في غرورنا الاجتماعي ونحمّل عيوبنا وتخلفنا على الإسلام ونزعم أننا مجتمع مسلم !!
أليس في الخلط بين قيم الشريعة الإسلامية، وقيمنا المجتمعية تدليس وغرور وتغرير ؟؟!!
وهذا مدرج زلق، كثير الانكسارات والنتوءات والسبخات والمنحدرات فلنحذر.
وأكثر ما يخيفني أن يخرج عليّ أحدهم فيقرن ما سأقول بما يقول فلان وفلان وفلان ، من المتفلتين وهو إلى منهجهم أقرب.
وأتحدث عن التدليس، ولا أقصد تدليس إسناد ولا تدليس شيوخ، وإنما أقصد الحديث في الدلْس " الغبشة" حيث تختلط الظلمة بالنور ، فلا تستبين ملامح الأشخاص، ولا معالم الأفكار ..!!
وأبدأ بالقول وكل ما في شريعة الإسلام في منهليه من "الكتاب والسنة" حسن وجميل ورائق، وحُق لنا أن نجاهر به ونفاخر، ولاسيما حينما يحمله إلينا فقيه!! يفقه يفهم النص في إطاريه، ويعبر عنه بطريقة تليق بأفق عصره.
وأؤكد في الفهم الإسلامي لما جاء به محمد رسول الله، أن " شريعة الإسلام" هي الشاهدة على القرون والمجتمعات وليس العكس. وأن إطلاق مثل الإمام مالك رحمه الله تعالى "عمل أهل المدينة" شاهدا على الشريعة، كان في مكان مخصوص، وفي زمن محدود، وفي قضايا معينة، لم يكن منها الاستشهاد بشعر الأحوص، أو بواوات معبد ..!!
والذي ابتلينا به، وربما على مر التاريخ، وهو في جيلنا أظهر، أنه كلما قام قائم بين ظهراني المسلمين داع يدعو إلى الإصلاح الاجتماعي، فيضع يده على داء أو يصف بحكمة دواء، وما أحوج المسلمين إلى كل هذا ليخرجوا من رسيس أمراضهم التالد منها والطريف، ثار به من يرد عليه أن كل ما عندنا في شريعتنا كامل مكمل ...
وداعية الإصلاح حين يدعو، إنما يدعو لإصلاح واقع ، أو لإصلاح فهم لنص، وليس لإصلاح نص. فكلنا ىيسلّم أن النص الثابت ( وَحْيٌ يُوحَى )
ومع أن كل العقلاء يرون الخلل في مظاهره ومكامنه، دمامل وبثورا وخلايا طفيلية يسمونها أوراما خفية، ترتع في سواد الأمة في العقول والقلوب والأجساد، وبين الرجال والنساء والكبار والصغار، والشيوخ والشباب، ولا يستطيع أولو الأحلام والنهى أن يقاربوا أو يحاربوا مخافة أن يقال ,,,!!
أيها السادة الكرام ...
والذين يدعون إلى الإصلاح الاجتماعي في عالمنا، وفي مجتمعاتنا، وهو في رأيي متداخل أكثر مع الإصلاح السياسي، لا يدعون إلى الخروج على الشريعة، ولكن إلى تطبيقها. فهل نستطيع أن نفهم هذا !!
والشريعة بالنسبة لهؤلاء ليست ما قال قائل في القرن الثالث أو الرابع، بل هي المنهل العذب المعطاء من "كتاب وسنة" الذي يروي كل من يرد، وأول مظاهر إعجازه قدرته على العطاء بلا حدود...
والإصلاح الاجتماعي - أيها السادة - ظل مطلبا في حياة المسلمين منذ أن أطلق النذارة والبشارة الرسول. قال "جئت لأتمم مكارم الأخلاق"
والذين يحاولون أن يصوروا لنا " المجتمع المسلم" في كل العصور معصوما كما الشريعة الإسلامية في صبغتها الربانية، هم المدلسون الحقيقيون الذين كلما طالب مطالب بإصلاح ، فتحوا عليه بنادق التكفير أو التفسيق أو التبديع ، أو القصور عن الحكمة التي تسكت عن الداء الدوي حذر الداء الأدوى!!
نعم في حياتنا الاجتماعية التي قلما قاربها ظالم أو مستبد ، إلا بحذر كبير، خلل، وخلل كبير، ومنه تليد ورثناه وزيناه وجملناه، وشرعنه بعض المدلسين منا وفينا فأفسدوا على الناس دينهم ودنياهم،.
ومنه طريف استوردناه أو استورده البعض باسمنا، وأدخله علينا، وحسّن قبيحه لنا، ولسنا نزعم أن أحدهما أشد خطرا من الآخر علينا، ولسنا من الذين يقولون أصلا كل تالد تالف، ولا كل طريف مارق...وإنما خلقنا والحكمة ضالتنا أنى وجدناها كنا الأحق بها...
وسأضرب بعض الأمثال ، ولن أقترب من الأرض المزروعة بالألغام، التي كلما قاربها مصلح بإصلاح انفجرت في وجهه تدليسات الذين لا يعلمون ...
وهذه أولا العصبية التي وصفها رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنها منتنة ما تزال منذ غادرَنا صلى الله عليه وسلم تأكل أطرافنا ..
عصبيات متراكبة طبقا عن طبق، بعضها فوق بعض، كظلمات بحر لجي؛ نرفع أيدينا فلا نكاد من ظلمات العصبية نراها، عصبية عمياء أو حمية جاهلية، تكون أحيانا باسم الدين وباسم القوم وباسم العشيرة وباسم النسب وباسم الطبقة وباسم المدينة وباسم البلدة وباسم القرية وباسم الفكرة ، وباسم التاريخ ، وباسم الماضي ، وباسم السلف، وباسم الجدود وباسم الجماعة وباسم الحزب وباسم الزعيم وباسم الكبير وباسم القائد وباسم الشيخ وباسم الرئيس، وباسم ما شئت من عنوان أو اسم بعد ... حتى قال قائلهم: الأسد أو يحرقوا البلد!! وأحرقوها ..
العصبية مرض اجتماعي أشخصه، أقول في الاستعانة على مواجهته، بقال الله وقال الرسول ...
فلا يتصدى لي بنفيه عن حياة المسلمين أوعن حضارتهم أوعن مجتمعاتهم أو عن تجمعاتهم أحد ، ولاسيما أولئك الذين يتمترسون خلف قال الله وقال الرسول فيكنون فيما بينهم أشد عصبية ، حتى قال قائلهم منهم وفيهم " أشد تنازعا من...." وأستحيي أن أروي ما قالوا في عصبيتهم ..
ألف وأربع مائة عام وما زلنا " عرب تيمن في الوغى وتمضر " وليت الأمر وقف عند القيسية واليمنية، وإنما ما تزال شجرة العصبية تتفرع وتتشعب ، حتى تكاد كالخلايا السرطانية تنشب في جسمنا الحي فتقتله وتنتحر معه!! ثم يتكئ أحدهم على أريكة ويقول " مجتمع مسلم "
ثم هذه ثانيا عادة " الثأر " يا سادة....
ما تزال تفتك في مجتمعاتنا علوها وسفلها، تستشهد عليّ أن رسول الله صلى عليه وسلم ، وضع دماء الجاهلية في حجة الوداع تحت قدميه، بل أنا الذي استشهد عليك به، وتعجب وأنا أشد عجبا!!
وظلت مجتمعاتنا لصيقة بالعادة الأشد سوء، والتي طالما سُفكت تحت عرفها دماء، وانتهكت حُرم ، وظلم رجال ونساء وأطفال، وأجلي أقوام عن ديارهم بغير وجه حق، حقيقة لا يستطيع أن يماري فيها مدلس، تنشب أظفارها في أديم مجتمعات عنوانها أنها "مسلمة " ويظل يتفاخر بعناوين الجاهلية فيها متفاخرون. "واحدنا بميّة"!! وشر المنكرات ما رآه الناس معروفا !!
لا يشفع لك العنوان "مسلم" بالدفاع عن العادة ، أو بالامتناع عن إدانة السلوك، فاحفظ هذا ولا تنساه ..
وتتقدم خطوة ثالثة، ورابعة ،وخامسة، وتجد ومع أنك تحت مظلة ما يسمى "المجتمع المسلم" وما فيه من قيم الخير والحق والعدل، كثيرا ما توحل وأنت تجوز المفاوز والسبخات...ولا تقدر أن تنكر أو تستنكر!!
لا يحسن من عاقل كلما تحدثنا عن ثغرة في واقع بشري، في واقع عقلي أو فكري، في واقع رجل وامرأة وطفل، جاءت شريعة الإسلام لتعالج ما للبشر فيه من أمراض، أن يتصدى لنا من ينكر المرض لأن الله تعالى أو الرسول الكريم قال ..
قال الله .. وقال الرسول، ليعلمنا، ليخرجنا من حمأتنا، فلا تجعلوا مفاتيح الوصول مصادرة على المطلوب ..!! ( وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا" النفس الفردية والنفس الكلية، وإذا التزكية تكليف، وإذا سكوت من سكت عن بعض البلايا جعلها تعمر في مجتمعاتنا ألفا وأربع مائة عام ...
أمراضنا الاجتماعية "كانت وما زالت" و"استحدثت واستجدت" وكل ذلك بحاجة إلى من يباشر إزالة المنكر بمعروف ... وكيف نزيل منكرا ونحن ندافع عنه وما نزال نراه معروفا؟؟؟
وسوم: العدد 946