التحية للرائد عمر خالص دمير
في ذكرى محاولة الانقلاب التركي الفاشلة، رأيت كثيرا من الأصدقاء يجدد التحية للرائد عمر خالص دمير.. ذلك الذي قتل قائده الانقلابي بسلاح الصاعقة، فكانت رصاصته ضربة قوية لأحد أضلاع الانقلاب العسكري.
دعوني أجدد مع الجميع التحية له..
لكني أريد أن أزجي التحية لرجل آخر، ذلك هو الذي كلفه بالمهمة، إنه القائد الذي اتصل به وأخبره بخبر الانقلاب وطلب منه ألا يسلم المقر وأن يقوم بواجبه..
هذا الرجل هو "صاحب القرار".. هو الذي (وَجَّه) جنديه ليفعل المطلوب..
لن أنتقص لحظة من شجاعة الذي نفَّذ القرار وضحَّى بنفسه.. ولكني مهموم جدا جدا بالتركيز على "صاحب القرار" الذي قال في اللحظة المناسبة: ماذا يجب أن نفعل!
لولا صاحب القرار هذا لكان من المحتمل جدا أن لا يُقدم عمر خالص دمير على ما فعل، ربما فكَّر وتحيَّر، ربما تأخر وارتبك، ربما ظنَّ أن أمر الانقلاب قد حُسِم وأن #أردوغان قد قُتِل ولا فائدة من المقاومة.. ربما لم يستوعب أصلا أن هذا انقلاب عسكري إلا بعد فوات الوقت..
لن ندري على وجه التحديد ماذا كان سيحدث لو لم يبلغه خبر الانقلاب العسكري، والتوجيه المطلوب منه لتنفيذه.
ربما نستطيع أن نلخص قصة فشل الانقلاب العسكري في تركيا وقصة نجاح الانقلاب العسكري في مصر بهذا الفارق.. فارق صاحب القرار الذي اتخذ قرارا ووجَّه الناس لتنفيذه!
إن عموم الناس وعموم الجنود أدوات تنفيذ لا أدوات تفكير.. وهذا ليس عيبا فيهم، هذه طبيعتهم ووظيفتهم..
باعتباري شاهد عيان على الانقلابيْن لا أتردد لحظة في أن أقول: إن الشعب التركي -مثل الشعب المصري تماما- كان مشلولا قبل أن يخرج أردوغان ويقول لهم: هذه القوات التي في الشوارع لا تمثل الشعب وعلى الشعب أن يواجهها!
دقائق على شاشة هاتف من رئيس لا يملك سوى الصوت قلبت حال الجماهير على الأرض.. وتحول الناس من القلق والفزع والترقب المشلول إلى الموج الهارد الزاحف للمواجهة.. بعضهم كان يهرع إلى ماكينة البنوك لسحب الأموال، وبعض المحلات رفض البيع بكارت البنك.. هيمنت أجواء الذعر قبل أن يأتي صوت الرئيس الحر غير المأسور ولا المقتول ليوجههم إلى ما يفعلون، وقد فعلوا.
بينما الشعب المصري وقف حائرا، فقد القيادة التي تقول له ماذا يفعل..
حتى الجيش المصري.. في 2013 كان فيه عناصر غير قليلة مستعدة لتنفيذ التوجيه إذا جاء لها.. ولكن من الذي يتخذ القرار ومن الذي يوجههم إليه.. لم يكن لدينا قائد يتخذ القرار ويوجه الناس إليه!
للرئيس الشهيد محمد مرسي -رحمه الله- مكانة كبيرة بصموده وثباته وتضحيته بنفسه.. ولكنه في الحقيقة ضحى بنفسه وبشعبه وبالبلد أيضا!! لم يكن على قدر هذه اللحظة مع كل إخلاصه وصلابته.. عاش هذه اللحظة كمسلم تقي لا كقائد أمة، كمأسور ينصح ويعظ لا كرئيس يقاتل ويستنفر.
نخون أنفسنا ونخون التجربة كلها لو اكتفينا بالحديث عن مناقب الشهيد مرسي رحمه الله ولم نذكر هذا العيب الخطير في هذه اللحظة الفارقة.. لم يتخذ القرار.. لم يتخذ القرار.. لم يتخذ القرار..
وظلت الجموع التي كانت مستعدة أن تضحي بنفسها في حكم المشلول، لا تدري ماذا تفعل.. تتنازعها أمواج من الحيرة والاضطراب والحزن والفزع والإنكار والدهشة.. حيرة المفجوع الذي صُدِم بالضربة بعد عام من التخدير والتنويم والطمأنة!
ألا فكَّ الله أسر الرجل الذي جعل شعاره "أدركوا اللحظة الفارقة"!!
وسوم: العدد 938