العامين الماضيين خطوات مهمة على طريق بناء تحالف عسكري في ما بينها استجابة لـ»رياح التغيير التي تهب على المنطقة من البحر المتوسط إلى البحر الأحمر والخليج». وكان من أهم تلك الخطوات إقامة علاقات بين الإمارات وإسرائيل، ومشاركة الإمارات في مناورات عسكرية مع السعودية واليونان في مياه وأجواء جزيرة كريت، إضافة إلى صفقات أسلحة إلى كل من الدولتين العربيتين، وصفقات اقتصادية أحدثها صفقة الإمارات لامتلاك خُمس حقل تمار للغاز بقيمة تتجاوز مليار دولار.
التحالف الجديد يؤكد أن عملية عسكرة الشرق الأوسط وصلت إلى مستوى لم يسبق له مثيل، حتى خلال الحرب الباردة، سواء من حيث سباق التسلح حجما ونوعا، أو من حيث بروز تحالفات عسكرية إقليمية، تضم حكومات عربية وغير عربية، أو من حيث تعاظم دور التنظيمات شبه العسكرية، والمنظمات المتطرفة المسلحة في السياسة الإقليمية، مثل الحوثيين وحزب الله والحشد الشعبي و»القاعدة» و»داعش». ومن الغريب أن سباق التسلح، ومشروعات الأحلاف العسكرية، وأنشطة المنظمات غير الحكومية المسلحة والمنظمات المتطرفة، يجري تبريرها جميعا بدافع السعي لتحقيق «الاستقرار والسلام والرفاهية» لشعوب المنطقة. ومع أن دول شرق المتوسط المنتجة للغاز كانت قد اتفقت على إنشاء «منتدى شرق المتوسط للغاز» في القاهرة، الذي أعلن قيامه رسميا اعتبارا من أول مارس الماضي، فإن المشروع الجديد الذي تقوده إسرائيل، يتبنى أهدافا أكبر من مجرد التعاون في الغاز، وهو ما يضع علامة استفهام على الدور المستقبلي للمنتدى. كذلك فإن المشروع فتح الباب للإمارات للانضمام إلى هيئة شرق متوسطية بديلة، بعد رفض فلسطين طلبها الانضمام كمراقب في منتدى الغاز، كما رسخ حقيقة وجود منظمات إقليمية مفتوحة لعضوية الدول العربية وغير العربية، وهو ما يمثل معول هدم لأساس النظام الإقليمي العربي الذي نشأ بعد الحرب العالمية الثانية.
يسعى نتنياهو إلى أن يصبح أي حلف عسكري إقليمي سوقا كبيرة لصادرات الأسلحة الإسرائيلية
مشروع نتنياهو
ينطلق نتنياهو في مشروعه لتسيد المنطقة، من فرضية عدم صلاحية المادة الخامسة من ميثاق حلف الناتو لتكون أساسا لأي تحالف عسكري بين إسرائيل وجيرانها، ويتمسك بأن يكون هدف التحالف هجوميا في مواجهة إيران وليس دفاعيا. كذلك فإنه أدخل تركيا في دائرة الأعداء، محذرا من محاولاتها التوسعية. وهو أيضا رفض عنوان «الناتو العربي» كتسمية للمنظمة التي كان دونالد ترامب قد اقترحها في القمة العربية الإسلامية الأمريكية في الرياض عام 2017. واقترح نتنياهو في حوار عبر منصة زووم تسمية «الناتو الشرق أوسطي» بدلا من «الناتو العربي» للتحالف الذي يسعى لإقامته. ويتضمن مشروع نتنياهو أيضا دمج الأبعاد الدفاعية والأمنية والاقتصادية، داخل صيغة الناتو الشرق أوسطي. وقد حرص على أن يكون ذلك واضحا في اتفاقيات التطبيع الأخيرة، التي وقعتها إسرائيل مع الإمارات والبحرين والمغرب والسودان. فطبقا للاتفاقيات، يسير التعاون العسكري مع الاقتصادي يدا بيد، ويعزز كل منهما الآخر. وقد تناولت المباحثات الأخيرة في (بافوس) حوارا حول تنمية الغاز، وإقامة مشاريع مشتركة لترويج السياحة، والتعاون في مجالات مكافحة كورونا، إلى جانب التعاون في المجالات الأمنية، بما في ذلك أمن المعلومات. ولا يخفي نتنياهو سعيه لأن تتحول إسرائيل إلى قوة عالمية، حيث قال في تعليقات إعلامية بعد حادث (نطنز) في إيران «الوضع غداً لن يكون مثل اليوم. نعم إن إسرائيل قوة إقليمية، لكنها أيضا قوة عالمية في عدد من المجالات». وتمثل الإمارات بالنسبة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنكا مفتوحا للوفاء بأغراض التمويل اللازمة، خصوصا مع سعي الولايات المتحدة إلى تقليل أعباء الإنفاق العسكري، ودعوتها لحلفائها بتحمل نسبة أكبر من تكاليف الدفاع. كذلك يسعى نتنياهو إلى أن يصبح أي حلف عسكري إقليمي سوقا كبيرة لصادرات الأسلحة الإسرائيلية. وفي هذا السياق أعلنت إسرائيل في اليوم التالي لمباحثات (بافوس) التوقيع على اتفاق دفاعي مع وزارة الدفاع اليونانية بقيمة 1.65 مليار دولار، تقدم بمقتضاه شركة «البيت» للصناعات العسكرية الإسرائيلية، مركزا متطورا لتدريب الطيارين اليونانيين، وتديره لمدة 20 عاما. وجاء في البيان الصادر بشأن الاتفاق أنه ليس مجرد صفقة تجارية، ولكنه اتفاق شراكة عسكرية طويل الأمد. كذلك فإن الإمارات وقعت عقودا عسكرية مباشرة لاستيراد السلاح من إسرائيل.
المشروع الأمريكي
يستند مشروع التحالف الرباعي الجديد في شرق المتوسط على قانون أصدره الكونغرس الأمريكي في صيف عام 2019، وضع فيه القواعد الملزمة للحكومة بأن تتقدم إلى لجانه المعنية، مثل العلاقات الخارجية والدفاع والطاقة، بمشروع استراتيجية تهدف لتحقيق الأمن والتعاون الإقليمي في شرق المتوسط، على أساس شراكة استراتيجية مع الولايات المتحدة. وحدد التقرير اليونان وإسرائيل وقبرص بوصفها الدول الثلاث المحورية في هذه الشراكة، التي يجب أن تعمل للدفاع عن المصالح الأمريكية في المنطقة ضد «الأنشطة الخبيثة» التي تقوم بها روسيا، والمحاولات التركية لتهديد مصالح الدول الأخرى، بانتهاك القانون الدولي والقيام بأعمال تتعارض مع سياسات حسن الجوار، واحترام سيادة الدول الأخرى. وقد أمهل الكونغرس الحكومة مدة لا تتجاوز 90 يوما للتقدم بالاستراتيجية المطلوبة، أي قبل نهاية عام 2019. وحدد القانون التفاصيل التي يجب أن تتضمنها الاستراتيجية، بما في ذلك وصف الدور الذي ستقوم به الولايات المتحدة في منتدى الغاز لدول شرق المتوسط، وتقييم البنية الأساسية لإنتاج الغاز، ونقله إلى أوروبا لتخفيض اعتمادها على الغاز الروسي، وتقييم أنظمة حماية هذه البنية الأساسية وكيفية الدفاع عنها في حالات الطوارئ، أو تعرضها للعدوان، ودراسة مدى إمكان تأسيس مركز للطوارئ في قبرص لتقديم المساعدات اللوجستية للدفاع عن منشآت الغاز، وبيان مدى مشاركة الشركات الأمريكية في أنشطة التنقيب والإنتاج والتصدير. كذلك نص القانون على أن تقدم وزارة الخارجية للكونغرس بيانا بالأنشطة كافة التي تقوم بها الشركات الروسية للنفط والغاز في شرق المتوسط منذ بداية عام 2017، وكذلك الدور الذي تقوم به روسيا عموما في دول شرق المتوسط في المجالات المختلفة، بما في ذلك مبيعات الأسلحة، والعقود الحكومية، وأنشطة الخبراء، وبيان طبيعة الدور الذي تقوم به تركيا في كل المجالات. واعتبر القانون أن شراء تركيا لنظام الدفاع الصاروخي الروسي أس – 400 يمثل تهديدا لأمن دول حلف شمال الأطلنطي.
مساعدات عسكرية
ومن أجل تحقيق الأهداف الواردة في القانون قرر مجلس الشيوخ الأمريكي أن تقوم الحكومة برفع الحظر المفروض على صادرات السلاح إلى قبرص، وتقديم مساعدات عسكرية إضافية إلى اليونان، وإجراء المزيد من التدريبات العسكرية للدول الثلاث إسرائيل واليونان وقبرص، ووقف إرسال طائرات أف – 35 إلى تركيا. كما تضمنت الإجراءات مراقبة كل أنشطة التنقيب عن النفط والغاز في بحر أيجه، وتعزيز التعاون الأمريكي – الشرق متوسطى في مجالات الغاز. وعلى هذا الأساس عقدت الولايات المتحدة اجتماعا مع كل من إسرائيل وقبرص واليونان في أوائل العام الماضي للاتفاق على مشروع إنشاء خط أنابيب بحري يمتد من إسرائيل إلى قبرص واليونان ليصل إلى إيطاليا، ومن هناك يتصل بشبكة الغاز الأوروبية. وفي السياق نفسه بدأت في عام 2020 المشاورات لإنشاء منتدى شرق المتوسط للغاز في القاهرة، وانضمت إليه الولايات المتحدة بصفة عضو مراقب. وتنفيذا لهذا القانون قامت شركة شيفرون بشراء شركة (نوبل أنرجي) في العام الماضي، وهو ما نبهنا إليه في حينه في هذه الصحيفة، وقلنا إنه سيغير قواعد لعبة الغاز في شرق المتوسط. لكن الجديد والأهم في لقاء (بافوس) هو أن إسرائيل أحضرت الإمارات إلى المشهد، لتكون عضوا في التحالف، الذي من المقرر أن يلعب دورا رئيسيا في تحجيم المصالح الإيرانية والروسية والتركية في شرق المتوسط.
وسوم: العدد 926