من هم الآثمون بسبب آفة الفساد ؟
الفساد وهو نقيض الصلاح حالة تعتري كل شيء، فتحوله عن طبيعته التي خلقه الله تعالى عليها بشكل سلبي يفقده قيمته ماديا أو معنويا . ولقد بيّن الله سبحانه وتعالى طبيعة ،ومنشأ ،ومصدر الفساد الذي يعم الكون بما فيه من سماوات وأرض ومن فيهن في قوله عز من قائل : (( لو اتبع الحق أهواءهم لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن )) وقوله : (( لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا فسبحان الله رب العرش عمّا يصفون )) أما طبيعته ،فهي حلول الباطل محل الحق ، وأما منشؤه ومصدره ،فهو الأهواء البشرية المنحرفة عن الفطرة التي فطر الله تعالى الناس عليها والتي تجعل مع الله سبحانه وتعالى وهو الإله الواحد الحق آلهة متعددة باطلة ، وهو فساد الاعتقاد الذي تترتب عنه كل أنواع الفساد المادي منها والمعنوي .
ولقد حارب الله تعالى الفساد بكل أنواعه وأشكاله بفرض فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ذلك أن كل أمر بالمعروف هو في حد ذاته نهي عن المنكر حيث قال : (( ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون )) ، فبموجب هذا النص القرآني تتجلى الدعوة إلى الخير في فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهي عبارة عن حرب على الفساد بكل أنواعه وأشكاله.
وتأخذ أنواع الفساد أشكالا مختلفة في كل عصر ومصر ، وقد قص علينا القرآن الكريم نماذج منه عرفها التاريخ البشري ، ولا زال الفساد موجودا ، وسيبقى كذلك في البشرية إلى قيام الساعة .
والمتورطون في الفساد بكل أنواعه وأشكاله وكلهم آثم في شرع الله عز وجل سبعة :فاسد ويكون بالضرورة إما مفسدا ـ بكسر السين ـ ، أو مفسدا ـ بفتح السين ـ ، أومؤيدا للفساد ، أوساكتا عليه ، أوغافلا عنه ، أوغير منكر له .
ولا يخلو متورط في الفساد من أن يكون أحد هؤلاء السبعة . وقد تجتمع في الواحد منهم أكثر من صفة من صفات هؤلاء السبعة ، فيكون على سبيل المثال فاسدا قد أفسد ـ بضم الهمزة ـ وأفسد ـ بفتح الهمزة ـ أو يكون مؤيدا للفساد بسكوته عنه وبعدم إنكاره أو محاربته ، أو يكون بغفلته عنه ساكتا عليه ، كما يكون بذلك مؤيدا له دون وعي أو علم منه .
ومما يصعّب من مهمة إنكار الفساد وهو شر منكر في زماننا هذا أنه صار يحمى بقوانين تحميه ، وتحمي المتورطين فيه بشكل أو بآخر حتى صار من ينكره يتابع ويحاسب ويعاقب .
ولقد صار الإعلام في زماننا هذا يلعب دورا خطيرا في نشر وتسويق الفساد بكل وأنواعه وأشكاله ، وهو إعلام يحظى بالدعم المادي والمعنوي من قبل جهات لها مصالح في فساد المجتمعات وإفسادها ، وهي تحارب بضراوة وشراسة كل من يتعقب فسادها وإفسادها بفضحه أو إنكاره .
ومن أساليبها الماكرة في نشر فسادها تمريره عبر ما لا يساء الظن به أو يشك فيه من قبيل المناهج والبرامج الدراسية أو الفنون على اختلافها أو الأنشطة الرياضية أو المحتويات العلمية والفكرية أو الفلسفية ... إلى غير ذلك مما يقبل عليه عموم الناس بأذهان خالية من كل ارتياب في سلامته من عنصر الفساد المبطن الذي يفعل فعل السموم القاتلة في الدسم على المدى البعيد.
وأول خطوة لنشر الفساد بكل أنواعه وأشكاله عملية حمل الناس على التطبيع معه إعلاميا حتى يصير أمرا مألوفا بينهم قد تجاوزوا مرحلة إنكاره التي كانت لديهم أول عهدهم به . ومن أدوات التطبيع المعتمدة تغيير مسمياته للتمويه على حمولتها الدلالية التي تتقزز منها النفوس والطباع السليمة كما هو الشأن على سبيل المثال لا الحصر بالنسبة لفاحشة قوم لوط ذات الوقع السيء في النفوس السوية والتي سدت مسدها لفظة " مثلية " الأخف وقعا منها حسب ما أراده بها من اخترعوها للتمويه على فظاعتها وقبحها . وكالمثلية الرضائية التي سدت مسد فاحشة الزنا المقرفة ، وعلى هذين المثالين تقاس كل أمثلة الفساد التي يراد حمل الناس على التطبيع معها عن طريقة حيلة تغيير مسمياتها المرفوضة والملفوظة في المجتمعات السوية أخلاقيا ودينيا .
وعلى غرار فساد الأخلاق والقيم والطباع البشرية، تفسد المعاملات أيضا بكل وأنواعها المادية والمعنوية ، ويسوق لها تسويقا يجعلها محط اهتمام وإعجاب يدفعان في اتجاه التطبيع معها والانخراط فيها في نهاية المطاف .
ومما يسهل انتشار الفساد بكل أنواعه وأشكاله ،تفشي التقليد الأعمى الذي يشبه عدوى الأمراض والأوبئة ، وكذا سيادة ما يسمى بعقلية القطيع إذ لا تكاد مفسدة من المفاسد تظهر في مجتمع من المجتمعات البشرية حتى تنتشر انتشار النار في الهشيم فيتناقلها الناس فيما بينهم عبر وسائل الإعلام، ووسائل التواصل الاجتماعي دون وعي منهم على أساس أنها أمور عادية . ولم تعد توجد اليوم لدى أغلب الناس عندنا القناعة التي كانت لديهم من قبل وهي الشك المطلوب فيما يسوق لهم إعلاميا و اتهامه حيث صاروا يتعاملون معه كما يكون التعامل مع ما المسلم به عقلا ومنطقا وعقيدة ، ولا يحضر أحد منهم مبدأ أو قاعدة التحري والتبيّن المنصوص عليهما شرعا ، ولم يعد عندهم من حضور لمعنى الحديث القائل : " كفى بالمرء كذبا أن يحدث بكل ما سمع " .
وتقتحم سواد المقلدين التقليد الأعمى ، والخاضعين لما يسمى بعقلية القطيع عناصر خطيرة من بني جلدتهم مستأجرة لنشر الفساد ومقنعة بأقنعة العلم والخبرة والاختصاص... وهلم جرا مما يضفي عليها المصداقية المزورة وشأنها شأن ذئاب كاسرة تقتحم قطعان الماشية للفتك بها .ولا يخطر ببال المقلدين التقليد الأعمى و لا المتحكمة فيهم عقلية القطيع أنهم يتحولون بذلك إلى شركاء في الإثم والجرم مع تلك العناصر الماكرة المستأجرة والمنفذة لأجندات الفساد الوافد من جهات خارجية أجنبية تتوقف مصالحها على نشر الفساد على أوسع نطاق ليقوم بدور المخدر الذي يخدر وعي أغلبية مخدوعة بما تسوقه من فساد لا تنتبه إلى خطورته .
وشر الفساد ما كانت خطورته تهدد الهوية الإسلامية التي صارت تقدم إعلاميا بأساليب خبيثة وماكرة لحمل أصحابها على التنكر لها ، والسعي نحو طلب غيرها من الهويات الطامسة لمعالمها شيئا فشيئا حتى تقضي عليها قضاء مبرما مع تراخي الزمن ، وتعاقب الأجيال بحيث لا يأخذ اللاحق منها هويته الإسلامية من السابق بعدما فرط فيها هذا الأخير تحت تأثير تلك الأساليب الماكرة والخبيثة والملتوية .
وفي الأخير نقول إن الأمة الإسلامية ما لم تنتبه إلى الأساليب الماكرة إعلاميا والتي تستهدف هويتها الدينية الآن وليس غدا أو بعده ، وما لم تستعن بلقاح القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة لتجديد مناعتها العقدية ستندم لا محالة مستقبلا، ولات حين مندم .
وسوم: العدد 938