عودة الشعب التونسي إلى الحراك والتظاهر تأكيد لتمسكه بالمكاسب التي حققها
عودة الشعب التونسي إلى الحراك والتظاهر تأكيد لتمسكه بالمكاسب التي حققها بعد ربيعه واحتضانه لديمقراطيته الفتية ودفاعه عنها من خطر الديكتاتورية
من المعلوم أن تونس هي أول بلد عربي أينع وأزهر ربيعه ، وكانت بذلك قدوة كل البلاد العربية التي حذت حذوها . ولقد انتهى ربيع تونس إلى القطيعة مع فترة الاستبداد السياسي الذي أعقب فترة الاحتلال الفرنسي المقيت ، وخوض تجربة ديمقراطية حقيقية لأول مرة بالرغم من المؤامرات الخارجية سواء الغربية أو الإقليمية حيث انبرت بعض الأنظمة العربية المتوجسة من حلول الديمقراطيات محل ديكتاتوريتها لتعطيل كل ديمقراطية عربية فتية ناشئة ناجحة خصوصا عندما تبيّن لها أن الشعوب العربية راهنت على الإسلام للخلاص من الاستبداد والفساد السياسيين ، وكان المؤشر على ذلك هو وضع ثقتها في أحزاب أعلنت عن مرجعيتها الإسلامية ، وهو ما جعل جهات غربية وإقليمية تستهدف التجارب الديمقراطية الناجحة من خلال محاولات شيطنة تلك الأحزاب والتشكيك في صدق نيتها باحترامها قواعد اللعبة الديمقراطية ، واتهامها بأنها إنما تتخذها مطية للسيطرة على السلطة سيطرة استبداد وتسلط ، وكان هذا هو المبرر للإجهاز على التجارب الديمقراطية الفتية والناجحة في الوطن العربي ، فكان الانقلاب العسكري الدموي في مصر وقد انكشف تورط الغرب فيه من خلال سكوته الشيطاني عليه ، وهو الذي دأب على رفض الانقلابات العسكرية على الديمقراطيات حيثما كانت ، أما الجهات الإقليمية فقد كشفت علانية عن تورطها فيه من خلال مباركته وتأييده . وكان أيضا أسلوب التآمر على التجربة الديمقراطية الناجحة في تونس من خلال تعطيل مسارها حيث انبرت فلول النظام المستبد المنهار لتقويضها بشتى طرق وأساليب التآمر والخبث والمكر السيء حتى انتهى الأمر إلى ما بات يسمى انقلابا على الدستور من طرف الرئيس الحالي المنتخب ديمقراطيا ـ يا حسرتاه ـ والذي لوى بعنق فقرة في الدستور بشكل فاضح لتبرير ضرب التجربة الديمقراطية في الصميم من خلال تجميد عمل المؤسسة التشريعية، ورفع الحصانة عن أعضائها بنوايا مبيتة تمهيدا لحله ، ولتغيير الدستور كما تبين فيما بعد، فضلا عن اتخاذ قرارات انفرادية واستبدادية من قبيل الإقالات والاعتقالات ... وكلها تجاوزات وممارسات دالة على انحراف رئيس البلاد عن المسار الديمقراطي الذي هو خيار الشعب التونسي ، ومكسبه الذي حققه بثورة ربيعه المباركة . ولقد ظل الرئيس المنتخب ديمقراطيا ، والمتحور إلى مستبد كسابقيه يسوّف كي لا تعود عجلة الديمقراطية إلى الحركة من جديد ، وعمد إلى أسلوب الوعيد ، والتهديد ، وبشكل مثير للسخرية وهو التذرع للتغطية على محاولة استبداده بالسلطة بذريعة استهدافه بالتصفية الجسدية ، وهو أسلوب معروف عند كل الحكام الديكتاتوريين .
ولقد حاول الرئيس المتحور تقسيم الشعب على طريقة وأسلوب الحكام المستبدين ،فجعل بعضه من شيعته وأنصاره محاولا دغدغة مشاعرهم مستغلا سخطهم على الأوضاع المعيشية المتردية في البلاد، والتي يعدّ هو المسؤول الأول عنها باعتبار رئيس البلاد ، و محاولا الظهور أمامهم بأنه قد استضعف من طرف جهات نافذة في السلطة ، وأنه هو فاروقهم المخلص ، كما أنه جعل البعض الآخر من عدوه وخصومه ،وهددهم بالمتابعة والتصدي لهم بوابل من رصاص فوق الأرض وتحتها برا، وجوا، وبحرا على حد تصريحه الذي نقلته وسائل الإعلام .
ويوم أمس وجد الرئيس المتحور نفسه أمام مفاجأة من العيار الثقيل كما يقال ،وهي خروج الشعب التونسي في حراك وتظاهر ضخم ليعلن له رفضه القاطع لانقلابه على التجربة الديمقراطية من خلال التلكؤ في العودة السريعة إلي تحريك عجلتها ، وذلك من خلال مواصلة تجميد السلطة التشريعية ، والتفكير في تغيير دستور البلاد الذي يعتبر صمام أمان تجربته الديمقراطية
ومن المتوقع أن يظل الرئيس المتحور على عناده متذرعا بذريعة التآمر الخارجي والداخلي ، علما بأن بعض المصادر تشير إلى أن الجهات الإقليمية التي أجهزت على التجربة الديمقراطية في مصر وغيرها هي التي تشجعه على إعادة الديكتاتورية إلى تونس بذريعة مواجهتها لما تسميه الإسلام السياسي مستهدفة خيار الشعوب، ومن ثم مستهدفة تجاربها الديمقراطية التي تخشى من وصول عدواها إليها، وهي تدعمه ماديا ومعنويا من أجل ذلك .
وعودة الشعب التونسي إلى الحراك والتظاهرهو تأكيد لتمسكه بالمكاسب التي حققها بعد ربيعه المبارك ، وتأكيد على أنه يحتضن تجربته الديمقراطية الفتية والناجحة، ويحميها من كل أشكال التآمرالمكشوف ليصنع مستقبله الزاهر، ويرقى إلى مراتب الشعوب الناعمة بالديمقراطية الحقيقية ، والتي بيدها زمام أمورها .
ولا شك أن حدّة ووتيرة التآمر على إرادة الشعب التونسي ستزاد من طرف أعداء الربيع العربي لتيئيسه من نشدان الديمقراطية ، وإعادته إلى عهد الديكتاتورية المقيتة التي طردها خاسئة . و معلوم أن الذين يقفون وراء هذا التآمر بدءوا بالتلويح بفكرة فشل التجارب الديمقراطية التي أعقبت ثورات الربيع العربي لأنها جاءت بما يسمونه إسلاما سياسا إلى السلطة ، والتي كانوا يريدون منها أن تأتي بكل المسميات الأخرى من ليبرالية سياسية أوعلمانية سياسية أو ديكتاتورية مستبدة ...
ونأمل ونرجو أن يوفق الله تعالى شعب تونس العظيم في الحفاظ على تجربته الديمقراطية الرائدة التي كانت مبعث أمل كل الشعوب العربية التواقة إلى التحرر من الاستبداد والفساد السياسيين ، ومن الديكتاتوريات المقيتة ، وما ذلك على الله تعالى بعزيز ، وما ذلك من الشعب التونسي الأبي ببعيد .
وسوم: العدد 947